قصة الصندوق الطائر

اقرأ في هذا المقال


الكثير من الأبناء لا يستمعون جيداً إلى نصائح والديهم، ولكنّهم عندما يكبرون يكتشفون أن كل هذه النصائح كانت صادقة ونابعة من خبرة الأهل، سنحكي في قصة اليوم عن تاجر كان لديه ابن صغير، كان هذا الابن يسعى فقط لإرضاء الناس؛ فنصحه والده بعدم الاهتمام لذلك لأنّه سيخسر الكثير، ولكن هذا الولد لم يستمع لنصيحة والده، ممّا أدّى إلى خسارته أشياءً كثيرة.

قصة الصندوق الطائر:

كان هنالك تاجراً ذكياً وفاحش الثراء، من شدّة ثرائه كان يستطيع فعل أي شيء؛ حتّى لو كان يريد طلاء الشوارع بالذهب والفضّة، فقد كان تاجراً يعرف كيف يدخّر أمواله وينفقها، كان لدى هذا التاجر ابن صغير ولكنّه كان ليس كوالده، بل كان يتصف بالكسل والخمول، وفي إحدى المرّات كان هذا الابن يجلس مع والده على مائدة الإفطار فقال لوالده: يا أبي لقد قمت بشراء قارب لأحد أصدقائي، تفاجأ الأب بكلام ابنه وقال له: ومن هذا الصديق حتى تشتري له هدية كهذه؟ فرد عليه: إنّه صديق مخلص وأنا أريد أن أقيم حفلاً لأصدقائي؛ فهم يروني أنه أنا الأفضل دائماً.

نظر الأب لابنه في استغراب وقال: لماذا تهتم لآراء الآخرين هكذا يا بني؟ يجب عليك أن تبحث عن سعادتك فقط ولا تهتم لسعادة غيرك، فقال له ابنه: ولكن يا أبي أنا أبحث عن سعادة الآخرين؛ فهم عندما يكونوا سعداء فسوف يحبونّني، وأنا سأكون سعيداً بهذه المحبة، تعجّب الأب من كلام ابنه وقال: يا بني أنت لا زلت صغيراً ولن تفهم شيء، ولكن أنا أريد أن أطلب منك شيئاً.

قال له ابنه: وماذا تريد مني يا أبي؟ رد عليه: أنت سوف ترث منّي كل أموالي بعدما ما أموت، وأنا سوف أعطيك كل ما أملك بعد وفاتي، وأنا لدي صندوق قديم أحتفظ به أريد منك أن تعدني بأن تعتني بهذا الصندوق وأن لا تفرّط به أبداً بعد وفاتي.

شعر الابن أنّه لم يفهم كثيراً ما قاله له والده، وبعد مرور السنين كبر هذا الولد وأصبح شابّاً كبيراً، كبر والده وشعر بالمرض والتعب حتّى جاء يوم من الأيام وتعب كثيراً ومات، حزن الابن لفقدان والده كثيراً وشعر بالوحدة بعد وفاته.

عاش هذا الشاب حياة تختلف عن حياة أبيه؛ فأصبح يعيش في الثراء الفاحش، وينفق الأموال بكثرة، كان يقيم الكثير من الاحتفالات بشكل يومي، ويحب اقتناء التحف باهظة الثمن، كان أصدقاؤه سعداء بذلك، فهو كان يحقّق لهم ما يريد، كان لهذا الشاب هواية لا أحد يعلمها إلّا أصدقائه وهي أنّه كان قصاص ماهر.

وبعد كل هذا البذخ نفذت كل الأموال، ولم يعد هذا الشاب يعيش الثراء الفاحش؛ فهو أنفق كل ما يملك بإقامة الاحتفالات وشراء التحف؛ فبدأ يبيع التحف التي يملكها حتّى يستطيع أن يعيش بشكل جيّد، وفي يوم من الأيام نفذت هذه التحف ولم يتبقّى منها شيء، وأصبح لا يملك إلّا عباءة وحذاء والصندوق الذي وصّاه والده أن يحتفظ به جيّداً.

وفي يوم من الأيام قرّر هذا الشاب أن يقوم بفتح الصندوق ليكتشف ما به، وعندما فتحه وجد به مفتاح وقال في نفسه: لا بد أن هذا المفتاح سيفتح الصندوق من الداخل، وعندما فتحه تفاجأ بأنّه قد أصبح لديه جناحين وطار، حلّق الشاب في هذا الصندوق فوق البحار والجبال والأنهار؛ فقد كان هذا الصندوق مسحوراً، ظل يطير حتى نزل في بلاد الأتراك، وعندما نزل الصندوق قام بإخفائه وراء الأشجار وبدأ يتجوّل بالمدينة، رأى قصراً كبيراً فقام بسؤال أحد البائعين فأخبره أنه قصر السلطان والسلطانة وتسكن معهم الأميرة.

قرّر الشاب أن يطير لقصر الأميرة، وعندما نظر لها أعجبته فظّل واقفاً على صندوقه بجانب شباك غرفتها، وعندما رأته غضبت وقالت له: من أنت؟ وكيف أتيت إلى هنا؟ أخبرها أنّه يمتلك صندوقاً مسحوراً وهو من أحضره، فلم تصدّق كلامه وأخبرته أن هذا الكلام هو مجرّد خرافات.

بدأ الشاب بإخبارها بما حدث معه في رحلته داخل هذا الصندوق، وكان ماهراً في القص؛ فبدأت الأميرة تستمتع بكلامه وتطلب منه أن يخبرها حكاية في كل يوم، وطلب منها الزواج، فأخبرته أنّها لم لا زالت تريد التعرّف عليه أكثر؛ فهي لا تعرفه من مدّة.

اقترحت عليه أن يقص القصص لوالديها؛ فهم مغرمون بها، وقالت له: إن استطعت أن تخبرهم بقصة مثالية فسوف أقنعهما بالموافقة على الزواج، عاد الشاب إلى الغابة وبدأ يفكّر في تأليف قصته التي سيبهر بها السلطان والسلطانة، وعاش أياماً بسعادة لدرجة أنّه لم يأكل ويشرب؛ فقد كان يفكّر فقط كيف سيتزوج هذه الأميرة.

وفي يوم من الأيام جاء موعد مقابلته للسلطان والسلطانة وكان شديد الحماس، عندما سمعوا القصة أعجبتهم كثيراً ووافقا على زواجه من ابنتهم الأميرة، أقام السلطان والسلطانة احتفالاً كبيراً، ومن شدّة فرحة هذا الشاب ملأ الصندوق بالألعاب النارية حتّى احترق، وكان لا يزال يفهم حكمة والده في اهتمامه لسعادة الآخرين؛ فهو كان يسعى بذلك لإسعاد الغير.

احترق الصندوق ولم يعد باستطاعة هذا الشاب مقابلة الأميرة؛ لأنّه لم يطبّق نصيحة والده، وأمضى حياته في رواية القصص والحكايات للناس.


شارك المقالة: