برونو باور الذي ولد في 6 من أيلول في عام 1809 وتوفي في 13 نيسان لعام 1882، وهو فيلسوف ألماني ومؤرخ وعالم لاهوت، وتنقسم مسيرته المهنية إلى مرحلتين رئيسيتين والتي قسمتهما ثورات 1848.
الحياة المهنية للفيلسوف باور:
1- عام 1809: ولد برونو باور في مدينة أيزنبرج في تورينجيا جنوب شرق ألمانيا.
2- عام 1815: انتقلت عائلة باور إلى برلين حيث عمل والده في مصنع الخزف الملكي في شارلوتنبورغ.
3- في الأعوام ما بين عام 1828 إلى 1834: درس في جامعة برلين تحت إشراف هيجل وشلايرماخر والهيغليين هوثو ومارهاينكي.
4- عام 1829: بناءً على توصية هيجل فاز مقال باور عن جماليات كانط بالجائزة الملكية البروسية في الفلسفة.
5- للأعوام من 1834 إلى 1839: حاضر باور في اللاهوت والنصوص التوراتية في برلين، وتم نقله إلى كلية اللاهوت في بون بعد نشره هجومًا على زميله والمعلم السابق هينجستينبيرج.
4- من عام 1839 حتى ربيع 1842: قام بالتدريس في بون عندما تم فصله بسبب عدم اتباعه في كتاباته عن العهد الجديد، وجاء الفصل بعد استشارة وزارة التعليم مع كليات اللاهوت في الجامعات البروسية الست، ولكن لم يتم التوصل إلى توافق في الآراء من التحقيق الأكاديمي.
5- عام 1841: جاء أمر إقالة باور مباشرة من ملك بروسيا فريدريك فيلهلم الرابع، الذي أصدر مرسوماً بتعليق التوظيف الحكومي للمشاركين في مأدبة لتكريم الليبرالي الألماني الجنوبي كارل ويلكر والتي أقيمت في برلين، وفي تلك المناسبة اقترح باور نخبًا لمفهوم هيجل عن الدولة.
6- من عام 1842 إلى عام 1849: كان باور ناشطًا في الصحافة السياسية والبحث التاريخي عن عصر التنوير والثورة الفرنسية.
7- الأعوام ما بين 1842 إلى 1843: جادل باور ضد تحرير اليهود البروسيين، معتبراً هذا الاقتراح بمثابة شرعية سياسية لمصالح دينية معينة، وكان هدفًا لهجمات جدلية من قبل ماركس وإنجلز في العائلة المقدسة لعام 1844 والأيديولوجية الألمانية التي كتبت في الأعوام 1845-1846.
8- عام 1848: أسس باور مع شقيقه إدغار جمعية شارلوتنبورغ الديمقراطية، وترشح دون جدوى لانتخابات الجمعية الوطنية البروسية على أساس برنامج السيادة الشعبية.
9- الأعوام ما بين 1848-1849: بقي باور في بروسيا بعد هزائم هذه الأعوام، واستمر في إنتاج أعمال النقد الكتابي والتحليل السياسي، حيث كتب في منتصف خمسينيات القرن التاسع عشر في صحيفة دي تسايت (Die Zeit) التي ترعاها الحكومة والتي اتخذت مناهضته لليبرالية منحى محافظًا، وساهم بمقالات عن الشؤون الأوروبية في صحف أخرى مثل دي بوست وكلينز جورنال ونيويورك ديلي تريبيون.
10- من عام 1859-1866: تعاون مع فريدريش فيلهلم هيرمان فاجنر في كتابه المحافظ معجم الدولة والمجتمع (Staats- und Gesellschafts-Lexikon)، وقام بتحرير جميع المجلدات الـ 23 تقريبًا، وفي كتابة العديد من المقالات والعديد منها مع مواضيع معادية للسامية.
11- عام 1865: حصل على مزرعة صغيرة في ريكسدورف في ضواحي برلين.
12- 13 نيسان 1882: توفي في مزرعته الصغيرة في برلين.
فكر باور وعمله:
كان باور مفكرًا وكاتبًا غزير الإنتاج، وبين عامي 1838 و 1848 وحده نشر باور 12 كتابًا، وأكثر من ستين مقالة عن هيجل والكتاب المقدس وعلم اللاهوت الحديث والتنوير والثورة الفرنسية وما بعدها، ولم تتم ترجمة معظم كتابات باور إلى الإنجليزية بعد.
اثنان فقط من كتبه قد تمت ترجمتهما رسميًا وهما:
1- محاكاة ساخرة كوميدية بوق الدينونة الأخيرة ضد هيجل الملحد والمسيح الدجال.
2- المسيحية مكشوفة، ويذكر هنا القرن الثامن عشر ومساهمة في أزمة القرن التاسع عشر.
في عام 2003 نشر دوجلاس موغاش (فلسفة وسياسة برونو باور)، وهو نظرة عامة شاملة عن حياة باور وأعماله، وقد تم تفسير عمل باور وأفكاره بطرق مختلفة ومن الصعب أحيانًا فهم وجهة نظره بوضوح، حيث قام بنشر مجهولة المصدر وبأسماء مستعارة وكذلك التعاون مع آخرين حتى يتم الطعن في بعض الادعاءات المنسوبة إليه، وتوجد اختلافات بين تصريحات باور في أعماله المنشورة وفي مراسلاته الخاصة.
وتعد أعماله البوق المجهول للحكم الأخير عام 1841 وعقيدة هيجل للدين والفن عام 1842، كانا محاكاة ساخرة حيث تظاهر باور كناقد محافظ لهيجل ونسب لهيجل آرائه الثورية، وتتعارض آرائه الدينية الأرثوذكسية اليمينية المبكرة مع شكوكه والليبرالية اللاحقة، ويبدو أنّ أفكار باور قد طغى عليها تورطه في التيارات السياسية المتقاطعة والمعارك بين المثقفين اليساريين واليمينيين في نهاية القرن التاسع عشر.
في عام 1836 درس باور الشاب كارل ماركس، ولاحقًا انتقد الفيلسوفان ماركس وإنجلز باور بشدة في كتابين وهما: العائلة المقدسة والأيديولوجية الألمانية، وأداروا ظهورهم له ولم يتحدثوا معه أبدًا مرة أخرى، وكما أنّه بعد طرده من قبل الملك البروسي من أي منصب أستاذي بشكل فعال من الأوساط الفكرية الرسمية وجعله صحفيًا وناقدًا خاصًا.
وهناك عدد من الإشارات إلى باور في القرن العشرين أنّه كان ملحدًا، ومع ذلك تشير العديد من الأعمال اللاهوتية في القرن التاسع عشر إلى برونو باور كمسيحي، ولم تكن فلسفة باور أقل تعقيدًا وإثارة للجدل من فلسفة هيجل التي تبناها كل من اليمين الديني واليسار الملحد.
يقدم أحد الكتاب المعاصرين بول تريجو حجة أنّ باور ظل لاهوتيًا راديكاليًا ينتقد أنواعًا معينة من المسيحية، وأنّ باور حافظ على التفسير الهيغلي للمسيحية طوال حياته، وكان كتاب باور سيئ السمعة المحظور كشف المسيحية عام 1843 في الواقع شأنًا معتدلًا، حيث كشف فقط طائفة واحدة من المسيحيين ضد طائفة أخرى.
تعرض باور لانتقادات بسبب موقفه تجاه اليهود في مقالته التي حملت عنوان السؤال اليهودي (Die Judenfrage)، حول المسألة اليهودية التي جادل فيها ضد تحرير اليهود البروسيين على أساس أنّ القيام بذلك سيجعل مصالح دينية معينة مشروعة سياسياً، ويمكن تلخيص موقف باور تجاه الحقوق المدنية لليهود الألمان في سؤاله: “كيف يمكن لليهود الحصول على الحقوق المدنية حتى يحصل الألمان أنفسهم على الحقوق المدنية؟”.
تأثير فلسفة باور:
في أربعينيات القرن التاسع عشر وهي الفترة المعروفة باسم فورمارز (Vormärz) أو مقدمة للثورات الألمانية في مارس 1848، قد كان باور قائدًا لحركة اليسار الهيغلي حيث طور تفسيرًا جمهوريًا لهيجل والذي جمع بين العناصر الأخلاقية والجمالية.
أكدت نظريته عن الوعي الذاتي اللامتناهي المستمدة من تفسير هيجل للروح الذاتية والاستقلالية العقلانية والتقدم التاريخي، وذلك من خلال التحقيق في المصادر النصية للمسيحية، ووصف باور الدين بأنّه شكل من أشكال الاغتراب، والذي بسبب أوجه القصور في الحياة الأرضية أظهر قوى غير عقلانية ومتعالية على الذات بينما يقّر المصالح الطائفية والمادية الخاصة، وانتقد دولة الاستعادة وقاعدتها الاجتماعية والقانونية وأيديولوجيتها الدينية الأرثوذكسية.
بتحليل ظهور المجتمع الجماهيري الحديث رفض الليبرالية لمعارضتها غير المنطقية للنظام القائم، ومعادلتها للحرية بالملكية ولكنه اتهم الاشتراكية بعدم كفاية تقدير الاستقلال الذاتي الفردي، وبعد هزائم عام 1848 تبرأ باور من هيجل، وتنبأ بأزمة عامة للحضارة الأوروبية بسبب استنفاد الفلسفة وفشل السياسة الليبرالية والثورية، وكان يعتقد أنّ آفاق التحرير الجديدة ستخرج من الأزمة.
درست كتاباته المتأخرة ظهور روسيا كقوة عالمية وفتحت حقبة من الإمبريالية العالمية والحرب، وأثّرت هذه الكتابات على تفكير الفيلسوف فريدريك نيتشه في التجديد الثقافي، وزعم الفيلسوفان فريدريك إنجلز وكارل كاوتسكي نقد باور الديني للحركة الاشتراكية، بينما أثرت النزعة المحافظة المناهضة للتقليدية في عمله المتأخر على فكر الفقيه الألماني كارل شميت في القرن العشرين.