الفلسفة اليابانية في العصور القديمة

اقرأ في هذا المقال


مثل نظرائهم الغربيين سعى الفلاسفة اليابانيون إلى الإجابة عن أسئلة حول المعرفة من خلال نظرية المعرفة، والعمل الأخلاقي والعلاقة بين الفن والجمال، وطبيعة الواقع المسماه بالميتافيزيقيا، يكمن التمييز بينهما في افتراضاتهم المختلفة حول كيفية التعامل مع الإجابات على مثل هذه الأسئلة، حيث يطرح الفلاسفة الغربيون زوجًا من الأضداد – العقل والمادة، الذات والآخر، الواقع والمظهر – ويسعون لتقريب المسافة بينهما، بينما يسعى الفلاسفة اليابانيون إلى فهم الطرق التي تتداخل بها هذه الأضداد الظاهرة، والنتيجة فأن الفلسفة اليابانية تبرز العمليات المترابطة والمجمعات التي تشمل الأضداد الظاهرة.

تطور الفلسفة اليابانية في العصور القديمة:

كانت الفترة القديمة التي امتدت من القرن السابع حتى القرن التاسع الميلادي عصر التنصيب وتنظيم الدولة، فقد تم استيراد نظامين فكريين رئيسيين – الكونفوشيوسية والبوذية – من كوريا والصين، بينما تناولت الكونفوشيوسية – الذات الاجتماعية – ومن أهم المبادئ الكونفوشيوسية الإنسانية والولاء والأخلاق والاعتبار على المستوى الفردي والسياسي، مؤثرة بذلك على هيكل الحكومة وأنماط السلوك الرسمي، فقد قدمت البوذية نظرة نفسية ثاقبة لعمل الذات الداخلية.

الشنتو:

فمن خلال الاستبطان والممارسة المنضبطة للزراعة الذاتية سعى أتباع البوذية إلى تطوير كل من القوة الكاريزمية لعمل العجائب والموارد الإبداعية للتعبير الفني، فهناك تعايشت الكونفوشيوسية والبوذية مع أساطير السكان الأصليين التي أكدّت كلاً من الأصل الإلهي للخط الإمبراطوري والروحانية المحلية التي شددت على الإستجابة المتبادلة بين الناس والطبيعة، مما أصبحت بعض هذه الأفكار والقيم الأصلية مهمة للتقليد والذي أطلق عليه فيما بعد الشنتو.

الشنتو هي الديانة الأصلية لليابان وحتى الحرب العالمية الثانية كانت دين الدولة فيها، فهي نوع من الروحانية المتعددة الآلهة، ويتضمن عبادة كامي أو ما يدعى بالأرواح، ويمكن إرجاعها إلى أوائل السكان الأصليين لليابان على الرغم من أنّه تم تعديلها بشكل كبير مع وصول البوذية في القرن السادس، فلا يوجد لدى شنتو مجموعة ملزمة من العقيدة، وأهم عناصرها هي حب كبير وتقديس للطبيعة بجميع أشكالها واحترام التقاليد والأسرة والنظافة الجسدية والماتسوري أو ما تدعى بالمهرجانات المخصصة لكامي، إذن الشنتو ليست فلسفة في حد ذاتها لكنها أثرت بشكل كبير على جميع الفلسفات الأخرى في تفسيراتها اليابانية.

دور البوذية في الفلسفة اليابانية:

كان الهدف من الفلسفة المبكرة للفترة القديمة في المقام الأول هو استيعاب وتصنيف الأفكار والممارسات المستوردة من البر الرئيسي الآسيوي، كما ينعكس في دستور المادة السابعة عشرة – 604 -، وهو قانون للمبادئ الأخلاقية للطبقة الحاكمة سنه ولي العهد والوصي شوتوكو تايشي، حيث كان الهدف من الفلسفة والحكومة هو الانسجام، وليس التنافس أو الفصل بين التقاليد.

دخلت البوذية اليابان بشكل نهائي من موطنها الهند عبر الصين وكوريا في عام 550 بعد الميلاد، وتسمى فترة نارا – حتى 784 -، وفترة هييان – 794-1185 – وفترة ما بعد هييان – 1185 فصاعدًا – فشهدت اليابان إدخال مذاهب جديدة واضطرابات في المدارس القائمة وهي تصنف إلى ثلاثة تصنيفات.

تصنيف المدارس الرئيسية للبوذية اليابانية:

  • زن البوذية: تم توثيق Zen كمدرسة متميزة للبوذية لأول مرة في الصين في القرن السابع الميلادي، حيث تم تأسيسها كمزيج من التيارات المختلفة في الفكر البوذي الهندي لماهايانا، وانتشر بعد ذلك جنوباً إلى فيتنام وشرقاً إلى كوريا ثم اليابان، على الرغم من أنّ اليابانيين قد عرفوا الممارسات الشبيهة بزن لعدة قرون من مثل الطاوية والشنتو، إلّا أنّها لم يتم تقديمها كمدرسة منفصلة حتى القرن الثاني عشر.

هذا المذهب يؤكد أنّ جميع الكائنات الحية تمتلك طبيعة بوذا، وهي طبيعة الحكمة والفضيلة المتأصلة والتي تكمن في أعماق أذهانهم، فيحاول ممارسو الزِن اكتشاف طبيعة بوذا داخل أنفسهم من خلال التأمل واليقظة في التجارب اليومية، ويُعرف تأمل جلسة Zen مثل أوضاع اللوتس أو نصف اللوتس أو البورمية أو التشنج بإسم زازين، ومدارس Zen الموجودة حاليًا في اليابان هي Soto – الأكبر – و Rinzai – والتي تتواجد مقسّمة إلى عدة مدارس فرعية – و Obaku – الأصغر -.

  • الأرض النقية – أو الأميدية – البوذية: Pure Land هي فرع واسع من بوذية ماهايانا وهي حاليًا واحدة من أشهر مدارس البوذية في شرق آسيا جنبًا إلى جنب مع Zen، فالأرض النقية فرع عبادي أو يمكن القول إيماني من البوذية يركز على أميتابها بوذا.

تعلم بوذية الأرض النقية أنّه من خلال التفاني لأميتابها فقط سيولد الفرد من جديد في الأرض النقية التي يضمن فيها التنوير، ففي اليابان في العصور الوسطى كانت شائعة أيضًا بين أولئك الذين يعيشون في ضواحي المجتمع مثل البغايا والمنبوذين الاجتماعيين الذين غالبًا ما حرمهم المجتمع من الخدمات الروحية ولكن لا يزال بإمكانهم العثور على شكل من أشكال الممارسة الدينية من خلال عبادة أميتابها.

  • نيتشيرين البوذية: البوذية نيتشيرين هي فرع من البوذية تقوم على تعاليم الراهب الياباني نيتشيرين من القرن الثالث عشر – 1222-1282 – حيث إنّه يركز على لوتس سوترا والإعتقاد المصاحب بأنّ جميع الناس لديهم طبيعة بوذا فطرية وبالتالي هم قادرون بطبيعتهم على تحقيق التنوير في شكلهم الحالي وحياتهم الحالية، ولقد كان شائعًا بشكل خاص بين تجار كيوتو في العصور الوسطى باليابان وبين بعض القوميين المتطرفين خلال حقبة ما قبل الحرب العالمية الثانية، وله سمعة طيبة بسبب الحماس التبشيري والجهود الحادة لتحويل الآخرين.

فاخترقت البوذية الثقافة بشكل أكثر شمولاً في القرنين السابع والثامن وكان للعديد من موضوعاتها الرئيسية تأثير دائم على النظرة اليابانية للعالم، وإنّ المفاهيم البوذية مثل النشأة غير المستقلة والفراغ وعدم الدوام وعدم جوهر الذات ألهمت رؤية الكون كعملية ديناميكية دائمة الظهور وفهم للذات على أنها مترابطة مع العالمين الاجتماعي والطبيعي بدلاً من كونها مستقلة، الذي وضع الفلاسفة المتأثرون بالمفاهيم البوذية أيضًا بقيود الكلمات أو المفاهيم لتمثيل الواقع بشكل مثالي وأكدوا على دور العقل في بناء الواقع.


شارك المقالة: