فلسفة كافنديش في سلوك المواد والفرق بين المعرفة والإيمان

اقرأ في هذا المقال


إنّ تفاعل الفيلسوفة مارجريت لوكاس كافنديش مع نقاشات منتصف القرن السابع عشر حول الأرواح والنشاط الروحي في العالم وخاصة مشاكل الجوهر والمغناطيسية، حيث أنّها طورت كافنديش شكلًا قويًا بشكل متزايد من المادية ردًا على أوجه القصور التي حددتها في النظم الفلسفية البديلة من الفلسفة الميكانيكية والحيوية بشكل أساسي.

فلسفة كافنديش وفكرة التفاعل طريق الاتصال:

في وجهة نظر مثيرة للجدل إلى حد ما تنسب إلى كافنديش حيث هناك التفاعل يكون دائمًا عن طريق الاتصال، فهي تؤيد عقيدة عرضية للسببية التي يبدو أنّها تسمح بأنّ السببية تحدث غالبًا عن بعد، وبالنسبة إلى كافنديش لا تنقل الأجسام أبدًا الحركة إلى أجسام أخرى بل يتحرك الجسم دائمًا بحركاته الداخلية.

وبشكل أكثر تحديدًا عندما يؤدي سلوك الجسم (أ) إلى تغيير في سلوك الجسم (ب)، يعمل (ب) عن طريق الحركات التي كان يمتلكها بالفعل، وبالتالي فإنّ (أ) هو السبب العرضي للتغيير في سلوك (ب)، حيث يُعلم (ب) بالحركات التي يرغب (ب) في القيام بها، ولكن لا يوجد نقل للحركة من (أ) إلى (ب) لأنّ الحركة دائمًا لا تنفصل عن الجسم الذي يمتلكها، وفي حالة الإدراك الحسي على سبيل المثال لا يطبع الجسم الخارجي (أ) نفسه على العضو الحسي (ب) وينقل إليه حركات جديدة يشكل (ب) بواسطتها صورة (أ) بدلاً من ذلك، ويقدم (أ) صورة عن نفسه إلى (ب).

وتشكل (ب) نمطًا أو نسخة من تلك الصورة عن طريق الحركات التي يمتلكها (ب) بالفعل، وقد لا تكون الحركات الداخلية التي تظهر باستمرار في جسم المريض (ب) ملحوظة بشكل علني دائمًا، فعلى سبيل المثال هناك حركات الأجسام المجهرية التي تتكون منها طاولة أو كرسي، والتي تبدو نفسها في حالة راحة كاملة، ولكن هذا الحركات موجودة باستمرار في (ب)، وبمناسبة وجود الجسم النشط (أ) فإنّها تأخذ اتجاهًا جديدًا.

نعود الآن إلى السؤال التفسيري المثير للجدل حول ما إذا كان كافنديش تعتقد أن التفاعل يتم دائمًا عن طريق الاتصال، وسبب التفكير في أنّها تسمح بالعمل عن بعد هو أنّها ملتزمة بالقول أنّه في الحالات التي ندرك فيها شيئًا ما على مسافة، فإنّ الصورة التي يتم تكوينها عبر عضونا الحسي ترجع إلى حركات تماما خاصة به، ومع ذلك فإنّ أحد أسباب التفكير في أنّ كافنديش ترى أنّه بالمعنى الدقيق للكلمة لا يوجد فعل عن بعد هو أنّه تقترح أنّ حالات الفعل الظاهرة عن بعد في النهاية تتضمن دائمًا اللمس.

هناك العديد من الأسباب الأخرى لافتراض أنّ كافنديش لا يسمح بالعمل عن بعد، وهناك عددًا من المقاطع التي تصف فيها الأجساد على أنّها أجسام مسيطرة ومرعية بعيدة وتجبرهم على التصرف كما يفعلون، ومن الصعب فهم كيف يمكن أن تكون هذه، وحالات الهيمنة أو التبعية إذا كان الجسم الخارجي يقدم مجرد توصية -أو ما يعادل حديث صارم- من بعيد.

بالإضافة إلى ذلك إذا اعتقدت كافنديش أنّ الأسباب العرضية هي نوع من الزناد أو مناسبة لعمل أي مريض جسم (ب)، فعندئذ حتى لو افترضت أنّ هذه الحركة لا تنتقل من جسم إلى آخر، فإنّها لا تزال بحاجة إلى طريقة للقيام الإحساس بكيفية قيام سبب عرضي بإشارة (أ) أو توصيله إلى الجسم (ب) بالطريقة التي يرغب (ب) في التصرف بها، كما تدافع عن مجموعة ميتافيزيقية والتي بموجبها الكون هو سلسلة متصلة من الأجسام الإدراكية، وبالتالي فإنّ التفسير الواضح الذي يمكن أن تقدمه لحالات الفعل الظاهر عن بعد هو أنّ الكون عبارة عن مجموعة كاملة من تواصل وتفاعل الأجسام، وغالبًا ما يتم نقش رسالة معينة من نص إلى آخر.

تؤيد كافنديش وجهة النظر القائلة بأنّ التفاعل يتم دائمًا عن طريق الاتصال وتهدف إلى تطبيق وجهة النظر أيضًا، وتتفاعل أجسادنا مع عقولنا لذلك يجب أن تكون عقولنا مادية، ولكن أي شيء تكتشفه أذهاننا يجب أن يكون ماديًا أيضًا، فأي شيء نعرفه وأي شيء نحاول شرحه وأي شيء ننظّر بشأنه وأي شيء نواجهه وأي شيء يمكننا أن ندركه فهذه كلها مادية، وتوضح كافنديش بأنّه لا يمكن لأي جزء من الطبيعة (أجزائه مادية) أن يدرك شيئًا غير مادي، وذلك لأنّه من المستحيل أن يكون لدى الفرد تصور لما هو غير محسوس على أنّه ليس كائنًا مناسبًا للإدراك الجسدي.

ولكن بالنسبة إلى غير المادي لا يمكن لأي عقل أن يتصور ذلك لأنّه لا يمكن أن يضع نفسه في لا شيء، على الرغم من أنّه يمكن أن يتوسع ويخلِّق نفسه إلى درجة أعلى، ولكن يجب أن يظل داخل دائرة الأجسام الطبيعية، كما إنّ عقولنا مادية ولكن الأشياء الوحيدة التي يمكنهم الاتصال بها واكتشافها هي الأشياء المادية أيضًا، حتى لو كانت هناك مواد غير مادية في بيئتنا فلا يمكننا إدراكها أو تشكيل أفكار عنها، وبالتالي فإنّ الكيانات التي نتصورها ونناقشها ليست هذه المواد غير المادية ولكنها شيء آخر.

قد تكون هناك كائنات أو مواد روحية خارقة للطبيعة في الطبيعة دون أي عائق للمادة أو الطبيعة المادية، ونفس الشيء يمكن أن أقول عن المادة الطبيعية والروح الإلهية والخارقة للطبيعة، وذلك لأنّه على الرغم من أنّ الروح الإلهية في جسد طبيعي، وأنّ كل من قواهم وأفعالهم مختلفة إلّا أنّهم لا يسببون أي اضطراب أو إزعاج لبعضهم البعض، فالطبيعة هي جوهر مادية وبدون مادة لا يمكن للحركة أن تكون، وبدون معارضة الحركة لا يمكن القيام بها ولا أي فعل في الطبيعة.

بدلاً من محاولة حصر كل كائن على حدة ثم تقديم وصف لكلٍ على حدة، تفترض كافنديش وجود الأشياء المادية في محيطنا المحلي وتجادل بأنّه نظرًا لأنّ عقولنا تكتشفها، فإنّ أذهاننا مادية كما هو الحال مع كل شيء آخر نواجهه، وقد توجد أشياء غير مادية والتي تتنازل كافنديش بالتأكيد ولكن إذا كان الأمر كذلك فهي ليست شيئًا بالنسبة لنا، ولا يتم تضمينها في مجال البحث عندما نقوم بالميتافيزيقا أو العلم.

فلسفة كافنديش في المعرفة والإيمان:

مناورة أخرى تتمثل في التمييز بين المعرفة والإيمان والقول إنّه على الرغم من أنّ عقولنا لا تستطيع اكتشاف المواد غير المادية أو لديها أي دليل على وجودها، فإنّه يجب أن تكون هناك طريقة ما يمكن لعقولنا من خلالها تصور الأشياء غير المادية، وإلّا فلن نكون قادرين حتى على الإيمان.

تكمن المشكلة بالطبع في أنّه إذا كانت كافنديش ملتزمة بالرأي القائل بأنّ العقل الطبيعي لا يمكن أن يشكل تصورًا لما هو غير مادي، فيمكنه حينئذٍ السماح بأن تكون لدينا أفكارًا عن الأشياء التي هي نتيجة سبب غير مادي، ولكن من الصعب أن نرى كيف يمكن أن يكون لدينا فكرة عن ذلك السبب غير المادي نفسه، وطالما أنّها تأخذ صور وفكرة لتكون صورة لشيء ما، وطالما أنّه لا يمكن التقاط المواد غير المادية في شكل أو صورة، ويبدو أنّها ملتزمة بالقول إننا لا يمكن أن يكون لديك أفكار غير مادية على الإطلاق.


شارك المقالة: