كانت الجذور الفلسفية لجون ستيوارت ميل في التجربة البريطانيةلجون لوك وجورج بيركلي وديفيد هيوم، ولكنه اشتهر بتطوره الإضافي للنظرية النفعية لمعلمه جيريمي بنثام، والتي أشاعها كحركة وأصبح أشهر داعية ومدافع عنها.
فلسفة اللغة والمنطق:
على الرغم من أنّ ميل يعتقد أنّ الفكر الإنساني الأساسي ممكن بدون لغة إلّا أنّه في الحالات المعقدة فإنه لا يمكن أن يحدث بأي طريقة أخرى، وعلى هذا النحو فإنّ دراسة الارتباط النظري للبشر بالعالم تتطلب الوضوح بشأن أداة الفكر الأساسية.
ويتحول تفسير ميل للغة إلى التمييز بين دلالة ودلالة الكلمة، فالكلمات تدل على الأشياء التي هي صحيحة حيث أنّها تشير ضمنيًا إلى سمات محددة لتلك الأشياء، ككلمة (إنسان) على سبيل المثال تدل على أو تصدق كل الناس كما جاء في الكتاب المقدس، لكنه يشير ضمنًا إلى السمات التي بموجبها تنطبق على كلمة إنسان أي على هؤلاء الأفراد من الجسد والحياة الحيوانية والعقلانية وشكل خارجي معين والذي نسميه على سبيل التمييز الإنسان، وتحدد الدلالة بالمعنى التالي: معرفة دلالة كلمة ما هو معرفة الشروط الضرورية والكافية لتحديد ما إذا كان يتم الإشارة إلى كائن معين بهذه الكلمة.
ليست كل الكلمات لها دلالة، حيث يلاحظ ميل أنّ الكلمات يمكن أن تكون مفردة أو عامة، حيث أنّ (شيشرون) هو اسم فريد ينطبق على كائن واحد فقط وهو شيشرون، وعلى النقيض من ذلك فإنّ (روماني) هو اسم عام ينطبق على العديد من الأشياء بما في ذلك شيشرون ولكن أيضًا أوغسطس ونيرو والعديد من الأشياء الأخرى في مجتمع روما.
في حين أنّ (جميع الأسماء العامة الملموسة ذات دلالة) تشير إلى السمات التي تبرر تطبيقنا للاسم على أشياء فردية حيث لا يمكن قول الشيء نفسه عن الأسماء المفردة، ومن المؤكد أنّ بعض الأسماء المفردة ذات دلالة فمؤلف (De Re Publica) هو كما نقول وصفًا محددًا ويختار فردًا واحدًا عن طريق الإشارة إلى سماته ولكن ليس كلها، ولا يشير اسم “شيشرون” إلى أي سمات على الإطلاق ولكنه اسم علم ويعمل ببساطة كعلامة لذلك الفرد.
يوفر التحليل وسيلة بسيطة لتحديد معنى نطاق واسع من الافتراضات البسيطة فتلك الأجزاء من الخطاب التي يتم فيها تأكيد أو رفض أحد المسندات لموضوع واحد عن طريق مجموعة مثل هي أو ليست كذلك، وتكوينها في كيانات لغوية أكثر تعقيدًا، ويمكن فهم الاقتراح S هو P في حالة أنّ P هو مصطلح ضمني، حيث يؤكد الادعاء بأنّ الكائن الذي تشير إليه S له السمة التي يشير إليها P.
قمة شيمبورازو (Chimborazo) بيضاء، حيث تؤكد حقيقة حول العالم أنّ الكائن المشار إليه باسم قمة شيمبورازو له السمة التي يشير إليها الاسم الأبيض، حيث الاقتراح S هو P حيث P هو مصطلح غير متضمن، ويمكن فهمه على أنّه الادعاء بأنّ الكائن الذي يشير إليه S هو نفس الشيء الذي يشير إليه P، وتؤكد عبارة (Tully is Cicero) مجرد حقيقة حول تلك الأسماء، وأنّ اسم (Tully) يستخدم للإشارة إلى نفس الشيء مثل اسم (Cicero).
الاختلاف هو المفتاح، فنحن لا نتعلم شيئًا عن العالم عندما نعلم أنّ (Tully is Cicero) صحيح وهذا الافتراض لا ينقل حقيقة حول كيف تكون الأشياء، بل بالأحرى عن اصطلاحات التسمية اللغوية الخاصة بنا، وإنّ الافتراض في مصطلحات ميل هو مجرد كلام، فمثل هذه الافتراضات هي مفتاح لفهم الطبيعة غير الإعلامية للقضايا المسبقة والاستدلال المسبق.
ميل بحق تمامًا فهو لا يدعي أنّ الافتراضات المسبقة مثل (كل إنسان مخلوق حي) هي مثل تولي هو شيشرون (Tully is Cicero)، ومجرد تأكيدات حول اتفاقيات التسمية الخاصة بنا، ولكنه يجادل بأنّ مثل هذه الافتراضات تشترك في ميزة عدم نقل أي معلومات حقيقية عن العالم، ويشمل دلالة الإنسان – الصفات التي يشير إليها – دلالة الكائن الحي، الشخص الذي يعرف بالفعل معنى مصطلح الإنسان لا يُخبر بأي شيء عن حال العالم عندما يُقال إنّ كل إنسان مخلوق حي.
ويعتقد ميل أنّ المنطق الاستنتاجي أو المسبق فارغ بالمثل، وقبل الثورة في المنطق التي بدأت في أواخر القرن التاسع عشر يفكر ميل في التفكير الاستنتاجي في المقام الأول من حيث القياس المنطقي، ويجادل بأنّ التفكير المنطقي لا يمكن أن يستنبط أي حقائق جديدة حول كيف يكون العالم: “لم يكن هناك شيء على الإطلاق أو يمكن إثباته من خلال القياس المنطقي الذي لم يكن معروفًا أو يُفترض أنّه معروف من قبل”.
- المقدمة 1: كل الناس بشر.
- المقدمة 2: سقراط رجل.
- الخلاصة:سقراط مميت.
في الاستدلالات القياسية كما يقول لكي تكون الحجج صحيحة يجب أن يكون الاستنتاج قد تم تأكيده بالفعل في المبنى، على سبيل المثال في الحجة أعلاه يجب أن يكون الاستنتاج قد تم تأكيده بالفعل في المقدمة (1) الافتراض القائل بأنّ جميع البشر بشر يجب أن يقال أنّه يتضمن الافتراض القائل بأنّ سقراط مميت إذا أريد للحجة أن تكون صحيحة.
لذلك لا يتم اكتساب معرفة جديدة في الاستدلال من المباني إلى الاستنتاج، وربما يكون دعم هذا الادعاء أكثر صعوبة مما يقدره ميل، اعتمادًا كما يفعل على مساواة معنى بيان عالمي مع معنى اقتران بيان مفرد، ومع ذلك فإنّ حجة ميل القائلة بأنّه لا يمكننا تعلم أي شيء عن العالم من خلال التفكير في لغتنا تتوافق بدقة مع ادعائه الطبيعي بأنّ كل التقدم المعرفي الحقيقي يجب أن يتم عن طريق الملاحظة.
والاقتراح القائل بأنّ الاستدلال الاستنتاجي لا يمكن أن يقودنا إلى أي معرفة جديدة يدفعنا إلى سؤالين:
- أولاً إن لم يكن تقدم المعرفة فما هي وظيفة التفكير المنطقي؟: يجيب ميل بأنّ التفكير المنطقي يسمح لنا باختبار التزامنا بالقضايا العامة، وفي تقديم الحجج مثل تلك المذكورة أعلاه لا يمكننا اكتساب معرفة جديدة أي لأنّه لا توجد حقائق غير تلك الموجودة في المبنى موجودة في الاستنتاج، لكن الآثار المترتبة على فرضية عامة تظهر بشكل أوضح من خلال التفكير المنطقي، وهذا في حالات معينة قد يدفعنا إلى إعادة تقييم التزامنا بهذه الفرضية.
- ثانيًا ماذا نقول عن الاستدلال الاستنباطي الظاهر الذي يقودنا بوضوح إلى معرفة جديدة؟: يرى ميل أنه حيثما نكتسب معرفة جديدة حقًا في حالات الرياضيات والهندسة، على سبيل المثال يجب علينا على مستوى ما أن نفكر بشكل استقرائي. يحاول ميل وهذا يعني أن يفسر الطابع المعلوماتي الحقيقي للتفكير الرياضي والهندسي من خلال إنكار كونه بديهيًا بأي معنى حقيقي.
فلسفة ميل في الحساب والهندسة:
من بين قوانين الطبيعة التي تم تعلمها عن طريق التفكير الاستقرائي قوانين الهندسة والحساب، ويجدر التأكيد على أنّه لا يعتقد ميل بأي حال من الأحوال أنّ الطبيعة الاستقرائية للعلوم -سواء كانت فيزيائية أو رياضية أو اجتماعية تمنع التنظيم الاستنتاجي وممارسة العلم، ومن الواضح أننا نعمل من خلال العديد من الاستدلالات بمصطلحات استنتاجية وهذا ليس أوضح في أي مكان مما هو عليه في حالة الرياضيات، ويدعي ميل ببساطة أنّ أي فرضية أو استدلال غير لفظي لا يمكن إلّا أنّ يكون بقوة التبرير الاستقرائي الذي يدعمه.
فلسفة ميل في الحساب والتبرير الاستقرائي:
يعتقد ميل أنّ الحساب في الأساس غير لفظي، وأنّ اثنين زائد واحد يساوي ثلاثة ليس كذلك، فتعريف كلمة ثلاثة وذلك لبيان بأنّ البشرية قد وافقت على استخدام الاسم ثلاثة كعلامة تعادل تمامًا اثنين وواحد، وذلك للاتصال بالاسم السابق كل ما يسمى بالاسم الآخر الأكثر أخرقًا.
على عكس العديد في التقليد التجريبي – بما في ذلك والده – يرى ميل أنّ الافتراضات الرياضية تؤكد الحقائق الحقيقية، هنا في كل خطوة من خطوات الحساب الحسابي أو الجبري استقراء حقيقي، واستنتاج حقيقي للحقائق من الحقائق وأن نقوم بإجراء العمليات بطريقة استنتاجية في الحالة التالية:
2 × (2 + 1) = 2 × 3 = 6
لا ينبغي أن يحجب أنّ صحة كل حركة يتم إثباتها عن طريق الاستقراء، ونثبت أنّ اثنين زائد واحد يساوي ثلاثة بالتعميم من حالات محددة، أي أنّ حصاتين وحصاة واحدة معًا يصنعان ثلاث حصوات، وأنّ حصانين وحصان واحد معًا يصنعان ثلاثة أحصنة وهكذا، وهكذا أيضًا قوانين حسابية أخرى.
بالطبع كما هو الحال مع اكتشافنا للقوانين الفيزيائية فإنّ القوانين التي نتعلمها أولاً كما هو الحال مع علم العدد يزداد تعقيدًا، ويتم تصنيفها على أنّها أمثلة لقوانين أكثر جوهرية، ويمكن في النهاية إثبات أنّها تتبع من مسلمات الرياضيات.
ويتم الاستدلال على الافتراضات الهندسية أيضًا من المقدمات التي لها محتوى حقيقي، ومثل هذه المقدمات على سبيل المثال يمكننا رسم خط مستقيم يربط بين أي نقطتين منفردتين، وليست مجرد افتراضات لفظية، وفي الواقع يدعي ميل أنّ مثل هذه المقدمات ليست صحيحة تمامًا بالنسبة للفضاء الحقيقي الذي نواجهه في التجربة فلا توجد نقاط مفردة تمامًا ولا خطوط مستقيمة تمامًا في الطبيعة، وهذه بالأحرى تمثيلية لذلك الفضاء ولكنها عمليات مثالية تستند إلى مبادئ لا يمكن معرفتها إلّا من خلال التعميم الاستقرائي لملاحظاتنا، وينطبق الشيء نفسه على نتائج التفكير الهندسي.
وصف ميل للرياضيات موجز ويثير العديد من القضايا، ومن بين الأسئلة الأكثر إلحاحًا تتعلق بحالة الأشياء التي يتحدث عنها علماء الرياضيات، ويستطيع الأفلاطوني أن يميز ادعاءات الرياضيات على أنّها ادعاءات حول أشياء مجردة، ولكن بصفتك عالمًا طبيعيًا لا يوجد خيار من هذا القبيل مفتوح لميل، حيث يجب أن تكون جميع الأرقام أرقامًا لشيء ما، ولا توجد أشياء مثل الأرقام في الملخص.
وبالمثل لا توجد كائنات حقيقية تتوافق مع تعريفات الهندسة، وبدلاً من ذلك يدعي ميل أنّ الأرقام هي خصائص المجاميع وبالتالي تشير إلى تراكمات مع تلك الخصائص وتتخذ الأشياء الهندسية لتكون حالات محدودة لأجسام العالم الحقيقي، ومع ذلك هناك حاجة لقول المزيد حول مراجع الكيانات التي تم الاستدلال عليها في المناطق العليا من الرياضيات – مجموعات الترتيب الأعلى والأرقام التخيلية والمحولات – وكذلك كيفية تفسير (الحالات المحدودة) بشكل طبيعي.
ربما يمكن للمرء أن يأخذ الأشياء الرياضية على أنّها تخيلات، ولكن تحديد كيف يمكن أن تخضع هذه التخيلات لمعايير مقيدة للحقيقة والخطأ يظل صعبًا.
يرى ميل أنّه حتى الرياضيات مبنية على الاستدلال الاستقرائي ربما تكون الأكثر إثارة للاهتمام لأنها توضح الطبيعة الراديكالية والشاملة لتجربته التجريبية، وفي الواقع رأى ميل هذا الجانب من عمله بهذه الطريقة بالضبط، ومحاربة المدرسة البدائية والحدسية من خلال إخراجها من معقلها، وإنّ إنكار ميل للحالة المسبقة للقضايا الرياضية بالطبع يتحدى الفكرة الشائعة القائلة بأنّ مثل هذه الافتراضات عندما تكون صحيحة بالضرورة.
في الواقع فإنّ رفض إمكانية المعرفة المسبقة على هذا النحو يتحدى فكرة وجود أي حقائق ضرورية، وميل لا يخجل من هذا المعنى، ويمكن أن تكون الحقائق أفضل أو أسوأ – مركزية أو هامشية في فهمنا للعالم – وبالتالي يمكننا أن نكون أكثر أو أقل استعدادًا للتخلي عنها، ولكن ميل يظهر القليل من الاهتمام بالفروق النمطية المبدئية أو المطلقة بين الحقائق الضرورية والطارئة، وبدلاً من ذلك يقول ميل تبدو بعض الافتراضات ضرورية لنا بسبب عمليات الارتباط النفسي التي تجعلها متأصلة لدرجة أن إنكارها يبدو لنا غير قابل للتصور.