الفلسفة السياسية لمفهومي الحرية والدين لمونتسكيو

اقرأ في هذا المقال


“عندما تتحد السلطتان التشريعية والتنفيذية في نفس الشخص أو في هيئة القضاة لا يمكن أن تكون هناك حرية، ومرة أخرى لا توجد حرية إذا لم يتم فصل السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وإذا انضمت إلى السلطة التشريعية فإنّ حياة وحرية الفرد ستتعرض لرقابة تعسفية.”

بارون دي مونتسكيو

فلسفة الحرية السياسية لدى مونتسكيو:

يعد مونتسكيو من بين أعظم فلاسفة الليبرالية ولكن ما أطلق عليه شكلار “ليبرالية الخوف” فوفقاً لمونتسكيو الحرية السياسية هي هدوء ذهني ينشأ من رأي كل شخص في سلامته، فالحرية ليست هي الحرية في فعل ما نريد أي إذا كانت لدينا الحرية في إيذاء الآخرين على سبيل المثال فسيكون للآخرين أيضًا الحرية في إلحاق الضرر بنا ولن نثق في سلامتنا، وتتضمن الحرية العيش في ظل قوانين تحمينا من الأذى بينما تتركنا أحرارًا في القيام بأكبر قدر ممكن، وهذا يمكننا من الشعور بأكبر قدر ممكن من الثقة بأننا إذا أطعنا تلك القوانين فلن يتم توجيه سلطة الدولة ضدنا.

“الحرية السياسية لدى المواطن هي هدوء الروح الذي ينبع من رأي كل فرد بأمانه، ولكي يتمتع بهذه الحرية يجب أن تكون الحكومة بحيث لا يخشى المواطن مواطنًا آخر”.

بارون دي مونتسكيو

واجب الحكومات لتفعيل مبدأ الحرية:

إذا كان للحكومة أن توفر لمواطنيها أكبر قدر ممكن من الحرية فيجب أن تتمتع بسمات معينة:

  • أولاً بما أنّ التجربة المستمرة تُظهر لنا أنّ كل رجل مستثمر بالسلطة يكون عرضة لإساءة استخدامها فمن الضروري من طبيعة الأشياء أن تكون القوة بمثابة فحص للسلطة، ويتحقق ذلك من خلال الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية للحكومة، وإذا مارس أشخاص أو هيئات مختلفة هذه الصلاحيات فيمكن لكل منهم التحقق من الآخرين إذا حاولوا إساءة استخدام سلطاتهم، ولكن إذا كان لدى شخص واحد أو جسم واحد العديد من هذه السلطات أو جميعها فلا شيء يمنع ذلك الشخص أو الجسم من التصرف باستبداد ولن يثق الناس بأمنهم.

تسهل بعض الترتيبات على القوى الثلاث التحقق من بعضها البعض، ويجادل مونتسكيو بأنّ السلطة التشريعية وحدها يجب أن تتمتع بسلطة فرض الضرائب حيث يمكنها بعد ذلك حرمان السلطة التنفيذية من التمويل إذا حاولت الأخيرة فرض إرادتها بشكل تعسفي، وبالمثل يجب أن يكون للسلطة التنفيذية الحق في نقض أعمال الهيئة التشريعية ويجب أن يتكون المجلس التشريعي من مجلسين كل منهما يمكن أن يمنع أفعال الآخر من أن تصبح قانونًا.

كما يجب أن يكون القضاء مستقلاً عن كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية ويجب أن يقتصر على تطبيق القوانين على قضايا معينة بطريقة ثابتة ومتسقة بحيث تصبح السلطة القضائية الرهيبة والمزعجة للبشرية تصبح كما كانت غير مرئية والناس يخشون المنصب ولكن ليس القاضي.

  • تتطلب الحرية أيضًا أن تتعلق القوانين فقط بالتهديدات التي تهدد النظام والأمن العام لأنّ هذه القوانين ستحمينا من الأذى بينما تترك لنا الحرية في القيام بأشياء أخرى كثيرة قدر الإمكان، وبالتالي على سبيل المثال لا ينبغي أن تتعلق القوانين بالجرائم ضد الله لأنّه لا يطلب حمايتها، ويجب ألّا يحظروا ما لا يحتاجون إلى حظره فكل عقوبة لا تنبع من الضرورة هي عقاب استبدادي، والقانون ليس مجرد فعل سلطة حيث الأشياء بطبيعتها غير المبالية ليست داخل إقليمها وجالها.
  • يجب وضع القوانين بحيث يسهل قدر الإمكان على المواطنين حماية أنفسهم من العقاب بعدم ارتكاب الجرائم، ولا ينبغي أن تكون غامضة لأنّها إذا كانت كذلك فقد لا نكون متأكدين أبدًا مما إذا كان عمل معين يمثل جريمة أم لا، ولا ينبغي لهم أن يحظروا الأشياء التي قد نقوم بها عن غير قصد مثل الاصطدام بتمثال الإمبراطور أو مثل الشك في حكمة أحد قراراته، وإذا كانت مثل هذه الأفعال جرائم فلن يكون هناك قدر من الجهد للالتزام بقوانين البلد يبرر الثقة بأنّها ستنجح وبالتالي لن نشعر أبدًا بالأمان من الملاحقة الجنائية.
  • أخيرًا يجب أن تسهل القوانين على أي شخص بريء إثبات براءته قدر الإمكان، ويجب أن يهتموا بالسلوك الخارجي وليس على سبيل المثال أفكارنا وأحلامنا لأنّه بينما يمكننا محاولة إثبات أننا لم نقم ببعض الإجراءات لا يمكننا إثبات أننا لم نفكر أبدًا، ويجب ألّا تجرم القوانين السلوك الذي يصعب إثباته بطبيعته مثل السحر، ويجب على المشرعين توخي الحذر عند التعامل مع جرائم التي لا تتم عادة في حضور العديد من الشهود خشية أن “يفتحوا بابًا واسعًا جدًا للافتراء.

كان تركيز مونتسكيو على العلاقة بين الحرية وتفاصيل القانون الجنائي غير عادي بين معاصريه وألهم المصلحين القانونيين اللاحقين مثل سيزار بيكاريا.

الفلسفة السياسية وربطها بالدين لدى مونتسكيو:

“الحروب الدينية ليست بسبب وجود أكثر من دين واحد ولكن بسبب روح التعصب، ولا يمكن اعتبار انتشارها سوى كسوف كامل للعقل البشري”.

بارون دي مونتسكيو

يلعب الدين دورًا ثانويًا في روح القوانين ويوصف الله في الكتاب الأول لمونتسكيو بأنّه خلق الطبيعة وقوانينها وبعد القيام بذلك يختفي ولا يلعب دورًا توضيحيًا آخر، وعلى وجه الخصوص لا يشرح مونتسكيو قوانين أي بلد من خلال الاستعانة بالتنوير الإلهي أو العناية الإلهية أو التوجيه.

في روح القوانين يعتبر مونتسكيو الأديان من حيث علاقتها فقط بالخير الذي تنتجه في المجتمع المدني وليس بصدقها أو زيفها، وإنّه يعتبر الأديان المختلفة مناسبة لمختلف البيئات وأشكال الحكومة، حيث إنّ التحريم الإسلامي لأكل لحم الخنزير مناسب للجزيرة العربية حيث تندر الخنازير والتي تساهم في الإصابة بالأمراض، بينما في الهند حيث هناك حاجة ماسة للماشية ولكنها لا تزدهر فإنّ حظر أكل لحم البقر مناسب، وهكذا عندما أصر مونتيزوما Montezuma بشدة على أنّ دين الإسبان كان جيدًا لبلدهم ودين الإسبان للمكسيك لم يؤكد عبثيته.

يمكن أن يساعد الدين في تخفيف آثار القوانين والمؤسسات السيئة حيث إنّه الشيء الوحيد القادر على أن يكون بمثابة ضابط على السلطة الاستبدادية، ومع ذلك من وجهة نظر مونتسكيو من الخطأ عمومًا إسناد القوانين المدنية إلى المبادئ الدينية.

حيث يهدف الدين إلى كمال الفرد بينما تهدف القوانين المدنية إلى رفاهية المجتمع، وبالنظر إلى هذه الأهداف المختلفة غالبًا ما يختلف فيما يجب أن تتطلبه هاتان المجموعتان من القوانين، ولهذا السبب لا يجب أن يكون الدين دائمًا هو المبدأ الأول للقوانين المدنية، فالقوانين المدنية ليست أداة مناسبة لفرض قواعد السلوك الدينية بمعنى أنّ الله له قوانينه الخاصة وهو قادر تمامًا على فرضها دون مساعدتنا، وعندما نحاول أن نفرض قوانين الله عليه أو نضع أنفسنا كحماة له فإننا نجعل من ديننا أداة للتعصب والقمع وهذه خدمة لا لله ولا للبلاد.

فلسفة تعدد الديانات لدى مونتسكيو:

إذا اكتسبت ديانات عديدة أتباعًا في بلد ما فيجب أن يتم التسامح مع هذه الأديان ليس فقط من قبل الدولة ولكن من قبل مواطنيها أيضًا، كما يجب أن تتطلب القوانين من الأديان المتعددة وذلك ليس فقط أنّها لن تورط الدولة ولكن يجب ألا تثير الاضطرابات فيما بينها.

وبينما يمكن للمرء محاولة إقناع الناس بتغيير الأديان من خلال تقديم حوافز إيجابية للقيام بذلك فإنّ محاولات إجبار الآخرين على التحول غير فعالة وغير إنسانية، وفي فقرة لاذعة بشكل غير عادي يجادل مونتسكيو أيضًا بأنّهم لا يستحقون المسيحية حيث يكتب: “إذا تجرأ أي شخص في الأوقات القادمة على التأكيد على أنّه في العصر الذي نعيش فيه كانت شعوب أوروبا متحضرة فأنت (حيث سيتم الاستشهاد بمحاكم التفتيش) لإثبات أنّهم كانوا بربريين وستكون الفكرة التي سيحصلون عليها عنك من شأنها أن تهين عمرك وتنشر الكراهية على جميع معاصريك”.


شارك المقالة: