اقرأ في هذا المقال
- مبدأ منع خيبة الأمل في فلسفة بنثام
- مبدأ أعظم السعادة في فلسفة جيرمي بنثام
- المصلحة العالمية في فلسفة بنثام
في عام 1829 كتب جيرمي بنثام مقال عن النفعية، وأشار بنثام إلى تحسينين لاحقين لفهمه لمبدأ المنفعة وهما: أولًا مبدأ منع خيبة الأمل، وثانيًا مبدأ السعادة الأكبر الذي جاء كبديل عن صيغة: أكبر قدر من السعادة.
مبدأ منع خيبة الأمل في فلسفة بنثام:
“اصنع كل السعادة التي يمكنك صنعها، حيث أزل كل البؤس الذي تستطيع إزالته، وسيسمح لك كل يوم، وسأدعوك لإضافة شيء ما إلى متعة الآخرين أو لتقليل شيء من آلامهم.”
جيريمي بنثام
بالنسبة إلى جيرمي بينثام فإنّ التعاسة الناتجة عن فقدان شيء ما سيكون لها تأثير أكبر على الشخص من السعادة التي يجلبها مكاسبها لشخص آخر، فإذا تساوت جميع الأشياء الأخرى فإنّ تقليل المنفعة لشخص واحد بسبب السرقة سيكون له تأثير أكبر على سعادة هذا الشخص من المكسب في المنفعة لشخص آخر من ربح يانصيب بنفس القيمة المالية، طبعا إذا كان الخاسر ثريًا والرابح فقيرًا فلن يصمد هذا ولكن في المسار الطبيعي للأشياء، ولهذا السبب أعطى بينثام أولوية أعلى لحماية الملكية بموجب القانون ولماذا رأى أنّ تخفيف المعاناة يتطلب اهتمامًا فوريًا أكثر من خطط إنتاج الثروة.
وهو أيضًا الأساس المنطقي لما أسماه بنثام لاحقًا بـ (مبدأ منع خيبة الأمل)، والذي يتطلب أن يكون لأمن التوقعات المشروعة الأسبقية على الغايات الأخرى، إلّا إذا كانت المصلحة العامة تبرر بوضوح تدخل الحكومة، وسيكون جمع الأموال العامة من خلال فرض الضرائب على الخدمات الحيوية مبررًا بالمبدأ، كما هو الحال في المصادرة الطارئة للممتلكات في أوقات الحرب أو المجاعة، والتي عادةً ما يتم دفع تعويضات لمالك العقار.
بالنسبة لبينثام لا يمكن المبالغة في أهمية هذا المبدأ كدليل عملي، حيث إنّه كما يقول: “القاعدة الشاملة الواحدة”، والتي يجب أن تستند إليها جميع ترتيبات الملكية، وبهذا: “التطبيق الأول أو الانبثاق لمبدأ السعادة الأعظم”، وكل ما يجب ترتيب الاستعدادات بشان قانون الملكية بمعناه الأشمل، أي كل الأشياء ذات الرغبة العامة.
مبدأ أعظم السعادة في فلسفة جيرمي بنثام:
تم تطوير مبدأ أعظم السعادة لأول مرة بواسطة جيريمي بنثام (1748-1832)، ولقد استخدم حساب التفاضل والتكامل لتحديد ما إذا كان الشيء أخلاقيًا (جيد بشكل عام) أو غير أخلاقي (سيء بشكل عام)، وكانت أساليبه متطرفة في تلك الفترة الزمنية، ولكن من المعلوم أن نعرف أنّ جيرمي بنثام هو الوحيد الذي يتبنى تمامًا أساليبه في إعلان شيء أخلاقي أم لا.
ثم وضع ربيب بنثام الفيلسوف جون ستيوارت ميل نسخة مختلفة قليلاً من مبدأ السعادة الأعظم في عمله النفعية، وأعلن أنّ: “الأفعال صحيحة في التناسب لأنّها تميل إلى تعزيز السعادة، وهي خاطئة لأنّها تميل إلى إنتاج عكس السعادة”، وكان هذا التعديل جزئيًا ردًا على اعتراضات أنّ النفعية كانت معيبة لأنّ العديد من المواقف التي تتطلب قرارًا أخلاقيًا لا تسمح بنتيجة سعيدة لأي شخص معني، وهكذا مع التعديل يسمح ميل باتخاذ قرارات أخلاقية والتي على الرغم من عدم تعزيزها للسعادة على الأقل تقلل الألم الذي تنطوي عليه.
بعد ذلك اكتشف بنثام عيبًا خطيرًا ومن المحتمل أن يكون منهكًا في تقديم مبدأ المنفعة باعتباره كما صاغه: “أعظم سعادة لأكبر عدد”، ولقد توصل إلى رؤية أنّ مثل هذا المبدأ يمكن أن يبرر تضحيات مفرطة من قبل أقلية، حيث مهما كانت تلك الأقلية قد تتكون من أجل تعزيز سعادة الأغلبية.
ولقد اعتبر هذا استنتاجًا خاطئًا لكنه استنتاج يحتاج إلى معالجة وكتب: “كن المجتمع المعني بما يمكن أن يكون عليه”، كما كتب: نقسمها إلى قسمين غير متكافئين، ندعو أحدهما الأغلبية والآخر الأقلية، ووضع في الاعتبار مشاعر الأقلية التي لا تُدرج في الحساب أي مشاعر سوى مشاعر الأغلبية، فالنتيجة التي ستجدها هي أنّه بالنسبة للمخزون الكلي للسعادة في المجتمع ستكون خسارة لا يوجد فيها ربح، وهذه هي نتيجة العملية.”، وكلما قل الاختلاف العددي بين الأقلية والأغلبية، كلما كان النقص في السعادة الكلية أكثر وضوحًا، إذن منطقيا كلما اقتربنا من سعادة جميع أفراد المجتمع زاد مجموع السعادة.
المصلحة العالمية في فلسفة بنثام:
كتحسين إضافي في الطريقة التي تصور بها بنثام مبدأ المنفعة ربما يكون قد أدرج مبدأ المصلحة العالمية، وهي فكرة تم ذكرها في البداية في خطة الإصلاح البرلماني حيث تظهر كمفهوم أكثر تحديدًا لمبدأ السعادة الأعظم الذي يستهدف أقصى درجات الراحة والأمان للجميع، حيث تتعلق المصلحة العالمية بالمصالح المشتركة بين الجميع، وفقط عندما يكون من المستحيل للحكومة أن تبتكر سياسات لتحقيق هذه الغاية، يكون توزيع السعادة أقل من كونه عالميًا أو أقل من كونه مبررًا.
ومع ذلك فإنّ عدد القرارات التي تتخذها الحكومات والتي هي حقًا في متناول الجميع قليلة نسبيًا وقد تقتصر على الدفاع الوطني وإطار الحقوق الفردية (الأوراق المالية)، وعلاوة على ذلك فإنّ سياسات إعادة التوزيع تنطوي دائمًا على تضحيات ومزايا غير متكافئة، وهذا يعني أنّه يجب على المشرع أن يستخدم حسابًا نفعيًا يتم فيه تقليل الألم الذي يعاني منه القلة إلى الحد الأدنى الضروري لتحقيق فوائد للكثيرين، بحيث فقط على هذا الأساس يمكن تلخيص الملذات وطرح الآلام من أجل إنتاج الأساس المنطقي لتبرير السياسة الأفضل.
ويرتبط بمفهوم المصلحة العالمية هذا الالتزام بالمساواة الذي يجب أن تحسب مصالح كل فرد في الوصول إلى القانون أو السياسة المناسبة وأن تُحسب بالتساو، وهذا لا يعني أنّ المنفعة المثلى ليست هي الهدف لكنه يؤكد ببساطة أنّ المنفعة المثلى ستتحقق على الأرجح عندما يكون هناك مساواة تقريبية في توزيع المتطلبات الأساسية للسعادة.
وغالبًا ما تم تجاهل هذا الجانب من نظرية بنثام أو رفضه باعتباره غير ذي صلة من قبل النقاد بدءًا من توماس هيل جرين (T. H. Green) الذين يجادلون بأنّ حسابات المنفعة الكلية تفشل في احترام تميز الأشخاص وبالتالي تعرض مصالحهم لخطر دائم، وإذا كان الردع يمكن تحقيقه من خلال معاقبة المتفرج البريء عندما يتعذر القبض على الجاني الحقيقي أو تقديمه إلى العدالة، فلماذا لا يُعاقب المارة؟ نظرًا لأنّ المنفعة العامة سيتم تعظيمها من خلال تقديم مثال على المتفرجون الأبرياء تمامًا مثل معاقبة الشخص الذي كان مذنبًا بالفعل بارتكاب الجريمة ولكن لم يتم القبض عليه، ويبدو أنّ النفعي يجب أن يدعم العقوبة.
لكن هذا ليس خطأ حدسيًا فحسب، بل إنّه خطأ أيضًا لأنّ هناك خطرًا حقيقيًا من أن تؤدي انتهاكات الأمن إلى انتهاكات أخرى من هذا القبيل، ومع عدم وجود أساس مبدئي لوقف ارتكابها، حيث أكد بنثام في هذا الصدد عندما كتب: “إذا كان من الجيد التضحية بثروة فرد واحد لزيادة ثروة الآخرين، فسيكون من الأفضل التضحية بثاني وثالث ومائة وألف، ومهما كان عدد الأشخاص الذين ضحيت بهم سيكون لديك دائمًا نفس السبب لإضافة واحد آخر، وبكلمة واحدة مصلحة الجميع مقدسة أو مصلحة لا أحد”.
ويجب منح الضمانات الأساسية لكل فرد من أفراد المجتمع ولا يتم تبرير انتهاكات هذه المصالح الحيوية سواء ارتكبها أفراد آخرون أو حكومة لأنّها تتعارض مع عناصر التوزيع للنظرية النفعية، وإلى هذا الحد على الأقل يجب أن تُحسب سعادة كل شخص.