اقرأ في هذا المقال
- ما هي فلسفة الأدب؟
- فلسفة الأدب لدى أفلاطون وأرسطو
- الأدب والحقيقة المقترحة بالمفهوم الفلسفي
- أفكار النظرية الافتراضية للحقيقة الأدبية
ما هي فلسفة الأدب؟
فلسفة الأدب هي جزء آخر في سلسلة “أسس فلسفة الفنون“، وهي “مصممة لتوفير سلسلة شاملة ومرنة من النصوص المختصرة التي تتناول كلاً من الأسئلة العامة الأساسية حول الفن بالإضافة إلى أسئلة حول الفنون المتعددة”.
فلسفة الأدب لدى أفلاطون وأرسطو:
يعود الجدل الفلسفي حول مسألة ما إذا كان للأدب قيمة معرفية إلى العصور القديمة، وقد حذر أفلاطون الشهير من الطبيعة الخادعة للشعر، ووفقا له فإنّ الشعر يشتت انتباه جمهوره عن الحقيقة وبالتالي يجب أن ننظر إليه بعين الريبة.
بينما استخدم أفلاطون مفهوم المحاكاة لوصف الشعر على أنّه مجرد تقليد للمظهر، وفهم أرسطو المحاكاة بشكل أكثر إيجابية ودافع عن الشعراء ضد هجمات أفلاطون، ووفقًا لأرسطو فإنّ الشاعر يقلد الفعل البشري وبالتالي يرتبط بما هو ممكن وفقًا لقوانين الاحتمال والضرورة، وبينما اعتبر أفلاطون حيلة الشاعر خداعًا، ادعى أرسطو أنّ حرفة الشاعر تؤدي إلى بناء حبكة جيدة يمكن أن تنبثق منها الحقائق العالمية.
الأدب والحقيقة المقترحة بالمفهوم الفلسفي:
عند اتخاذ المفهوم العلمي للحقيقة كنقطة انطلاق، فإنّ الحقيقة تُفهم على أنّها حقيقة افتراضية بحيث لا يمكن اعتبار شيء ما صحيحًا إلّا عندما نتمكن من صياغة اقتراح حوله يتوافق مع حالة معينة من الأمور في العالم الحقيقي، ومع ذلك عندما يتم تعريف الحقيقة بهذه الطريقة يبدو من الصعب الدفاع عن فكرة أنّ الأعمال الأدبية تدعي مثل هذه الحقيقة.
ويمكننا التساؤل عما إذا كان القارئ يكتشف حقائق جديدة من خلال قراءة الأوصاف الواقعية في العمل الأدبي، فعندما يقرأ شخص ما الجملة حول ثورة القرنفل في رواية باسكال ميرسير فإما أن يعرف القارئ بالفعل أنّ هذا الوصف يتوافق مع الأحداث التاريخية الحقيقية أو إذا كان القارئ لا يعرف ذلك فيجب عليه التحقق مما إذا كانت العبارة متوافقة مع الواقع الأحداث، في الواقع عندما تعتمد معرفة القارئ حول حقائق معينة في العالم الواقعي فقط على الأوصاف في الأعمال الأدبية الخيالية فمن الممكن أنّ هذه “المعرفة” لا تتوافق مع الحقائق الحقيقية على الإطلاق.
على الرغم من أنّ الناس غالبًا ما يرغبون في اقتباس عدد من التأملات الشعرية لأنّها تبدو وكأنها تعبر عن حقيقة، فإنّ لامارك يشك في أهمية الحقيقة في هذا السياق، وهو يدعي أنّ الافتراضات من هذا النوع غالبًا ما تكون تافهة أو فارغة، ويبدو القول بأنّ الإنسان يجب أن “يختفي” صحيحًا وفارغًا.
وكذلك على عكس العبارات الافتتاحية في العلوم والفلسفة نادرًا ما تحتوي الأعمال الأدبية على حجج لصالح حقيقة الانعكاسات الموضوعية التي تعبر عنها، وجادل بعض الفلاسفة ضد هذا الاعتراض بالقول إنّ الأعمال الأدبية لها استراتيجيات بلاغية مختلفة عن أساليب الخطاب الأخرى المعززة للحقيقة، وتعتبر مثل هذه التجارب الفكرية شكلاً من أشكال الحجج التي تحفز استجابة القارئ، فهي تعمل على المعرفة المفاهيمية السابقة للقارئ وتضع حدس القارئ في المقدمة بشكل صريح.
يجادل كارول أنّه إذا اعتبرنا تجارب الفكر الفلسفي حججًا صحيحة فيجب أن نفعل الشيء نفسه مع أعمال الخيال الأدبي، ويجب أن نعتبرهم مفكرًا نشطًا في قرائهم وإعادة القراء إلى مواردهم المعرفية السابقة واستجوابهم والتوصل إلى استنتاج.
يجادل بيتر كيفي أيضًا بأنّ الأعمال الأدبية تقدم دعمًا إثباتيًا للحقيقة التي تدعيها، ومثل كارول يذكر أنّ القارئ يلعب دورًا أساسيًا في هذا، ووفقًا لكيفي يمكن للقراء التعامل مع العبارات الموضوعية في عمل ما باعتبارها فرضيات حياة ويجب عليهم كجزء من تقدير العمل تقييمها على أنّها صحيحة أو خاطئة.
ومع ذلك فإنّ المشكلة الرئيسية في النظر إلى الانعكاسات الموضوعية الصريحة في الأعمال الأدبية باعتبارها افتراضات حقيقية حول العالم الحقيقي هي أنّ تلك الانعكاسات يتم التأكيد عليها دائمًا في سياق معين، ويمكن أن يؤدي عزل بيان من سياقه في العمل الأدبي إلى تغيير معناه تمامًا.
أفكار النظرية الافتراضية للحقيقة الأدبية:
تظهر خمس أفكار مهمة من النقاش حول النظرية الافتراضية للحقيقة الأدبية:
- الفكرة الأولى هي ما صاغه ديفيد ديفيز أنّه إذا أردنا اكتساب فهم للقيمة المعرفية للأدب فعلينا أيضًا أن نأخذ في الحسبان سبب اعتبار هذه القيمة مركزية للتقدير الأدبي، ولا يبدو أنّ هذا هو الحال عندما نستخدم المفهوم العلمي للحقيقة كنقطة انطلاق، ولا تبدو الأعمال غير الخيالية خيارًا أفضل بكثير فقط إذا أردنا تعلم مثل هذه الحقائق ولكن يبدو أيضًا أنّ المدافعين عن النظرية الافتراضية للحقيقة الأدبية لا يولون اهتمامًا كبيرًا للقيمة الفنية للأدب.
- الفكرة الثانية تتعلق بالأولى وتتعلق بحقيقة أننّا نتعامل مع أعمال روائية كما يشير المدافعون عن نظرية افتراضية معتدلة عن الحقيقة الأدبية فإننّا ننكر أن الجمل التي نقرأها تحدث داخل عمل خيالي عندما نراها على أنّها مزاعم حقيقة حول العالم الحقيقي. وبهذه الطريقة يُنظر إلى الأعمال الأدبية على أنّها ذات قيمة معرفية على الرغم من كونها خيالية بينما يجب أن نهتم بمسألة ما تقدمه لنا الأعمال الأدبية ولا تقدمه لنا الأعمال غير الخيالية.
- الفكرة الثالثة التي يوضحها الجدل حول النظرية الافتتاحية للحقيقة الأدبية هي أهمية نشاط القارئ، في حين تم تجاهل هذه الفكرة إلى حد كبير من قبل العديد من المدافعين عن النظرية، وقد أكد بعض الفلاسفة مثل بيتر كيفي أنّ القيمة المعرفية للأدب لا تعتمد فقط على الأعمال الأدبية نفسها ولكن أيضًا على نشاط القارئ.
فعند قراءة عمل أدبي لا يستوعب المرء القصة المكتوبة بشكل سلبي، وتتطلب قراءة عمل أدبي جهدًا من القارئ، ويتطلب من القارئ إجراء اتصالات بين الأحداث المختلفة في القصة، كما يتطلب من القارئ الانتباه إلى كيفية سرد القصة، فمثلاً في وجهة نظر السرد كيف ومتى يكشف الراوي أو يحجب المعلومات أو متى يجب استخدام كلمات معينة، كما يتطلب أيضًا من القارئ أن يرى القصة ككل ذي مغزى كشيء مؤلف ومُنظم بطريقة معينة من أجل نقل شيء ما، وبعبارة أخرى يتطلب العمل من القارئ تفسير ما يقرأه. - تتعلق الفكرة الرابعة بموضوع العمل ومسألة ما إذا كان يمكننا اعتبار هذا الموضوع بمثابة بيان حول العالم الحقيقي، حيث قام الفلاسفة الذين يعارضون النظرية الافتتاحية للحقيقة الأدبية بالإشارة إلى إلى حقيقة أنّ موضوع الرواية يجب أن يُنظر إليه في المقام الأول على أنّه المبدأ المنظم للرواية وليس كادعاء حول العالم الحقيقي.
علاوة على ذلك من خلال النظر إلى موضوع الرواية باعتباره اقتراحًا يدعي الحقيقة حول العالم الحقيقي يبدو أنّ المدافعين عن النظرية الافتراضية للحقيقة الأدبية يتجاهلون عنصرًا مهمًا للغاية ألا وهو أنّ القراء لا يهتمون فقط بالأعمال الأدبية لأنّهم يتعاملون مع مواضيع محددة ولكن لأنّ هذه الأعمال تتعامل مع هذه الموضوعات بطريقة معينة، كما أنّ الروايات لها قيمة معرفية أساسية ليس لأنّها تتعامل مع موضوعات ذات صلة ولكن لأنّ هذه الموضوعات مقدمة أو مجسدة في الرواية بطريقة فريدة ومميزة. - ترتبط الفكرة النهائية بمشكلة النوايا المنسوبة إلى المؤلف الفعلي، حيث غالبًا ما يدافع المدافعون عن النظرية الافتتاحية للحقيقة الأدبية ضمنيًا أحيانًا عن شكل من أشكال القصدية الفعلية، وهذه مشكلة لأنّ الأعمال الأدبية يمكن أن يكون لها معنى لم يكن المؤلف على دراية به، وهذا يوحي لي بأنّ التحقيق في القيمة المعرفية للأدب لا ينبغي أن يبدأ من مسألة ما هي نوايا المؤلف عند كتابة رواية ولكن بدلاً من ذلك من السؤال عن المعاني التي ينطوي عليها العمل نفسه.