اقرأ في هذا المقال
- فلسفة مونتسكيو بين المناخ الدافئ والبارد
- فلسفة مونتسكيو لعلاقة العبودية بالمناخ
- فلسفة جودة التربة بشكل الحكومة لدى مونتسكيو
- فلسفة مونتسكيو في المناخ والجغرافيا بنمو الحكومة الاستبدادية
في الكتاب الشهير روح القوانين اقترح الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو النظرية المثيرة للجدل القائلة بأنّ الجغرافيا والمناخ يمكن أن تؤثر على طبيعة الرجال والمجتمعات، ويعتقد أنّ الناس الذين يعيشون في البلدان الأكثر دفئًا يمثلون شخصية نارية لكنها شريرة في حين أن دول الشمال أكثر شجاعة لكنها باردة وصلبة، وبالطبع لا يندهش المرء من حقيقة أنّ الفيلسوف مونتسكيو تعتبر مناخ فرنسا مثاليًا فهو ليس شديد البرودة ولا دافئًا جدًا.
فلسفة مونتسكيو بين المناخ الدافئ والبارد:
يعتقد مونتسكيو أنّ المناخ والجغرافيا يؤثران على مزاج وعادات سكان البلد، وإنّه ليس حتميًا ولا يعتقد أنّ هذه التأثيرات لا تقاوم، ومع ذلك فهو يعتقد أنّ القوانين يجب أن تأخذ هذه الآثار في الاعتبار وأن تستوعبها عند الضرورة وتتصدى لأسوأ آثارها.
فوفقًا لمونتسكيو فإنّ المناخ البارد يقيد ألياف أجسامنا ويسبب تدفق العصائر الخشنة من خلالها، وعلى النقيض من ذلك فإنّ الحرارة توسع أليافنا وتنتج المزيد من العصائر النادرة والتي تؤثر هذه التغييرات الفسيولوجية على شخصياتنا، وأولئك الذين يعيشون في الأجواء الباردة نشيطون وجريئون وباردون وصريحون ولا يهتمون بالشك، حيث إنّهم غير حساسين نسبيًا للمتعة والألم، وهنا يكتب مونتسكيو أنّه: “يجب أن تسلخ جلد أحد سكان موسكو حياً لتجعله يشعر”.
بينما أولئك الذين يعيشون في المناخات الدافئة لديهم أحاسيس أقوى ولكن أقل ديمومة، حيث إنّهم أكثر خوفًا وأكثر حبًا وأكثر عرضة لإغراءات المتعة والألم الحقيقي أو المتخيل، ولكنها أقل تصميمًا وأقل قدرة على العمل المستمر أو الحاسم، وإنّ آداب أولئك الذين يعيشون في مناخات معتدلة وغير ثابتة وذلك لأنّ المناخ ليس له صفة محددة بما يكفي لإصلاحها، وهذه الاختلافات ليست وراثية بمعنى أنّه إذا انتقل المرء من مناخ إلى آخر فإنّ مزاج المرء سيتغير وفقًا لذلك.
فلسفة مونتسكيو لعلاقة العبودية بالمناخ:
يمكن للمناخ الحار أن يجعل العبودية مفهومة، فيكتب مونتسكيو أنّ: “حالة العبودية سيئة بطبيعتها”، حيث إنّه يحتقر بشكل خاص التبريرات الدينية والعنصرية للعبودية، ومع ذلك من وجهة نظره هناك نوعان من البلدان التي تكون فيها العبودية رغم أنّها غير مقبولة وأقل سوءًا مما قد تكون عليه في غير ذلك.
أما في البلدان الاستبدادية لا يختلف وضع العبيد عن وضع رعايا الطغاة الآخرين حيث لهذا السبب فإنّ العبودية في بلد مستبد أكثر احتمالاً منها في البلدان الأخر، وفي البلدان الحارة بشكل غير عادي قد يكون السبب هو أنّ الحرارة الزائدة تضعف الجسد وتجعل الرجال كسالى للغاية ومثبطين لدرجة أنّ لا شيء سوى الخوف من التأديب يمكن أن يجبرهم على أداء أي واجب شاق أي العبودية أكثر قابلية للتصالح مع العقل.
ومع ذلك كتب مونتسكيو أنّه عندما يمكن لأحرار أن يقوموا بعمل بدافع الأمل في الكسب بدلاً من العبيد بدافع الخوف فإنّ الأول سوف يعمل دائمًا بشكل أفضل، وأنّ العبودية في مثل هذه المناخات ليست خاطئة فقط ولكنها غير حكيمة، ويأمل أنّه لا يوجد هذا المناخ على الأرض حيث قد لا يتم تقديم الخدمات الأكثر شاقة بالتشجيع المناسب من قبل الأحرار، وإذا لم يكن هناك مثل هذا المناخ فلن يمكن أبدًا تبرير العبودية على هذا الأساس.
فلسفة جودة التربة بشكل الحكومة لدى مونتسكيو:
تؤثر جودة تربة الدولة أيضًا على شكل حكومتها، فتكون الأنظمة الملكية أكثر شيوعًا حيث تكون التربة خصبة والجمهوريات حيث تكون قاحلة، وهذا هو الحال لثلاثة أسباب:
- أولاً: أولئك الذين يعيشون في البلدان المثمرة هم أكثر استعدادًا للرضا عن وضعهم وأن يقدّروا في الحكومة ليس الحرية التي تمنحها ولكن قدرتها على تزويدهم بالأمن الكافي الذي يمكنهم من الاستمرار في زراعتهم، لذلك فهم أكثر استعدادًا لقبول الملكية إذا كان بإمكانها توفير مثل هذا الأمن، وفي كثير من الأحيان يمكن ذلك حيث يمكن للأنظمة الملكية الاستجابة للتهديدات بسرعة أكبر من الجمهوريات.
- ثانيًا: البلدان الخصبة مرغوبة أكثر من البلدان القاحلة وأسهل في الغزو فهي دائمًا ذات سطح مستوٍ وحيث لا يستطيع السكان التنازع ضد قوة أقوى، وثم يضطرون إلى الخضوع وعندما يخضعون مرة واحدة، وروح الحرية لا يمكن أن تعود فثروة البلاد هي تعهد بالإخلاص، ويعتقد مونتسكيو أنّ الملكيات أكثر احتمالا من الجمهوريات لشن حروب الغزو وبالتالي من المرجح أن تكون السلطة الفاتحة ملكية.
- ثالثًا: أولئك الذين يعيشون حيث التربة جرداء عليهم أن يعملوا بجد من أجل البقاء وهذا يميل إلى جعلهم مجتهدين ورصينين ومعرضين للمشقة وشجعان وصالحين للحرب، وعلى النقيض من ذلك فإنّ أولئك الذين يسكنون بلادًا خصبة يفضلون الراحة والتخنث وولعًا معينًا للحفاظ على الحياة، ولهذا السبب فإنّ سكان البلدان القاحلة هم أكثر قدرة على الدفاع عن أنفسهم ضد الهجمات التي قد تحدث والدفاع عن حريتهم ضد أولئك الذين سيدمرونها.
هذه الحقائق تمنح الدول القاحلة مزايا تعوض عن عقم تربتها، ولأنّهم أقل عرضة للغزو فإنّهم أقل عرضة للنهب والتدمير ومن المرجح أن تعمل بشكل جيد لأنّ البلدان لا تُزرع بما يتناسب مع خصوبتها ولكن مع حريتها، وهذا هو السبب في أنّ أفضل المقاطعات هي في الغالب خالية من السكان في حين أنّ هناك بعض البلدان المخيفة لا تزال مأهولة دائمًا من كونها غير صالحة للسكن تقريبًا.
فلسفة مونتسكيو في المناخ والجغرافيا بنمو الحكومة الاستبدادية:
يعتقد مونتسكيو أنّ المناخ والجغرافيا في آسيا يفسران سبب ازدهار الاستبداد هناك، ويعتقد أنّ آسيا لها ميزتان تميزانها عن أوروبا:
- أولاً: لا يوجد في آسيا تقريبًا منطقة معتدلة، في حين أنّ جبال الدول الاسكندنافية تحمي أوروبا من رياح القطب الشمالي فإنّ آسيا ليس لديها مثل هذا الحاجز ولهذا السبب تمتد منطقتها الشمالية المتجمدة إلى الجنوب أكثر بكثير من أوروبا، وكما أنّ هناك انتقال سريع نسبيًا منها إلى الجنوب الاستوائي ولهذا السبب يمس الأشخاص المحاربون والشجعان والنشطون على الفور أولئك الذين هم كسالى وغير غيرون وخجولون، لذلك يجب على المرء أن ينتصر ويخضع الآخر، على النقيض من ذلك في أوروبا يتغير المناخ تدريجياً من بارد إلى حار لذلك الدول القوية تعارض القوي وأولئك الذين ينضمون إلى بعضهم البعض لديهم نفس الشجاعة تقريبًا.
- ثانيًا: تمتلك آسيا سهولًا أكبر من أوروبا وتقع سلاسل جبالها على مسافة أبعد وأنهارها ليست حواجز هائلة أمام الغزو، ونظرًا لأنّ أوروبا مقسمة بشكل طبيعي إلى مناطق أصغر فمن الصعب على أي قوة واحدة التغلب عليها جميعًا، وهذا يعني أنّ أوروبا ستميل إلى أن يكون لديها دول أكثر فأكثر، وعلى النقيض من ذلك تميل آسيا إلى امتلاك إمبراطوريات أكبر بكثير مما يجعلها عرضة للاستبداد.