مصطلح متشكك مشتق من الاسم اليوناني (skepsis) مما يعني الفحص والتحقيق والاعتبار، وإنّ ما يقود معظم المتشككين إلى البدء في الفحص ثم في النهاية في حيرة بشأن ما يجب أن يؤمن به المرء إن وجد، وهو حقيقة الخلاف الواسع النطاق والذي يبدو أنّه لا نهاية له بشأن القضايا ذات الأهمية الأساسية، وقد ازدهرت الشكوك البيرونية من إحياء الفيلسوف انيسيديموس (القرن الأول قبل الميلاد) إلى الفيلسوف سكستوس إمبيريكوس الذي عاش في وقت ما في القرنين الثاني أو الثالث بعد الميلاد، وقد قام سكستوس بالكثير من الإسهامات في الفلسفة الشكيّة.
طرق أغريبا Agrippa:
كإضافة إلى الأنماط العشر لانيسيديموس يقدم سكستوس مجموعة من خمسة أوضاع وطريقتين المستخدمة من قبل (المتشككين الأكثر حداثة)، وقد يجمع من ديوجين أنّ المشككين الأحدث المشار إليهم هو (Agrippa)، ومن المهم الإشارة إلى أنّ سكستوس مجرد تقارير عن هذه الأوضاع فهو لا يؤيدها على المستوى النظري، أي أنّه لا يدعي أنّهم يمتلكون أي نوع من الموقف المنطقي على سبيل المثال أنّهم مضمونون للكشف عن خلل في المواقف العقائدية أو أنّهم يمثلون شكلاً مثاليًا من التفكير.
بدلاً من ذلك يجب أن نفكر في هذه الأنماط كجزء من الحساب العام للشك الذي تترابط معه ممارسة المتشكك، وبعبارة أخرى تصف هذه الأنماط ببساطة الطريقة التي يتصرف بها سيكستوس ورفاقه المتشككون بشكل جدلي.
تعتمد أنماط (Agrippa) الخمسة على انتشار النزاع وتكرر الموضوع الرئيسي لأساليب انيسيديموس، حيث كثيرًا ما نواجه آراء مخالفة فيما يتعلق بنفس المسألة ومع ذلك ليس لدينا أسباب كافية لتفضيل وجهة نظر واحدة على أخرى، وإذا قدم دوغمائيًا تفسيرًا لمثل هذه الأسباب فقد يطلب المشكك بعد ذلك مزيدًا من التبرير مما يؤدي إلى الانحدار اللانهائي.
ومن المفترض لا ينبغي أن نكون مستعدين لقبول تفسير لا يكتمل أبدًا أي تفسير يتطلب شرحًا إضافيًا لنفسه، فإذا حاول الدوغمائي أن يضع حداً للتراجع عن طريق فرضية فسيرفض المتشكك قبول الادعاء دون دليل وربما يستشهد بفرضيات بديلة غير متوافقة.
وأخيرًا سيرفض المتشكك السماح للعقائدي بتأييد تفسيره بما يفترض أن يشرحه رافضًا أي تفكير دائري، وبالطبع قد يستفيد المتشكك أيضًا من ملاحظة أن ما يتم شرحه يظهر فقط كما هو الحال بالنسبة لبعض الشروط ذات الصلة، وبالتالي على عكس الافتراض الدوغمائي لا يوجد شيء واحد يمكن شرحه في المقام الأول.
الشك مقابل النسبية:
توظف سكستوس هذه الأنماط المتشككة نحو هدف مختلف تمامًا عن هدف انيسيديموس، فانيسيديموس كما هو معروف فإنّ التأكيدات النسبية على الشكل (X) ليست أكثر (F) من (F)، وهذا يعني أنّه على الرغم من أنّ (X) ليست حقًا في طبيعتها (F)، إلّا أنّها لا تزال (F) حقًا في بعض الظروف الخاصة، ومن المقبول أنّ يعتقد المتشككون الانينيزيون أنّ هذا هو الحال، ولكن بالنسبة لسكستوس فإنّ العبارة المتشككة: “أنا أحدد شيئًا” تستبعد المعتقدات النسبية أيضًا.
ليس من المقبول أن يعتقد سكستوس أنّ (X) هي (F) حتى مع إخلاء المسؤولية النسبية، وبدلاً من ذلك سيطلب منا سكستوس الامتناع عن الاعتقاد بأنّ (X) ليس أكثر من (F) من ليس (F)، وبالتالي فإنّ تعليق الحكم يمتد إلى سكستوس أكثر مما يمتد إلى انيسيديموس.
الحياة المتشككة:
لذا فإنّ الشك هو القدرة على اكتشاف الحجج المتعارضة ذات القوة الإقناعية المتساوية، والتي تؤدي ممارستها أولاً إلى تعليق الحكم وبعد ذلك بالصدفة إلى الهدوء، وهذا يجعل نسخة سكستوس من الشك البيروني مختلفة بشكل كبير عن المواقف الفلسفية الغربية الأخرى لأنّها ممارسة أو نشاط وليس مجموعة من المذاهب، وفي الواقع بقدر ما يفترض أن يعيش المشكك بدون إيمان (adoxastôs)، فإنّه لا يستطيع أن يؤيد باستمرار أي عقيدة فلسفية، ولكن كيف يمكن العيش بدون معتقدات؟
الإجابة المختصرة هي أنّه يمكن للمرء ببساطة أن يتابع المظاهر ويمنع الحكم على ما إذا كان العالم حقًا كما يبدو، ويبدو هذا معقولًا فيما يتعلق بالتصورات الجسدية لكن المظاهر لسكستوس تشمل التقييمات وهذا يخلق تعقيدًا، فكيف يمكن للمتشكك أن يقول: “هذا يبدو جيدًا (أو سيئًا) بالنسبة لي، لكنني لا أعتقد أنّه جيد أو سيء حقًا؟” ويبدو أنّه لا يوجد فرق بين المظاهر التقييمية والمعتقدات التقييمية.
تتمثل إحدى الاستجابات المحتملة لهذه المشكلة في القول إنّ سكستوس يستهدف فقط النظريات الفلسفية المعقدة حول القيمة أو حول الفيزياء أو المنطق، ولكنه يسمح للمواقف والمعتقدات اليومية بالبقاء، ومن وجهة النظر هذه فإنّ الشك هو علاج مصمم لعلاج مرض الأكاديميين والمنظرين، ولكن يبدو أنّ سكستوس يعتزم أن يكون علاجه الفلسفي قابلاً للتطبيق على نطاق واسع، فالحياة المتشككة كما يقدمها هي إنجاز وليست مجرد استعادة براءة محلية فقدت بسبب التكهنات الفلسفية.
أي إجابة على السؤال حول كيف يمكن أن يعيش المشكك بدون معتقدات ستعتمد على نوع المعتقدات التي نعتقد أنّ المتشكك يتجنبها، ومع ذلك يأتي تفصيل العيش وفقًا للمظاهر في شكل الاحتفالات الرباعية، وبدلاً من البحث عن أفضل طريقة للعيش أو حتى ما يجب القيام به في ظروف معينة يلاحظ سكستوس أنّ المشكك سيوجه أفعاله من خلال:
1- الطبيعة.
2- الضرورة بالمشاعر.
3- القوانين والأعراف.
4- أنواع من الخبرات.
تزودنا الطبيعة بالقدرة على الإدراك والتفكير وقد نستخدم هذه القدرات بقدر ما لا تقودنا إلى الإيمان العقائدي، وبالمثل فإنّ الجوع والعطش سوف يدفعاننا نحو الطعام والشراب دون الحاجة إلى تكوين أي معتقدات صريحة بشأن تلك الأحاسيس الجسدية، فلا يحتاج المرء إلى قبول أي نظريات غذائية للاستجابة بشكل مناسب وملائم للجوع والعطش، وستعلمنا القوانين والأعراف بالتقييمات المناسبة للأشياء.
فلا نحتاج في الواقع إلى تصديق أنّ الآلهة موجودة وأنّهم خيرون للمشاركة في الاحتفالات الدينية أو حتى التصرف بطريقة تقية (أو على الأقل تبدو)، ولكن من الجدير بالملاحظة أنّه المتشكك لن يعتقد أنّ الآلهة موجودة ولا أنّها غير موجودة فهو ليس مؤمنًا ولا ملحدًا ولكنه لا يدري بمعنى قوي جدًا، وأخيراً قد يمارس المشكك حرفة أو مهنة دون قبول أي نظريات تتعلق بممارسته، على سبيل المثال لا يحتاج النجار إلى أي آراء نظرية أو هندسية حول الأبواب حتى يكون ماهرًا في تعليقها.
وبالمثل لا يحتاج الطبيب إلى قبول أي نظريات فسيولوجية لشفاء مرضاه بنجاح، والسؤال الآخر الذي يشير إلى الخلاف الذي تم استكشافه في بيرنييت وفريد في عام 1997، وهو ما إذا كان المتشكك يتجنب مجرد المعتقدات النظرية المعقدة في استخدام هذه الملاحظات أو ما إذا كان يتجنب جميع المعتقدات على الإطلاق.