تلعب العناية الإلهية الدور الرائد في فلسفة علم الكونياتالرواقية، ومثال على السببية بعد كل شيء تشغيل المبدأ النشط، أي الله على ما هو سلبي أو خامل، وهذه العناية الإلهية تفسح المجال بالنسبة للفيلسوف كريسيبوس لإلقاء نظرة على الكون حتمية للغاية، وفي كتاب عن العناية الإلهية 4 يقول كريسيبوس أنّ: “المصير هو ترتيب طبيعي ودائم للكل وهو مجموعة من الأشياء تتبع الأخرى وتتبع الأخرى والترابط مصون”.
فلسفة كريسيبوس في الحرية والضرورة:
تدعو النظرة الحتمية لكريسيبوس إلى السؤال التالي وهو أنّه إذا كان الكون منظمًا بطريقة حتمية ونحن جزء منه فيبدو أننا مرتبون بطريقة حتمية، وبالتالي فإنّ أفعالنا ستتبع أحدهما على الآخر في تتابع حيث لا يمكن انتهاك الرابطة أبدًا، وإذا لم نتمكن أبدًا من الخروج عن المسار الذي يأمر به القدر فلن يكون لدينا مطلقًا القدرة على التصرف بطريقة أخرى.
يبدو أنّ علم الكونيات لدى كريسيبوس لا يتوافق مع وجهة النظر القائلة بأننا في بعض الأحيان مسؤولون أخلاقياً عن أفعالنا، بينما الفلسفة الرواقية مع ذلك فلسفة أخلاقية صارمة لذا فإنّ كريسيبوس مدين بإجابة، فقد حافظ الفلاسفة الأبيقوريون على حد أدنى من اللاحتمية على المستوى الذري، وكما يبدو أنّ هذا الخيار ليس مفتوحًا لكريسيبوس، وعلى أي حال فإنّ وجهة نظر اللاحتمية لا تخلو من صعوبة (كما جادل الفيلسوف ديفيد هيوم في التحقيق ليس لدى المرء سيطرة على ما يفتقر إلى سبب).
إنّ قبول الحتمية المأخوذة بنظرة متفائلة فيما يتعلق بإمكانية العمل الحر يشير إلى أنّ كريسيبوس يعتبر الأخير متوافقًا مع الأول، ومع ذلك فإنّ الكيفية التي سيتم بها فهم الاثنين على أنّهما متوافقان كان موضوعًا لبعض الجدل، ويمكن اشتقاق أحد الاحتمالات لفهم عرض كريسيبوس من أحد النصوص حيث أكدوا كل من زينو وكريسيبوس أنّ كل شيء مصدر.
وبيّن كريسيبوس ذلك وفقًا للنموذج التالي: عندما يرتبط كلب مع عربة فإذا أرادت أن تتبع ذلك فسيتم سحبها، مما يجعل عملها التلقائي يتزامن مع الضرورة، ولكن إذا كان يفعل ذلك لا تريد اتباعها سيتم إجبارها في أي حال، ولذلك هو مع الرجال أيضًا: حتى لو كانوا لا يريدون ذلك فسيتم إجبارهم في أي حال اتبع ما هو مقدر.
تم تفسير هذا مفهوم هذا النص بعدة طرق، فقد يفهم المرء أنّ النقطة على النحو التالي: بحيث يبدو أنّ التهديد الذي تشكله القدرية أو الحتمية على المسؤولية الأخلاقية يدخل بفكرة أنّه إذا لم نتمكن من التصرف بطريقة أخرى فإننا لسنا أحرارًا، ولكن عند الوضع في الإعتبار أنّ كلبنا مادي مقيد كما هي في عربة سيده، وقد نفترض أنّه يتبع سيده الذي يسحب العربة بشعور الكلاب بالحيوية، وأنّه سيفعل ذلك بنفس الطريقة إلى حد كبير حتى لو لم يكن مقيد بالعربة، كما يبدو أنّه يتبع سيده بحرية في حين أنّه مع ذلك لا يستطيع التصرف بطريقة أخرى.
إذا قرأنا بهذه الطريقة فإنّ المقطع هو مثال مضاد للادعاء بأنّه إذا كان المرء لا يستطيع التصرف بطريقة أخرى فلن يكون حراً، فقد جادلت سوزان بوبزين بأنّ التشبيه لم يتم تأليفه من قبل زينو ولا كريسيبوس ولكن بدلاً من ذلك كان مصدره في الرواية الرومانية، وعلى الرغم من أنّها تعترف بأنّه ربما يكون تفسيرًا لعدد من الآيات التي تنتمي إلى كلينتس فإنّها لا تجد شيئًا في الممر الذي يجتمع مع الإرادة الحرة، ومن وجهة نظرها مغزى النص هو ببساطة أنّه عبثًا أن يثور المرء مما يديره القدر.
كما أنّ هناك بعض المقاطع المهمة الأخرى للمفسرين وفي أحدها الذي يعد مهمًا فيما يتعلق بنظرية المعرفة لكريسيبوس، حيث يلتقي كما هو الحال مع مسألة ما إذا كان الاعتقاد أو القبول عملية طوعية، ولكنها قد تحمل أيضًا دليلًا يتعلق برواية كريسيبوس عن العمل الحر بشكل عام، ويبدو أنّ الفكرة هي أنّ الأسطوانة تحتاج إلى الدفع حتى يتم تشغيلها، وبغض النظر عن اعتبارات التنوع النيوتوني فإنّ القدرة على الاستمرار في التدحرج خاصة بطبيعتها، ومثلما توجد القدرة على الاستمرار في التدحرج في طبيعة الأسطوانة كذلك توجد قوة الموافقة أو المعارضة من قوة الوكيل.
بالطبع قد يعترض المرء على أنّه قد يكون لدى المرء القليل من السيطرة أو لا يملك أي سيطرة على التصرفات التي تدفع المرء إلى الموافقة أو المعارضة، وإذا لم يكن لدى المرء أي سيطرة على أحداث سابقة معينة والتي تتطلب أحداثًا أخرى معينة، فيبدو أنّ المرء لا يملك أي سيطرة على الأحداث اللاحقة أيضًا، وليس من الواضح أنّ هذا الادعاء الأخير صحيح، ولكن ربما لم يكن هناك عوائق أمام كريسيبوس لاستخدام نوع مماثل من التفكير في روايته عن العمل الحر.
فلسفة كريسيبوس في المعايير المعرفية:
وفقًا لديوجين لايرتيوس حافظ الرواقيون على فيما يتعلق بالعروض التحفيزية من ناحية هناك الحافز ومن ناحية أخرى هناك اللامحفز، فالمحفز الذي يقولون أنّه معيار الأشياء وهو ما يأتي ليكون من كائن موجود، ويتفق مع الشيء الحقيقي نفسه بعد أن تم ختمه وطبعه، فلا يأتي اللامحفز ليكون من الكائن الموجود أو إذا كان موجودًا فإنّه يفشل في التوافق مع ما هو موجود، وإنّه ليس واضحًا ولا مميزًا، فالعرض التحفيزي (فهم أو استيعاب) هي:
1- يأتي من كائن حقيقي.
2- يتوافق بدقة مع هذا الكائن.
3- مطبوعًا على القدرة الحسية.
4- كذلك واضح ومتميز.
علاوة على ذلك يتخذ الرواقيون الانطباع التحفيزي وهو المعيار الذي يمكن بواسطته تمييز الحقيقة من الخيال، وغني عن القول أنّ المتشككين كانوا حريصين على التساؤل عن كيفية تمييز العامل الحفاز من اللامحفز، ويبدو أنّ الرواقيين أنكروا أنّ الانطباع الصحيح والخاطئ قد يتعذر تمييزهما نوعياً، ولكن كما يستمر شيشرون في التساؤل ما هي العلامة (notum) للانطباع التحفيزي الذي قد يكون لدى المرء بحيث لا يمكن أن يكون خاطئًا؟
وردًا على سؤال شيشرون طور الرواقيون عدة استراتيجيات، حيث إنّ معيار الحقيقة الذي يدعونه هو العرض التحفيزي أي ما يأتي ليكون من كائن حقيقي، ووفقًا لكريسيبوس في الكتاب الثاني عشر من كتابه الفيزياء وإلى أنتيباتر وأبولودوروس، ومع ذلك يعترف بوثيوس بتعدد المعايير أي الذكاء والإدراك الحسي والشهية والمعرفة، ولكن كريسيبوس يناقض نفسه ويقول أنّ المعيار هو الإحساس والإدراك المسبق والمنع (prolepsis)، والفهم المسبق هو مفهوم طبيعي للكوني.
ومرة أخرى فإنّ بعض الرواقيين الأقدم يجعلون من شعارات (orthos) المعيار، وكذلك فعل بوسيدونيوس في أطروحته عن المعيار، ويبدو أنّ السؤال المحوري لفهم نظرية المعرفة لكريسيبوس يتعلق بالمعنى الذي يعلقه على التدلي والمنع (prolepsis)، وفي قراءة واحدة يمكن اعتبار هذه المفاهيم المسبقة مفاهيم فطرية، ومع ذلك فإنّ هذه القراءة تتعارض مع الميول التجريبية المرتبطة بالرواقيين.
ينظر الرواقيين إلى أنّ العقل باعتباره صفحة بيضاء، فالمفاهيم أو التدريبات يتم اكتسابها سببيًا عن طريق تكرار العروض التقديمية المماثلة، ويبدو أنّ كريسيبوس قد اعتقد أنّه يمكن للمرء أن يقارن عرضًا رمزيًا معينًا بمفهوم واحد من نوعه، ويمكن القول إنّ كريسيبوس متفائل بالفعل فيما يتعلق بمصداقية الآلية المعرفية المسؤولة عن اكتساب التدليل والمنع، ومع ذلك فإنّ التفاؤل على هذا المستوى يتوافق جيدًا مع وجهة النظر الرواقية القائلة بأنّ العالم مبني وفقًا للعقل.
يبدو أنّ وجهة نظر كريسيبوس تشترك في ميزات معينة مع هؤلاء علماء الاعترافيين المعاصرين الذين يحرصون على التأكيد على الوظيفة المناسبة للقدرات المعرفية، وفي إنتاج المعتقدات التي تلبي متطلبات أمر أو المعرفة، حيث رأى الرواقيون أنّ وجود الإلهية في الأشياء الدنيوية أو الكونية، بينما الكليات المعرفية مثل الكليات الأخرى فهناك لسبب ما.