اللغة والهوية الاجتماعية

اقرأ في هذا المقال


ما هي الهوية الاجتماعية؟

تعرف الهوية الاجتماعية بأنها ذلك الجزء من مفهوم الذات للفرد، المشتق من معرفته بعضويته في مجموعة اجتماعية محددة. حيث في الآونة الأخيرة كان هناك الكثير من الجدل حول نشأة تلك الهوية الاجتماعية أو المجتمعية عندما يركز تعريف الذات على جانب ذاتي مشترك، والتي قد تكون من بين أمور أخرى مشتركة اعتقادًا أو رمزًا أو سمة نفسية أو جسدية، وكان هذا وفقًا لدراسة أجراها العالم سايمون في عام 2004. على سبيل المثال، الجانب الذاتي البارز الذي تقوم عليه الهوية الاجتماعية لمجموعة عرقية يمكن أن يكون الإيمان بتراث الحضارة المشترك.

وعلى الرغم من ذلك، جادل علماء النفس الاجتماعي بأن الهوية الاجتماعية قد تتعرض للتهديد إذا شعر الأفراد بشكل مستمر وبمرور الوقت، بالتمييز عن الآخرين، واحترام الذات والكفاءة الذاتية، مهددين بالتغيرات في السياق الاجتماعي، وكان ذلك وفقًا لدراسة أجروها العلماء بريكويل في عام 1986 وبروير في عام 1992.

علاقة اللغة بالهوية الاجتماعية:

تعد اللغة كعلامة  الهوية وإشارة على الهوية الثقافية والاجتماعية، كما أكد العديد من الكتاب على العلاقة بين اللغة والهوية العرقية مثل (تشو في عام 2000، وبيكر في عام2001). وعلاوة على ذلك يُقال إن اللغة الأم لها أهمية خاصة، فهي جانب من جوانب الهوية العرقية حيث يُنظر إليها على أنها شيء ثابت وموروث منذ الولادة، وكان هذا وفقًا لدراسة أجراها العالم فيشمان في عام 1991.

في بعض الحالات يمكن اعتبار المجموعة العرقية والاجتماعية ذات أهمية في حياتنا، فتعد القيمة والأهمية العاطفية المرتبطة بتلك المجموعة مميزة وخاصة لأفراد المجتمع، حيث يتم بناء الطفل اجتماعيًا بشكل غير إرادي في ثقافة الانتماء الجماعي، أي أن الإنسان يشعر بالانتماء إلى مجموعته وهويته العرقية والاجتماعية بشكل طبيعي وبدون الحاجة إلى التعلم. ومع ذلك من غير المرجح أن تكون هذه حقيقة عالمية حيث قد تكون هناك هويات أخرى في بعض الثقافات تعتبر أكثر أهمية أو أكثر بروزًا.

فبين علماء اللغة جاسبال وكويل أن اللغة العربية، وهي اللغة الشائعة المرتبطة بالهوية الإسلامية، يمكن أن ينظر إليها الباكستانيونالبريطانيون كرمز لهويتهم الدينية الجماعية. ففي الآونة الأخيرة أصبح المنظّرون متوافقون مع فكرة أن الهوية من المحتمل أن تكون سياق اجتماعي محدد يميز كل مجتمع عن الآخر.

دراسة كوهين في الهوية الاجتماعية واللغة:

على حد تعبير كوهين في دراسته في عام 2000، يمكن للمرء أن يكون مسلمًا في المسجد، وعربيًا في الشارع، وآسيويًا في الزحام السياسي في بريطانيا، وبريطاني عند السفر إلى الخارج، وكل ذلك يكون في يوم واحد. فمن المرجح أن تكون الهويات داخل وخارج بيئة المنزل مختلفة نوعًا ما، وهذا يمكن ملاحظته بين المراهقين والشباب.

المراهقة والهوية الاجتماعية:

المراهقة هي فترة فريدة من نوعها في الحياة، حيث تبدأ الخيارات المستقلة للأفراد وتتشكل فيها هويات جديدة، ونظرًا لطبيعة المراهقة فهي فترة من الحياة والتي قد تؤدي إلى نوعًا من التغرب الاجتماعي في بعض الحالات، وقد يترتب عليه الانفصال من المجموعة العرقية (مثل الباكستانية البريطانية) ومن المجموعة القومية المهيمنة.

وعلاوة على ذلك، يمكن أن تشكل اللغة غالبًا علامة مميزة للمراهق، فقد تعكس عضوية ثقافة فرعية معينة، وتمنح الأعضاء شعور بالتميز عن المجموعات الأخرى كالعرقية والهيمنة، وهذا مثال تمت الموافقة عليه من خلال عمل هيويت (1986) على الهوية بين الثقافة الفرعية للشباب البريطاني الأسود.

فالشباب الأسود البريطاني يتحدثون مجموعة متنوعة من اللغة الإنجليزية التي تختلف عن اللغة الإنجليزية القياسية، و من مجموعة كريوليزد من اللغة الإنجليزية التي يتحدث بها آباؤهم. فهذه اللغة خاصة بهذه الثقافة الفرعية؛ وذلك لأنها ليست لغة متناقلة عبر الأجيال ولم يتم نقلها أو ربطها بأي منطقة جغرافية معينة.

موقف اللغة من الهوية الاجتماعية:

إن بناء هوية اجتماعية على أساس اللغة أمر معقد تبعًا للعملية التي يجب أن يؤخذ فيها دور المواقف اللغوية بعين الاعتبار. ففي المناطق التي تتحدث لغة واحدة أي أحادية اللغة، يتم فيها إتقان اللغة بطريقة عشوائية إلى حد ما.

الحراك الاجتماعي:

التنقل الجماعي اللغوي أو الحراك الاجتماعي قد يؤدي إلى التقييم السلبي للغة أو هوية الشخص إلى الرغبة في التواصل الاجتماعي والتنقل الاجتماعي اللغوي،  والذي قد يستلزم في السياق الحالي اكتساب أو استخدام لغة ترمز إلى هوية أكثر إيجابية. على سبيل المثال، دراسة العالم ويليامز في عام 1980 ثنائية اللغة بين البرتغاليون المهاجرون في كاليفورنيا، توضح بأن اللغة البرتغالية تحافظ على الجيل الأول للغة البرتغالية، ولكن ثمانية في المئة لم يعودوا يتحدثون اللغة بطلاقة ويرفضون أهمية اللغة البرتغالية في هويتهم العرقية.

في دراسة الهوية الاجتماعية لاحظ بريكويل في دراسته في عام 1986، أن الفرد قد يسعى إلى التقليل من أهمية الجوانب التي تشكل تهديدًا للتقييم الإيجابي لهويته الاجتماعية. نظرًا لأن اللغة الإنجليزية هي الرغبة في الحراك الاجتماعي في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن أهمية اللغة البرتغالية قد تنخفض من أجل استيعاب اللغة الإنجليزية كونها اللغة الاجتماعية في البيئة المحيطة. وقد لوحظت هذه الظاهرة بالفعل في أماكن ثقافية أخرى وفقًا لدراسة جابسيل في عام 2008. 

الترابط البشري واللغة:

لقد قيل أن اللغة يمكن أن تشكل علامة مهمة للهوية الاجتماعية في مستويات مختلفة من الترابط البشري الثقافي والقومي. ومن الجدير بالذكر أن اللغات ليست جيدة أو سيئة بطبيعتها، ولكن تُمنح القيمة والمعنى للغات من قبل الناس، والتي بدورها تؤدي إلى انتشار التمثيلات الاجتماعية.

ولكن يوجد الكثير من الناس الذين لا يتصرفون تجاه لغتهم وفقًا للمذكور أعلاه، فعلى سبيل المثال إذا كانت المجموعة البشرية أو لغتها تثير تصورات اجتماعية سلبية قد يسعى أحد أعضاء المجموعة الاجتماعية أو اللغوية الحراك الاجتماعي من خلال العضوية في مجموعة تم تقييمها بشكل أكثر إيجابية.

فحدود الهوية اللغوية قابلة للاختراق بالطبع، فقد يختار الفرد ترك أصله اللغوي والاجتماعي، ومحاولة اكتساب عضوية أخرى من خلال اعتماد لغة جديدة. فلقد ثبت كيف يمكن للنظريات النفسية الاجتماعية للهوية أن تعزز قدراتنا على فهم وظائف اللغة في سياقات الهوية المختلفة.

كما يبدو أن البحث الشامل عن الهوية الاجتماعية الإيجابية يكمن وراء هذه القرارات الثقافية التي تستخدمها المجموعات والثقافات فرعية اللغة كإشارة للعضوية الاجتماعية، فمن الواضح أن هذه القضايا تستحق المزيد من الاهتمام الأكاديمي سواء على المستوى الفردي أو المستوى الاجتماعي، فعلم النفس الاجتماعي مجهز بالكامل لمعالجة هذه الظاهرة باعتبارها أحد مجالات التعليم في علم اللغة.

وفي الختام نأمل بأن يتم وبشكل دائم تحليل مزيد من السلوكيات الفردية والجماعية من قبل علماء اللغة، لفهم هذه الظاهرة على أكمل وجه وفهم مدى تأثيرها على اللغة.


شارك المقالة: