فلسفة أوستن وتمييزه بين الأفعال

اقرأ في هذا المقال


من حطام التمييز الأولي يجمع الفيلسوف جون لانجشو أوستن نموذجًا جديدًا، وتأسس النموذج الجديد على التمييز بين أنواع مختلفة من الأشياء التي يقوم بها المتحدثون بأفعال متباينة عندما يصدرون كلامًا.

أقسام الأفعال لدى أوستن:

1- الفعل التلفظي: إنتاج كلام يمكن تصنيفه من خلال خصائصه الصوتية والنحوية والمعجمية، حتى معنى الجملة (الفعل الحركي)، كما إنّه أيضًا أداء فعل يمكن تصنيفه حسب محتواه (الفعل اللفظي) وسمة مميزة لأفعال الكلام، فإذا وعد المرء بأنّه سيعود إلى المنزل لتناول العشاء ثم وعد بأنّه سيعمل متأخرًا، فإنّ أفعاله هي أمثلة على عمليتين مختلفتين:

أ- أحدهما يحتوي على المحتوى الذي سيكون فيه في المنزل لتناول العشاء.

ب- الآخر بالمحتوى الذي سيعمل في وقت متأخر.

2- الفعل الإنجازي: فعل لا يصنف فقط بمضمونه كما هو الحال مع الفعل التلفظي ولكن أيضًا بقوته كالتصريح والتحذير والوعد… إلخ، فإذا وعد المرء بأنّه سيعود إلى المنزل لتناول العشاء وقال لاحقًا: “أنني سأعود إلى المنزل لتناول العشاء”، فإنّ أفعاله هي أمثلة على الفعل التأهيلي نفسه، أي يتضمن كلا الإجراءين المحتوى الذي سأكون فيه في المنزل لتناول العشاء، ومع ذلك فإنّ أفعاله هي أمثلة على أفعال إرشادية مختلفة من حيث أحدهما له قوة الوعد والآخر لديه قوة البيان.

3- الفعل التأثيري: فعل يمكن تصنيفه من خلال آثاره اللاحقة على مشاعر أو أفكار أو أفعال الجمهور أو المتحدث أو الأشخاص الآخرين، فإذا حذّر المرء من أنّ الجليد رقيق وبالتالي قام بعمل إعلامي واحد، فقد أقوم بالتالي بأداء مجموعة متنوعة من الأعمال التنبيهية بحيث قد أقنع شخصًا بتجنبه أو أشجع شخصًا ما على المجازفة وما إلى ذلك.

كان اهتمام أوستن بأنواع الأفعال المميزة إلى هذا الحد هو بشكل أساسي للتثبيت على الفعل الإلهي الثاني ومقارنته بالاثنين الآخرين، وما الذي كان يعتقد أوستن أنّه مهم بشأن الفعل الإنجازي؟ وما الذي كان يعتقد أنّه المخاطر الكامنة في عدم تمييزه عن الأنواع الأخرى؟

يبدو أنّ أوستن قد اعتقد أنّ أنماط التقييم المختلفة التي يناقشها على سبيل المثال من صواب أو خطأ وسعيد أو غير سعيد، بأنّها تنطبق بشكل أساسي على الفعل الإنجازي وذلك بدلاً من الفعل التلفظي أو الفعل تأثيري، وإحدى النقاط هي أنّ أوستن كان يعتقد أنّ الفلاسفة لديهم ميل إلى رؤية بعض التقييمات المتعلقة بالسعادة (أو النعيم) على أنّها تنطبق حقًا على الأفعال التأثيرية حتى لا تؤثر على الأشياء اللغوية المحددة التي ينوي المتحدثون القيام بها.

نقطة أخرى وربما النقطة ذات الأهمية الأساسية هي أنّ أوستن اعتقد أنّ الفلاسفة لديهم ميل إلى النظر إلى التقييمات الخاصة بالحقيقة على أنّها تنطبق بشكل أساسي على الأفعال التلفظية، وعلاوة على ذلك فقد اعتقد أنّ الفلاسفة قد تصوروا الأفعال التلفظية ليس على أنّها تجريدات من أعمال التنبيه ولكن بالأحرى كأشياء يمكن القيام بها دون أي غرض إعلامي، وفقط بفضل التعبيرات اللغوية المستخدمة أو معانيها، وعلى النقيض من ذلك رأى أوستن أنّ الأفعال التلفظية مستخرجة من حالات الأفعال الإنجازية، وأنّ هذا التقييم من حيث الحقيقة موجه بشكل أساسي إلى الفعل الإنجازي.

إذن بالنسبة لأوستن فإنّ تقييم الحقيقة هو قطعة ذات أشكال مختلفة من التقييم فيما يتعلق بالسعادة وما إلى ذلك، ومثل تلك الأشكال فهو تقييم للفعل فيما يتعلق بصلاحه أو شره، وبالتالي فإنّ مناقشة أوستن للأفعال الإنجازية مرتبطة بمناقشاته الأخرى حول الطرق التي يعتمد بها تقييم الأقوال من حيث الحقيقة على السمات المحددة لظروف الكلام.

فأوستن يوضح بأنّه تتأثر صحة البيانات أو زيفها بما تركته أو أدخلته وبكونها مضللة وما إلى ذلك، وهكذا على سبيل المثال الأوصاف التي يقال إنّها صحيحة أو خاطئة، أو من الممكن تصريحات هي بالتأكيد عرضة لهذه الانتقادات لأنّها انتقائية ويتم نطقها لغرض ما، ومن الضروري أن ندرك أنّ الصواب والخطأ، مثل الحر وغير الحر لا يمثلان أي شيء بسيط على الإطلاق، ولكن فقط من أجل بعد عام يتمثل في كون الشيء صحيحًا وسليمًا يجب قوله مقابل الشيء الخاطئ، وفي هذه الظروف لهذا الجمهور ولهذه الأغراض وبهذه النوايا.

دلالات تقييم الأفعال لدى أوستن:

وفقًا لأوستن هناك مشاركة في أي تقييم من هذا القبيل أكثر من مجرد مقارنة بسيطة للمتطلبات التي يفرضها المعنى اللغوي مع الحقائق، حيث إنّ التأمل في تقييم الأفعال التي نتحدث فيها وأفعال الكلام التي تصنفها يدل على شيئين:

  • أولاً: التمييز بين تقييم السعادة وتقييم الحقيقة هو في النهاية غير مبدئي.
  • ثانيًا: ينطبق مزيج من أنواع مختلفة من التقييم على جميع الأقوال أو جميعها تقريبًا.

يبدو أنّ هذه الأفكار هي الأساس لادعاء غامض عن أوستن، كما يستغل أوستن طرق التقييم المختلفة للتمييز بين خمس فئات عامة جدًا من أفعال الفعل الكلامي.

يبدو أنّ اقتراح أوستن الغامض يشير إلى أنّ تصنيفات الكلام على طول البعد الصواب والخطأ بطريقة أو بأخرى، أو وفقًا لما إذا كانت تعبيرات عن حقيقة أو تعبيرات عن قيمة هي على الأقل لبعض الأغراض الخام، حيث أنّ الاقتراح عرضة لقراءة أضعف وأقوى، ففيما يتعلق بالقراءة الأضعف فإنّ الاقتراح هو أنّه عندما يكون تقييم الكلام هو موضع خلاف فمن الضروري النظر في القوة أو القوى التي ترتبط بفعل الإنجازي أو الأفعال التي يتم تنفيذها.

نظرًا لأنّه قد يتم تنفيذ العديد من مثل هذه الأفعال وبما أنّ تقييم كل فعل ينطوي على النظر في مزيج من الحقائق والقيم، فلا توجد طريقة نظيفة لفرز الأقوال على أساس ما إذا كان أسلوب التقييم الأساسي الخاص بها صحيحًا أم لا أي البعد الخاطئ، أو ما إذا كانت وظيفتها الأساسية هي التعبير عن الحقيقة وليس التعبير عن القيمة، فهذا يترك مفتوحًا فيما يتعلق ببعض أفعال الكلام على الأقل، فإنّ الجوهر المنطقي يمكن تقييم اقتراح أو افتراضات أو عنصر مثل الافتراض بطريقة لا تشير إلى القوة على سبيل المثال على طول البعد الصحيح والخطأ.

في القراءة الأقوى قد يكون الادعاء أنّه من غير الممكن فصل النواة المحلية عن القوة التي يتم التعبير عنها بطريقة يمكن من خلالها تقييم هذا النواة دون الرجوع إلى القوة، ففي قراءته الأقوى يجب أن يتعامل اقتراح أوستن مع جانب من جوانب ما يُعرف بمشكلة فريج جيتش (Frege-Geach): وهو التحدي المتمثل في شرح الروابط المنطقية بين أفعال الكلام مع قوى مختلفة حيث يبدو أنّ تلك الروابط تعتمد على مشاركتها (عناصر) النواة المحلية.


شارك المقالة: