دور فلسفة إدموند بورك السياسية في الثورة الأمريكية

اقرأ في هذا المقال


أثارت المشاركة السياسية شكوكًا حول بورك كشخص حيث كان بعضها غير عادل على الرغم من أنّ كل ذلك كان متوقعًا، وربما كان الأمر أقل قابلية للتنبؤ به وهو بالتأكيد أكثر إثارة للاهتمام من الناحية الفلسفية وهو أنّ هذه المشاركة كانت شرطًا مسبقًا للفكر العملي الذي جعل بورك مشهورًا في عصره ومنحه مكانة رائدة في شريعة الفكر السياسي الغربي.

إدموند بورك والثورة الأمريكية:

أحد الأمثلة المهمة جدًا على مشاركة بورك في فلسفته السياسية هو معالجته للثورة الأمريكية، فقد تم إبلاغ هذا بلا شك من خلال المكان الذي حدث أن وجد بورك نفسه في طيف السياسة العملية في السنوات التي تلت عام 1766، ولكن استنتاجاته للممارسة كانت مستوحاة أيضًا من فهمه للأفكار أي بمعنى الأفكار في فلسفية على وجه التحديد في إحساس لوكين وكيف يمكن دمجها، وبعبارة أخرى فإنّ محتوى فكره السياسي لم يُعلم بشكل مهم فقط من خلال مكان وجوده عمليًا ولكن أيضًا من هو فلسفيًا.

بدأ تفكير بورك العملي في الخلاف بين البرلمان البريطاني ومستعمراته في أمريكا الشمالية بموقف ليس من صنعه، أي أنّه رفض المستعمرين لقانون الطوابع وانسحابه من قبل الوزارة برئاسة اللورد روكينجهام عام 1765، وتابعت وزارة روكينجهام هذا الامتياز عن طريق السماح للمستعمرين بمفردهم مع التأكيد الصريح على حق البرلمان في التشريع للمستعمرات في قانون التصريح لعام 1766.

أفكار بورك لمجلس العموم:

برزت مهمة بورك هي أن يثبت لمجلس العموم مقبولية هذه الحزمة ولقد فعل ذلك من خلال الجمع بين فكرتين معقدتين أو على الأقل اسمين مركبين مجردين بطريقة جديدة:

  1. الإمبراطورية: وهي كانت إحدى الأفكار التي تنطوي على القيادة.
  2. الحرية.

فلسفة بورك في الدمج بين الفكرتين:

كان يعتقد بورك أنّ هذه الأفكار كان من الصعب دمجها انعكاس سليم لأنّها متناقضة تمامًا ولكنها كانت قابلة للدمج في الفكرة الأخرى للإمبراطورية البريطانية التي جمعت بين القيادة التشريعية والحرية المدنية، وتضمنت هذه الفكرة ترك بعض الأمور التي تهم المستعمرين وبالتالي السماح لهم في بعض النواحي بالحرية المدنية على أساس واقعي.

هذه الفكرة أكثر إبداعًا بكثير من الموقف البريطاني العادي بأنّ “كل سيادة بريطانيا العظمى ملزمة بقوانين البرلمان”، حيث كانت وجهة نظر بورك تفسيرية لأنّها تصور الموقف أمام البرلمان بطريقة تجعل النقاط مفهومة تشارك وأنشأت صلة بينهم، وكان أيضًا ملائمًا لأنّه جعل سياسة التنفيذي البريطاني فكريًا وبالتالي محترمة عمليًا في نفس الوقت الذي أفسح فيه المجال للتفضيلات الاستعمارية، وباختصار كان تحفة صغيرة من التفكير في السياسة.

فلسفة بورك في قانون الضرائب:

تبع إلغاء قانون الطوابع إقرار قانون التصريح، وكان بورك ناجحًا عمليًا في عام 1766 مع مجلس العموم لأنّه كان يتحدث نيابة عن السلطة التنفيذية وكانت الأغلبية بين أعضاء البرلمان مع افتراض ثبات العوامل الأخرى تميل إلى التصويت لوزراء الملك، ولكن في عامي 1774 و 1775 لم ينجح عمليًا لأنّه كان الآن في المعارضة لكن إنجازه المفاهيمي في التعامل مع المسألة الأمريكية أصبح أكبر بكثير.

بحلول عام 1774 تغيرت القضايا التي فصلت بعض المستعمرين الأمريكيين عن البرلمان، ولقد استاء السابقون الآن من محاولات الأخير في فرض ضرائب عليهم بشكل مباشر، وبدلاً من سلطة المجالس التشريعية الاستعمارية الخاصة بهم وهم كذلك مستاؤون أكثر من مشروع دعم المحاولة، وإذا لزم الأمر بالإكراه فلم يحذف خطاب بورك عام 1774 حول الضرائب الأمريكية فكرة القيادة الإمبراطورية، بل طور فكرته المعقدة عن الإمبراطورية البريطانية بطريقة جديدة من أجل التعامل مع الوضع الجديد.

طور بورك الفكرة المعقدة بطريقة يمكن للأفكار المعقدة أن تصلح لها أي بإضافة مؤهل، وكانت سيادة البرلمان البريطاني فكرة تضمنت بالتأكيد الحق في فرض الضرائب، ولكن يمكن فهم الحق في الضريبة على أنّه متسق من حيث المبدأ مع التقاعس عن العمل وكذلك الفعل ولا داعي لتطبيق الحق بلغة أكثر وضوحاً، ويمكن أن يستوعب بورك بالتالي كل من مطالبات وستمنستر وتلك الخاصة بالمستعمرين.

إلى هذه النقطة بالطبع يمكن للمرء أن يجيب بأنّ بورك كان يقدم تنازلات فقط، لكن من الملاحظ أنّ قدم هذا الموقف إشارة للابتكار المفاهيمي، حيث أدخل بورك تمييزًا في فكرة السيادة ولقد ميز بين “فكرتي عن دستور الإمبراطورية البريطانية” و “دستور بريطانيا” غير المرتبط بالحكم في الخارج، يمكن الاستدلال على ذلك:

“يترأس برلمان بريطانيا العظمى إمبراطوريتها الواسعة في وظيفتين واحدة من الهيئة التشريعية المحلية لهذه الجزيرة توفر كل الأشياء في المنزل، والأخرى العديد من الهيئات التشريعية الأدنى والمرشدين ويسيطر عليها جميعًا دون إبادة أي منها.
ونظرًا لأنّ جميع هذه الهيئات التشريعية الإقليمية منسقة مع بعضها البعض فقط فيجب أن تكون جميعها تابعة لها، ومن الضروري إكراه المهمل وكبح جماح العنف ومساعدة الضعيف والفاقد من خلال الحكم المفرط وفرة قوتها، وإنّها لا تتدخل أبدًا في مكان الآخرين بينما هم متساوون مع الأهداف المشتركة لمؤسستهم ولكن من أجل تمكين البرلمان من الاستجابة لكل هذه الغايات من الإشراف الادخار والصالح ويجب أن تكون صلاحياتها غير محدودة.

حتى أنّ شرح بورك للفكرة المعقدة للإمبراطورية البريطانية يقترح أدوارًا تكميلية للبرلمان البريطاني والهيئات التشريعية الاستعمارية وهو تفصيل من شأنه أن يجعل مسألة الضرائب غير ذات صلة بضربة واحدة مع التأكيد في نفس الوقت على سلطة وستمنستر.

قدم الصقل المفاهيمي وسيلة عملية لم يبتكرها سياسيون آخرون أقل موهبة، وكان موقف بورك أرق تمامًا من الحشو الضمني لادعاء الوزير بأنّ “القول بأنّ لدينا الحق في فرض ضرائب على أمريكا وألّا نمارس هذا الحق أبدًا هو أمر سخيف ” ومن إحساس سياسي آخر يائس بأنّه “يجب علينا إما أن نصّر على خضوعهم لسلطة الهيئة التشريعية أو أن نتخلى عنها بالكامل لتقديرهم الخاص” هؤلاء النقاد من خلال فشلهم في تصور فكرة معقدة بما فيه الكفاية للسيادة و حق السيادة في فرض الضرائب فشل أيضًا في رؤية أنّ السيادة لا تنطوي على خيار غير سار بين إلغاء هذا الحق عن طريق الإهمال أو تطبيقه بالقوة.

فكرة بورك عن الإمبراطورية البريطانية:

سرعان ما تطلبت الأحداث مزيدًا من التفصيل لفكرة بورك عن الإمبراطورية البريطانية، وأدى استمرار استخدام الإكراه إلى جعل المستعمرين أكثر وليس أقل عنادًا، وبدت الحاجة العملية إلى الشروط التي سيبقون بموجبها بمعنى أو بمعني ما تحت الحكم البريطاني.

كان ادعاءهم الأساسي الآن هو أنّ حقهم في فرض ضرائب على أنفسهم من قبل مجالسهم التشريعية يستند إلى مواثيق من التاج وأنّهم يخضعون للتاج وحده وليس للبرلمان، حيث أعطى بورك اهتمامًا أكبر لفكرة السيادة، وسيكون من العبث التأكيد على سيادة البرلمان ولكن سيكون من الهزيمة نفسها سحبها صراحة والتنازل عن حق سيادي على فرض الضرائب للهيئات التشريعية الاستعمارية، لذا الآن في خطاب بورك حول المصالحة مع أمريكا (1775) ركز على جانب واحد فقط من الفكرة المعقدة للسيادة البرلمانية.

لم يتألف الأخير في الحالة البريطانية من اللوردات والمشاع فقط ولكن أيضًا الملك، ومن ثم من خلال التركيز الحكيم يمكن للعنصر الذي وافق عليه المستعمرون القيام ببعض الأعمال المفاهيمية أي فكرته عن الإمبراطورية، وهي أنّ الإمبراطورية هي مجموعة دول عديدة تحت رأس واحد مشترك، حيث سواء كان هذا الرأس ملكًا أو جمهوريًا رئيسًا، وتم التأكيد على أنّ حقوق المستعمرين تعتمد على هذا الرئيس لأنّ “المطالبة بالامتياز يبدو بالأحرى ex vi termini أنّه يشير إلى سلطة أعلى”.

أما فيما يتعلق بالحق في الضرائب أضاف بورك في مناسبة لاحقة على الرغم من أنّها “متأصلة في السلطة العليا للمجتمع وإذا تم أخذها كمجموع، إلّا أنّ ذلك لا يعني أنّها يجب أن تتواجد في أي سلطة معينة في ذلك المجتمع” وبالتالي يمكن للبرلمان تفويضها للهيئات التشريعية المحلية، وباختصار لم تكن السيادة في طبيعتها فكرة وحدة مجردة ولكنه كان قادرًا على إحداث تعقيد كبير وتعديلات لا نهائية.

لا يمكن معرفة ما إذا كانت “تعديلات بورك اللانهائية” ستساعد في إبقاء المستعمرات الثلاثة عشر في حظيرة الإمبراطورية البريطانية لأنّه لم تتم تجربة أي شيء مثل مقترحاته حتى عام 1778 والذي كان قد فات الأوان، ومن الواضح مع ذلك أنّ قدرة بورك على إجراء تغييرات مفاهيمية اعتمدت على تفكيره الفلسفي، فالتفكير من منظور الأفكار المعقدة هو إدراك أنه يمكن تطويرها بإضافة المزيد من الأفكار للتمييز بين أدوار البرلمان هو القيام بهذه الإضافة، وتحليل صلاحيات الحاكم البرلماني كمقدمة لنقل أحدها هو استخدام الفلسفة كأداة في التفكير العملي.

وتجدر الإشارة أيضًا إلى أنّ هذه التمارين الفلسفية كانت وسيلة للتكيف كما كان يأمل بورك مع التغييرات العملية، ولم يكن عمله هنا أيديولوجيًا في المقام الأول لأنّه على الرغم من أنّ بورك كان لديه هدف عملي في الاعتبار وفي هذا الهدف المتسق مع إنجازات روكينجهام (Rockingham) لعام 1766 فقد عمل فلسفيًا لتعديل المفاهيم من حيث نظر معاصريه إلى وضعهم بدلاً من استخدام أدواته المفاهيمية كطرق للدفاع عن تلك المفاهيم دون تعديلها، وهكذا أضاف أفكارًا إلى مخزون عصره.

من المناسب على الرغم من أنّ مقترحات بورك لم تُنفذ في الوقت المناسب وعلى الرغم من عدم تحقيق هدفه فقد برزت خطاباته الأمريكية بشكل بارز في المدارس والجامعات في كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية حتى القرن العشرين، وبعد كل شيء كان بورك متشككًا في الأفكار السيئة أي فقد خلص إلى أنّ “أحد الأسباب الرئيسية لمشكلاتنا الحالية” كان “الخطابات العامة والمشاعر الغامضة”، وحث بدلاً من ذلك على دراسة “التفاصيل الدقيقة للتفاصيل”.


شارك المقالة: