في الأدبيات الفلسفية الحديثة ظهر إجماع شبه تام على أنّ المعنى الفاعل لـ (يمكن) الذي يمكن إعادة صياغته بكلمة (قادر)، يتحدى التفسير الكمي الكلاسيكي للنماذج، التي قاومت هذا الإجماع، حيث تعمل كلمة (يمكن) دائمًا كمحدد وجودي على العوالم الممكنة، والاستخدامات المختلفة لـ (يمكن) تتوافق إلى حد كبير مع طرق مختلفة لتحديد مجال القياس الكمي.
كل شيء آخر متساوٍ أعتبر أنّ التحليل الموحد هو الأفضل، وعبر مجموعة واسعة من اللغات، تُستخدم نفس العناصر المعجمية للتعبير عن الطريقة الفعالة وأنواع أخرى من الأساليب،وهذا لا يمكن أن يكون مصادفة.
علاوة على ذلك تتشارك كلمة (يمكن) الفاعل في العديد من الخصائص المنطقية واللغوية مع الاستخدامات الأخرى لكلمة (يمكن)، مثل الطريقة التي يتفاعل بها مع عبارات الجمل الشرطية أو ميله إلى إطلاق تأثيرات الاختيار الحر، فيشرح الحساب الكمي هذه الميزات كما أنّه يوحّد المجموعة المحيرة من النكهات الفرعية ضمن أشكال القدرة، ويشرح العلاقة بين أشكال القدرة والنماذج الأخرى.
لماذا إذن يجب أن نهتم بهذا الشعور الغريب بالقدرة؟ الجواب لأنّها تلعب دورًا مركزيًا في السياقات المعيارية، فعندما نفكر في ما يجب أن يفعله الوكيل في موقف اختيار معين، فبشكل غير رسمي يعتبر الفعل مرشحًا لكونه ملزمًا فقط إذا كان الوكيل يعرف ما يجب عليه فعله من أجل أداء الفعل.
فلقد لوحظ منذ فترة طويلة أنّ الوسائط في اللغة الطبيعية تتصرف مثل المُحددات الكمية على عوالم محتملة، وفي هذا التقليد اقترح كل من ديفيد لويس و أنجليكا كراتزر بشكل مؤثر أنّ (S) قادر على (A)، وأنّها صحيحة فقط في حالة وجود عوالم يسهل الوصول إليها حيث يمكن الوصول إلى (A)، كما أنّه يمكن الوصول إلى العالم فقط، وفي حالة توافقها مع الحقائق ذات الصلة بالسياق حول العالم الفعلي.
فلسفة القدرة والتحليل النموذجي:
هناك سؤالان يمكن طرحهما لهذا الاقتراح حول القدرة:
1- أولاً هل تقبل القدرة بالفعل نوعًا من التحليل النموذجي؟
2- ثانيًا إذا كان الأمر كذلك فكيف يمكننا تحديد تفاصيل ذلك التحليل، وعلى وجه الخصوص كيف يمكننا التعبير عن الحالة (C)؟ بداية سيتم تناول الموضوع بالسؤال الأول الأكثر أساسية.
وفقًا لـ التحليل النموذجي المشار إليه بالمتغير (MA) فإنّ أداء فعل ما في عالم ممكن (أو مجموعة من العوالم) ضروري وكافٍ لامتلاك القدرة على أداء هذا العمل، وتتمثل إحدى طرق الطعن في هذا الادعاء في إنكار ادعاء الضرورة، أي القول بأنّه في بعض الأحيان يكون العامل قادرًا على أداء عمل لا يقوم به في أي عالم محتمل.
إنّ وجهة النظر هذه للقدرة الكلية مثيرة للجدل، لكن ليس من الواضح أنّه ينبغي استبعادها رسميًا، فمن خلال تحليل القدرة ذاته كما يفعل (MA)، يجادل سبنسر (2017) أنّه حتى الوكلاء غير القادرون قد يكون لديهم أحيانًا القدرة على أداء أعمال لا يؤدونها في أي عالم ممكن.
فلسفة أنطوني كيني والقدرة:
لا بد من أن نسلّم بأنّ إمكانية القيام بفعل ما هي شرط ضروري لأداء ذلك الفعل، وبهذا المعنى فإنّ إسناد القدرة يستلزم مطالبة محتملة، ومع ذلك قد يقاوم المرء وجهة النظر القائلة بأنّ القدرة تعترف بتحليل شكلي بالطريقة التي اقترحها (MA).
هذا هو نوع الحجة التي طورها أنطوني كيني، حيث يجادل كيني أنّه إذا كان شيء مثل (MA) صحيحًا بالفعل، فيجب أن تمتثل القدرة للمبادئ التي تحكم عامل الاحتمال في المنطق المعياري النموذجي، ويدّعي كيني أنّ القدرة تفشل في تلبية المبدأين التاليين:
1- A → ◊A.
بشكل غير رسمي يعبر (1) عن المبدأ القائل بأنّه إذا قام الوكيل بعمل ما، فعندئذ يكون لديه القدرة على القيام بهذا الإجراء، كما يجادل كيني بأنّ هذه هي القدرة الزائفة.
(2) ◊(A∨B)→(◊A∨◊B).
وبشكل غير رسمي يعبر (2) عن المبدأ القائل بأنّه إذا كان لدى الوكيل القدرة على تنفيذ أحد الإجراءين، فإنّ لديه القدرة على تنفيذ الإجراء الأول أو الإجراء الثاني، ويجادل كيني بأنّ هذه هي القدرة الزائفة أو الخاطئة.
لنبدأ بـ (1)، يدّعي كيني أنّ هذا المبدأ خاطئ في ضوء حالات من مثل قد يضرب لاعب السهام اليائس الثور مرة واحدة في العمر، لكنه لا يتمكن من تكرار الأداء لأنّه لا يملك القدرة على ضرب الثور.
تمت مناقشة هذا النوع من (النجاح المخادع) على نطاق واسع في الأدبيات الفلسفية، وربما الأكثر شهرة في أوستن في عام 1956، من أجل تقديم مجموعة متنوعة من النقاط، والتي تتمثل رؤية كيني في ملاحظة أنّ هذه الحالات البسيطة تخبرنا عن التحليل النموذجي للقدرة، حيث إنّها تنتهك بديهية للعديد من المنطق الشرطي أي نظام قوي مثل النظام (T).
الرد البسيط على هذه النقطة هو إنكار أنّ (T) (أو أي منطق أقوى) هو المنطق الصحيح للقدرة، وإنكار هذا لا يزال يسمح بمعالجة القدرة في إطار العوالم الممكنة، والجدير بالذكر أنّ المنطق الشرطي (K) هو الذي يفشل في التحقق من صحة (1)، الاستجابة الطبيعية للنقطة الأولى لكيني إذن هي القول إنّ (K) بدلاً من (T) أو نظام أقوى، هو المنطق النموذجي الصحيح للقدرة.
هذا الرد غير متوفر مع ذلك ردًا على اعتراض كيني الثاني، أنّ الاعتراض هو أنّ (2) ينطبق على الاحتمال وليس القدرة، وهنا لن ينجح التراجع إلى المنطق المعياري الأضعف، لأنّ (2) يمكن إثباته على أضعف منطق معياري مشروط، أي (K)، ومع ذلك لا يبدو الادعاء الموازي صحيحًا بالنسبة للقدرة، ويعطي كيني المثال التالي:
عند إعطائي حزمة من البطاقات لدي القدرة على اختيار بطاقة سوداء أو حمراء عند الطلب، ولكن ليس لدي القدرة على انتقاء بطاقة حمراء عند الطلب، ولا القدرة على انتقاء بطاقة سوداء عند الطلب.
يبدو أنّ هذه حالة يكون فيها (S) لديه القدرة على (A) أو (B) ولكنه يفتقر إلى القدرة على (A) ويفتقر إلى القدرة على (B)، لذلك يبدو أنّ (2) خاطئة في القدرة، وفي ضوء هذا يستنتج كيني أنّه إذا اعتبرنا دلالات العوالم المحتملة على أنّها توضح بوضوح ما ينطوي عليه كونه احتمالًا، يجب أن نقول أنّ القدرة ليست أي نوع من الاحتمال.
لتقدير استنتاج كيني من المفيد العمل من خلال تحديد سبب كون هذا مثالًا مضادًا لـ (MA)، عند الوضع في الاعتبار الوكيل (S) الذي لديه القدرة على اختيار بطاقة حمراء أو سوداء، ولكن ليس لديه القدرة على اختيار بطاقة حمراء أو القدرة على اختيار بطاقة سوداء.
وفقًا لـ (MA) فإنّ (S) لديه القدرة على (A)، إذا كان (S) يفعل (A) في بعض العالم (أو مجموعة من العوالم) يفي بشرط (C).
فلو تم أخذ بعين الاعتبار الحالة التي تناشد فيها (MA) عالمًا واحدًا وليس مجموعة من العوالم، فإنّه إذا كان لدى (S) القدرة على اختيار بطاقة حمراء أو بطاقة سوداء، فعند (MA) يوجد شرط مرضي في العالم (C) حيث يختار (S) بطاقة حمراء أو بطاقة سوداء، ثم يختار (S) إما بطاقة حمراء عند (w) أو يختار (S) بطاقة سوداء عند (w).
بعد ذلك بتطبيق (MA) الآن في الاتجاه الآخر، فإنّ (S) لديها القدرة على اختيار بطاقة حمراء أو (S) لديها القدرة على اختيار بطاقة سوداء، ولكن هذا من خلال الافتراض ليس هو الحال، وذلك نظرًا لأنّ (MA) هو الافتراض الموضوعي الوحيد الذي تم استئنافه لهذه الحجة ويجب رفض (MA).
لاحظ أنّ هذه الحجة تحولت أساسًا إلى تبني إصدار (MA) الذي يناشد عالمًا واحدًا، بدلاً من مجموعة من العوالم، ولذا فإنّ إحدى طرق الرد على هذا الاعتراض هي من خلال مناشدة مجموعات من العوالم في التحليل النموذجي للقدرة.
هذا هو بالضبط اقتراح مارك براون الذي يجادل بأنّه إذا أخذنا علاقات إمكانية الوصول بين عالم ومجموعة من العوالم، فقد نلتقط الحديث عن القدرة في إطار عوالم محتملة تكون على نطاق واسع في روح وجهات النظر القياسية.
بدلاً من ذلك قد نأخذ هذا النوع من النقطة للتغلب لصالح العودة إلى نظريات القدرة الافتراضية، لأنّه على الأقل وفقًا لوجهة نظر لويس بشأن الشروط الشرطية قد يكون الانفصال ناتجًا عن ادعاء واقعي دون اتباع أيٍّ من مفارقاته.
تعتبر الحسابات الشكلية التي تروق لمجموعات من العوالم غير طبيعية، بمعنى أنّها لا ترضي البديهية (K)، لكنها تظل وفية لحرف (MA) وكذلك نشاط التحليلات الشكلية بشكل عام، بقدر ما يستفيدون فقط من العوالم الممكنة والتقدير الكمي لها.