كلّ الشّعوب تمتلك موروثات ثقافيّة تميّزها عن غيرها، وهي بدورها تعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التّاريخ، ولعلّ من أكثر أنواع التّراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، إذ يقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبّرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجدّ من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي بين أيدينا هو: “برّ أطعم لك”.
أصل مثل: “برّ أطعم لك”
تشيع الأمثال الشعبية في البلاد العربية بشكل كبير، وهي غالبًا تحمل بين طيّاتها المعاني العميقة والأهداف البعيدة، واليمن كما غيرها من بلاد العرب قد حظيت بالكثير من الأمثال التي تداولها أبناء الشّعب اليمنيّ، ومن الجدير بالذّكر أنّ وراء معظم الأمثال حكايات صنعت شهرتها، ومن أبرز الأمثال الشّعبية اليمنيّة المثل القائل: “برّ أطعم لك”، والذي يُعدّ واحدًا من الأمثال السّاخرة التي تُعبر عن التّزوير أو التّزييف.
قصة مثل: “برّ أطعم لك”
في البداية لابدّ من معرفة معنى كلمة: “برّ”، إذ إنّها الحبوب أو القمح الذي يتمّ طحنه لصناعة الخبز، ويُروى أن حكاية هذا المثل قد جاءت لمّا قام أحدهم ذات مرة بالادّعاء على آخر بأنّه قد سرق منه خمسة أقداح من الشّعير ، وحين علم الرّجل المشتكى عليه بالذي قاله المدّعي في حقّه أنكر ذلك.
رغب كلا الطرفين بالاحتكام إلى أحد القضاة كي يصلا إلى حلّ للمشكلة، حينذاك طلب القاضي إلى المدّعي أن يحضر شاهدًا؛ ليدعم ويثبت صحة ادّعائه بحقّ الرجل الآخر، إذّاك خطرت للمدّعي فكرة بأن يستأجر شاهد زور ليثبت صحة ادّعائه، ثمّ إنّه قد مضى به؛ ليقف أمام القاضي ويخبره بما لقّنه إيّاه المدّعي.
لمّا مثُل شاهد الزّور بين يدي القاضي، شهد أن المدّعى عليه قد سرق من المدّعي خمسة أقداح من البُرّ، وقتها صرخ المدّعي قائلًا : “شعير، شعير”، وذلك كي يُصحّح ما قاله الشّاهد، فنظر إليه الشّاهد، وقال: “برّ أطعم لك”، وهنا اتّضح غباء وحماقة الشّاهد، كما تبيّن أنّه ليس بالشّاهد الحقيقي، وأصبحت مقولة: “برّ أطعم لك” مثلًا معروفًا عند الشعب اليمني، وهو يُضرب في بعض المواقف السّاخرة التي تتحدث عن التّزييف أو التّزوير أو حماقة بعض الأشخاص.