حياة الفيلسوف أغامبين وفلسفته في الجماليات

اقرأ في هذا المقال


جورجيو أغامبين هو أحد الشخصيات البارزة في الفلسفة الإيطالية والنظرية السياسيةالراديكالية، وفي السنوات الأخيرة كان لعمله تأثير عميق على المنح الدراسية المعاصرة في عدد من التخصصات في العالم الفكري الأنجلو أمريكي.

حياة الفيلسوف أغامبين:

ولد أغامبين في روما عام 1942 وأكمل دراساته في القانون والفلسفة بأطروحة دكتوراه عن الفكر السياسي لسيمون ويل، وشارك في ندوات مارتن هايدجر عن هيجل وهيراكليتوس كباحث ما بعد الدكتوراه، وقام بالتدريس في جامعات مختلفة بما في ذلك جامعتي ماشيراتا وفيرونا وكان مدير البرامج في الكلية الدولية بباريس (Collège Internationale de Paris).

كان أستاذًا زائرًا في جامعات مختلفة في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان أستاذًا متميزًا في المدرسة الجديدة بجامعة نيويورك، وأثار جدلاً عندما رفض الخضوع لـ (الوشم السياسي الحيوي) الذي طلبته وزارة الهجرة الأمريكية لدخول الولايات المتحدة في أعقاب هجمات 11 أيلول في عام 2001.

لا يتبع عمل أغامبين مسارًا زمنيًا مباشرًا للتطور سواء من الناحية المفاهيمية أو الموضوعية، وبدلاً من ذلك يشكل عمله تفاعلًا متطورًا ومتعدد الأوجه مع المشكلات التي أدخلت في الفلسفة الغربية من خلال أعمال والتر بنجامين الأصلية للغاية والغامضة في كثير من الأحيان، وعلى الأخص في كتابه عن مأساة ألمانية وأصول الدراما المأساوية الألمانية، ولكن أيضًا مرتبط مقالات وأجزاء مثل (نقد العنف).

هذا لا يعني أنّ أغامبين لا يتأثر ولا يتعامل مع عدد من الشخصيات الكنسية أو المعاصرة الأخرى في الفلسفة الغربية والنظرية السياسية والجمالية واللغوية، وإنّه بالتأكيد وعلى الأخص هيدجر وهيجل بالإضافة إلى المنحة الدراسية التي تليهما، وأيضًا أيقونية أبي واربورغ (عمل أغامبين في مكتبة معهد واربورغ)، والاستقلالية الإيطالية والموقف (ولا سيما جمعية جاي ديبورد المؤثرة في العرض المسرحي) وأرسطو وإميل بنفينست وكارل شميت وهانا أرندت من بين آخرين.

بالإضافة إلى هذا التراث الفلسفي يشارك أغامبين أيضًا في مناقشات متعددة المستويات حول التوراة اليهودية والنصوص التوراتية المسيحية، والقانون اليوناني والروماني والأدب المدراشي، بالإضافة إلى عدد من الشخصيات الأدبية والشعراء الغربيين بما في ذلك دانتي هولدرلين كافكا بيسوا وكابروني على سبيل المثال لا الحصر، ولا شك أنّ اتساع نطاق المرجع والأسلوب النقدي الذي يؤدي إليه يساهم في ظهور خاصية الكثافة المرعبة لعمل أغامبين.

ومع ذلك غالبًا ما يتم التوسط في تفاعل أغامبين مع هذه الشخصيات من خلال دينه المفاهيمي والموضوعي العميق لبنيامين (شغل منصب محرر الطبعة الإيطالية من أعمال بنيامين المجمعة من 1979 إلى 1994) واضحًا في تركيزه المركزي على مسائل اللغة والتمثيل، والتاريخ والزمنية وقوة القانون وسياسة المشهد وروح الإنسانية.

أغامبين بين الفلسفة والشعر:

يثير أغامبين في كتابه (اللغة والموت) سؤالاً عن العلاقة بين الفلسفة والشعر من خلال التساؤل عما إذا كان الشعر يسمح بتجربة لغة مختلفة عن (تجربة الصوت التي لا توصف) التي تشكل أساس الفلسفة، ومن تأمل موجز في تعريف أفلاطون للشعر على أنّه “اختراع يفكر” يجادل أغامبين بأنّ الفلسفة والشعر يصلان إلى ما لا يوصف باعتباره شرطًا للغة، على الرغم من أنّ كليهما أيضًا يبرهن على أنّ هذا لا يمكن بلوغه.

وهكذا رفض أغامبين إعطاء الأولوية المباشرة للشعر على الفلسفة أو الشعر على النثر، واستنتج أنّه ربما فقط لغة يتدخل فيها النثر الخالص للفلسفة عند نقطة معينة لتفكيك بيت الشعر من الكلمة الشعرية، والتي فيها بيت شعر يتدخل ليثني نثر الفلسفة في حلقة وستكون اللغة البشرية الحقيقية، ويقود هذا الموضوع لاحقًا مساهمات أغامبين في الجماليات، وبذلك فإنّ التمييز بين الفلسفة والشعر هو ممارسة معقدة للغة والتمثيل والخبرة والروح، وتم تطويره في جميع أعماله في هذا المجال وصمم لتجاوز التميز نفسه وكذلك من يحضرها.

فلسفة الجماليات لأغامبين في عمله مقطع شعري:

كانت أول مساهمة رئيسية لأغامبن في فلسفة الجماليات المعاصرة هي كتابه الشهير مقطع شعري (Stanzas)، الذي طوّر فيه تحليلًا كثيفًا ومتعدد الأوجه للغة والأوهام، مما يستلزم الانخراط في اللغويات والفلسفة الحديثة بالإضافة إلى التحليل النفسي وعلم اللغة، بينما تم تكريسه لذكرى مارتن هايدجر الذي يسميه أغامبين هنا آخر الفلاسفة الغربيين في هذا الكتاب إلّا أنّه من الواضح أنّه يحمل تأثير أبي واربورغ (Aby Warburg).

يجادل أغامبن في (Stanzas) أنّه إلى الحد الذي تقبل فيه الثقافة الغربية التمييز بين الفلسفة والشعر، فإنّ مؤسسي المعرفة حول التقسيم الذي فشلت فيه الفلسفة في تطوير لغة مناسبة، والشعر لم يطور منهجًا ولا وعيًا بذاته، وتتمثل المهمة الملحة للفكر وخاصة ما يسميه أغامبين (النقد) في إعادة اكتشاف وحدة كلمتنا المجزأة، ويقع النقد عند النقطة التي تنفصل عندها اللغة عن نفسها.

على سبيل المثال التمييز بين المدلول والدال ومهمته هي الإشارة إلى وضع موحد للكلام، حيث لا يمثل النقد ولا يعرف ولكن يعرف التمثيل، وهكذا فإنّ النقد ضد الفلسفة والشعر يعارض التمتع بما لا يمكن امتلاكه وامتلاك ما لا يمكن التمتع به.

من أجل متابعة هذه المهمة يطور أغامبين نموذجًا للمعرفة واضحًا في علاقات الرغبة والاستيلاء على شيء يعرفه فرويد بأنّه السوداوية والشهوة الجنسية، وفي هذا يتساءل أيضًا عن الوضع الأساسي للتمييز بين الدال والمدلول والذي تدين به الأفكار الغربية على اللافتة.

ويختتم هذه الدراسة التي تشمل مناقشة الشهوة الجنسية وفتشية السلع والغندورية شدة التأنق والتحليل النفسي للألعاب وأساطير النرجس وإيروس وأوديب من بين أمور أخرى، بمناقشة موجزة لعلم اللغة السوسوري مدعيًا أنّ انتصار اللغوي والفيلسوف سوسور يكمن في الاعتراف باستحالة علم اللغة على أساس التمييز بين المدلول والدال.

ومع ذلك فإنّ عزل العلامة كوحدة إيجابية عن موقف سوسور الإشكالي هو دفع علم العلامة مرة أخرى إلى الميتافيزيقيا، وإنّ فكرة الارتباط بين مفهوم وحدة الإشارة والميتافيزيقا الغربية من وجهة نظر أغامبين أكدتها صياغة جاك دريدا لعلم النحو، كمحاولة للتغلب على ميتافيزيقا الوجود التي وصفها دريدا بأنّها سائدة في الفلسفة الغربية منذ أفلاطون فصاعدًا.

مع ذلك يجادل أغامبين بأنّ دريدا لا يحقق الهزيمة التي يأمل فيها لأنّه في الواقع أخطأ في تشخيص المشكلة الميتافيزيقيا، حيث إنّ الميتافيزيقيا ليست مجرد تفسير للوجود في شقوق الجوهر والمظهر والحساسية والوضوح وما إلى ذلك، وعلى الاصح بدلاً من ذلك يكمن أصل الميتافيزيقيا الغربية في المفهوم القائل بأنّ: “التجربة الأصلية تكون دائمًا عالقة بالفعل في حظيرة، وهذا الوجود دائمًا ما يكون عالقًا في دلالة”، ومن ثم فإنّ الشعارات هي الطية التي تجمع وتقسم كل الأشياء في تجميع الحضور.

في النهاية إذن تتطلب محاولة التغلب حقًا على الميتافيزيقا أنّ الخوارزمية السيميائية يجب أن تختزل إلى الحاجز نفسه فقط، بدلاً من جانب واحد أو آخر من التمييز الذي يُفهم على أنّه اللعبة الطوبولوجية لتجميع الأشياء والتعبير عنها.

فلسفة الجماليات لأغامبين في عمله فكرة النثر:

في الإطار الذي تم إنشاؤه هنا يمكن القول إنّ العمل التالي لأغامبن في الجماليات فكرة النثر (The Idea of Prose)، وقد حقق أهميته الحقيقية والذي نشر باللغة الإيطالية في عام 1985، وتتناول فكرة النثر مسألة التمييز بين الفلسفة والشعر من خلال سلسلة من المقاطع عن الشعر والنثر واللغة والسياسة والعدالة والحب والعار من بين موضوعات أخرى.

ربما يكون هذا النص الغامض صعب الفهم بشكل خاص لأنّ هذه الأجزاء لا تشكل حجة متسقة في جميع أنحاء الكتاب، وفي ضوء ما سبق من الممكن أن نقول إنّ ما يفعله أغامبين هو أداء بل يقوض بالفعل فرقًا بين الشعر والفلسفة من خلال تفكيك قيود الشعارات، ومن خلال إدخال تقنيات أدبية مختلفة مثل الحكاية والأحجية والقصة المأثورة والقصة القصيرة، ويُظهر أغامبين عمليًا تمرينًا للنقد حيث يتم إرجاع الفكر إلى تجربة نثرية أو اليقظة حيث يكون ما هو معروف هو التمثيل بحد ذاتها.


شارك المقالة: