الفيلسوف جرين وامتلاك الثروة

اقرأ في هذا المقال


لم يكن توماس هيل جرين راضيًا عن نظام الملكية السائد في مختلف دول أوروبا، وكان يعرف بالطبع أنّ نظام الملكية الأوروبي كان نتاج الثورة الصناعية وخلف ذلك لعبت الطبقة الرأسمالية الدور المهيمن، وكان الفيلسوف المثالي الوحيد الذي شعر بشدة بضرورة دور الدولة في مجال التخفيف من الفقر والبؤس لعامة الناس.

فلسفة جرين بين الملكية الخاصة والثروة:

هل هذا ينطبق على الثروة؟ إنّ افتراض جرين هو الملكية الخاصة، حيث كانت الأرض مميزة بسبب محدودية العرض وأهميتها لجميع الممتلكات الأخرى، ومن ثم يجادل بأنّ المشكلة ليست في امتلاك الثروة في حد ذاتها ولكن في إنتاجها وتوزيعها، وفي مناقشته يسلط الضوء على مجالين صعبين هما حرية الوصية أو الميراث والتجارة الحرة، حيث تكمن المشكلة في أنّ كلاهما قد يؤدي إلى تركيزات كبيرة للثروة ومن ثم القوة لتقييد حرية الآخرين.

يرى جرين أنّ جزءًا ضروريًا من التخطيط لمستقبل المرء لنفسه هو تقرير مصير ثروة المرء، على سبيل المثال جزء من الملكية الخاصة هو القدرة على التصرف بإحسان من خلال التبرع للأعمال الخيرية وغيرها من الهدايا، وهذا يشمل الحق في تحديد توزيع ثروة المرء فور وفاته، على سبيل المثال يقول جرين أنّ أطفال الرجل: “مشمولون في توقعاته لمستقبله”، ومن خلال هذا يعني أنّ جرين يريد التوضيح بأنّ تصرفات الرجل موجهة جزئيًا نحو أهداف معينة تستند إلى وجود وحياة أطفاله وأصدقائه، وبالتالي فإنّ إزالة قدرة الفرد على تنفيذ إرادته هي قيد على إرادته.

فكر ورأي ريف (Reeve) بفلسفة جرين حول الميراث:

يجادل ريف (Reeve) بأنّه من غير المؤكد ما إذا كان جرين يرى الحق الأساسي على أنّه ميراث أو وصية، لأن ّجرين يجادل أيضًا بأنّ الأطفال لديهم مطالبة أولية على والديهم بمستوى معين من الرعاية والاعتبار، وفي الواقع لا يهتم جرين إلّا حقًا بالوصية، وأنّه أقل تعاطفاً مع الميراث لأسباب عديدة، فعلى سبيل المثال لم يعمل أي طفل من أجل الثروة التي ورثها، وهذا مهم لأنّه يعد الشرط الإيجابي لحيازة الملكية الا وهو العمل.

أيضًا ينص جرين صراحة على أنّ للرجل ما يبرره تمامًا في عدم ترك ثروته لطفل لا يوافق على أفعاله، فقد تمت صياغة حق الطفل في هذا المقطع بشكل أكبر من حيث الحق في أن يتم تربيته بشكل صحيح، وفي الواقع يعتبر حق الوصية أمرًا حيويًا هنا لأنّه يسمح بإمكانية عدم ترك الأطفال يرثون بالتساوي أو على الإطلاق، وبالتالي ممارسة عقل الرجل بطريقة تخلق إحساسًا بالمسؤولية الأسرية فيه واحد من الفوائد الرئيسية لحرية الوصية أنّها تعزز رعايته واحترامه للآخرين وتسمح له بوضع خطط طويلة الأجل يمكنه من خلالها تحقيق إرادته الحقيقية.

كما أن ريف (Reeve) مخطئ عندما يجادل بأنّ نظرية جرين في الوصية لا تقول شيئًا عن وضع من ليس لديهم أطفال، بحيص يقول جرين صراحة أنّ الرجل يجب أن يكون حرا في توزيع ثروته كما يشاء بين أبنائه (أو إذا لم يكن لديه من بين آخرين)، فإنّه يجب أن يجادل في هذا ليكون ثابتًا، والنقطة المهمة في حق الوصية أنّها تمكن الإنسان من وضع خطة معينة تؤثر على الطريقة التي يعيش بها حياته والتي يربي فيها أبناءه ويصدر أحكامًا صريحة على من يعتقد أنّهم سيبقون بعده.

مفهوم المساواة في المجتمع وعلاقته بالميراث في فلسفة جرين:

لا تزال هناك مشكلة تتمثل في أنّ حرية التركة أو الميراث تساعد في الحفاظ على عدم المساواة في الثروة في المجتمع، ويبدو أنّ الفقراء محكوم عليهم بالبقاء في فقر لأنّ الثروة يمكن أن تبقى داخل نفس الأسرة أو في أفضل الأحوال داخل الطبقة، حيث يجادل جرين بأنّ هناك عدة أسباب للاعتقاد بأنّه سيتم تجنب هذا التركيز للثروة أو تقليله أو تعويضه في المجتمع:

1- أولاً: سوف تتعارض المودة الأسرية الطبيعية مع العادات والقوانين التي تدعم إعطاء الثروة لطفل واحد فقط وعادةً الابن الأكبر، وبالفعل فإنّ قانون البكورة ( أي الابن الأكبر والذي يطلق عليه البكر) غير شرعي لأنّه يمنع حق الرجل في توزيع ثروته كما يشاء.

2- ثانيًا: المورث قد يساهم بشكل كبير من خلال عمله في الصالح الاجتماعي، والدولة المنظمة بشكل جيد ستنتزع هذا العمل بطرق مختلفة من مالكي الثروة الموروثة، إذن من المفترض أن تكون هذه مساهمة أكبر مما كان سيقدمه لو لم يرث الثروة.

3- ثالثاً: والأشد واعدًا بالنسبة إلى جرين هو أنّه من المشروع للدولة أن تفرض ضرائب على دخل الفرد وثروته على أساس أنّها توفر الأمن لمقتنياته وحاجياته، وهذه حجة مهمة وقوية.

ومع ذلك من المثير للاهتمام أنّ نظرية المنفعة لجرين تنكر حق الفرد المطلق في الملكية الخاصة في رأس المال، ولكي تكون الضرائب متسقة مع الملكية الخاصة البحتة يجب على الفرد بطريقة ما إعطاء موافقته على أخذ أمواله، ومع ذلك بالنسبة إلى جرين لا يلزم حتى أن تكون هناك موافقة ضمنية على أن تكون الضرائب مشروعة، وللدولة الحق في زيادة الضرائب من الميراث بسبب الفوائد التي تمنحها بدلاً من الموافقة التي تتلقاها.

كما يجادل بأنّ ضرائب إعادة التوزيع مشروعة لأنّ الدولة تحمي حقوق الفرد في الميراث والتركة، والحقوق شرعية فقط عندما تخدم تنمية الوعي الأبدي، ويمكن للضرائب أن تفعل ذلك وعندما تفعل ذلك يحق للدولة فرض ضرائب على الفرد الذي يتجاوز حق هذا الأخير في الملكية الخاصة، وهناك دعوة للحق في اكتساب الملكية الخاصة في نفس الوقت الذي يتم فيه رفضه جزئيًا.

ومع ذلك فإنّ تبرير جرين دائمًا ما يكون مقيدًا صراحةً بالحاجة إلى أن يكون في خدمة الوعي الأبدي، وهكذا ينص جرين على أنّه: “لا يتم إلّا من خلال الضمان الذي يمنحه المجتمع له أنّ الإنسان لديه ملكية على الإطلاق، أو بالمعنى الدقيق للكلمة أي حق في ممتلكاته”، وبالتالي فإنّ دعوة جرين إلى إعادة التوزيع الضريبي تتفق مع نظريته الغائية الأوسع.


شارك المقالة: