الكثير من الأشخاص يمتلكون قوة كبيرة، ولكن ليس جميعهم يعرفون كيف وأين ومتى يستخدمونها، سنحكي في قصة اليوم عن شاب كان يلقّب بالمارد لشدّة قوته وبطشه، قام بدفن ابنته وهي حية، ولكن عندما كبر في السن وأصبح هزيلاً كانت هذه البنت لا تزال حية، وقامت بإنقاذه في أحد المواقف؛ فشعر بالندم لما فعل بها.
قصة المارد الشاب:
في إحدى البلاد كان هنالك شاب لديه بعض الصفات المميزّة، مثل طوله وعرضه البالغين، العضلات المفتولة، كان قوي البنية بشكل كبير، وفي نظراته حدّة ترعب من يراه، ونبرة صوته تدب الذعر في السامعين، من أهم صفاته الجرأة والشجاعة والحب الكبير للمغامرة.
كان هذا الشاب في صغره يتعارك مع أقرانه، ويستطيع التغلّب عليهم جميعاً، وحتّى عندما كبر كان يتحدّى أي شخص ولا أحد يستطيع التغلّب عليه؛ فهو قوي البنية ومفتول العضلات، لقبّه الجميع بالمارد أو الزعيم أو البطل.
هذا الشاب كلمّا كبر زادت قوته وكبر بطشه بالناس؛ حيث استطاع أن يصبح ماهراً في رمي السهام والمبارزة بالسيف أيضاً، كل من يراه يفسح له الطريق دون تردّد؛ فهو قاسي لا يرحم وفظّاً غليظاً.
كان هذا الشاب يبحث كل يوم عن فارس يقاتله؛ فهي من أشد الهوايات التي يحب ممارستها، وكان يستطيع التغلّب على أمهر الفرسان وأشجعهم في كل مرّة، وعندما كان لا يجد فارس لمقاتلته يذهب إلى الأماكن الخالية ويقوم بمهاجمة الوحوش الضارية في الوديان والهضاب واصطيادها، فيصيبها برمحه الذي لا يخطئ أبداً، أو يقتلها بسيفه الحاد البتّار.
كان هذا الشاب المارد يرعى الإبل الذي يملكه والديه، وهي كانت مهنة أغلب سكان المنطقة، وفي مرّة خرج بالإبل بحثاً عن منطقة غنية بالأعشاب والأوراق الخضراء، وصل إلى منطقة كان يبدو عليها أنّها مليئة بالشجر والعشب الأخضر، ولكن كان أمامه بعض الرعاة يرعون الإبل، عندما سمعوا صوت هذا الشاب المارد كما لقبّه الكثيرون شعروا بالخوف والذعر، فأسرعوا هم وإبلهم بمغادرة المكان.
على الرغم من أن إبلهم كانت تنعم بالماء الوفير والخضرة النادرة؛ إلّا أنّهم ساقوا إبلهم هرباً من ذلك المارد الجبّار الذي لا يرحم، وكأنّ عقرب سام قادم إليهم، دخل المارد المكان وبدأت إبله تسرح بالمكان كما تشاء؛ فلا أحد يتنافس معها بأكل العشب أو شرب الماء، فتشعر بالسعادة وتأكل وتشرب حتّى تشبع.
كبر الشاب المارد وأراد أن يتزوّج وينجب كباقي أقرانه، أحب امرأة وتزوجها ولكن كان في زمنه عاده كره الإناث، فكانت نسائهم عندما تلد ويعلم أحدهم بأنّها أنثى يشعر بالحزن الشديد وكأن فضيحة أو عاراً قد دخل عليه؛ فعندما وضعت زوجته ابنة، اشتاط من الغضب وشعر بالضيق الشديد.
فكان كلمّا مرّ من مكان عايره الأشخاص بابنته، ولم يكن يعرف هو ماذا سيفعل بهذا الشأن، حتّى جاء أحد الأيام وكان هذا الشاب المارد يجلس في مكان ما، وسمع أحد الأشخاص يتمتم ببعض الكلمات، وكان يسخر منه بسبب ابنته في ذلك الوقت شعر بأن لون وجهه قد تغيّر من شدّة الغضب، كيف له أن يسخر منه شخص وهو أمضى عمره في هزيمة الفرسان والوحوش.
عاد هذا الشاب المارد إلى منزله وكأنه إعصار قادم من مكان بعيد من شدة اشتياطه من الغضب، وعندما وصل منزله كانت زوجته تجلس وتضع البنت الصغيرة في أحضانها، قام هذا الشاب بنزعها بقوّة وأخذها وخرج، كان يريد الاتجاه إلى الصحراء، وعندما وصل بدأ بحفر حفرة كبيرة، ومن دون رحمة أو شفقة وضع طفلته الصغيرة بها؛ وكان مستغلّاً بذلك قوة جسده.
كانت هي تنظر لأبيها وكأنّها ملاك بريء، ولم يكترث هذا المارد الشاب لذلك وقام بردم الرمال فوقها وهي ما زالت حية، وعندما عاد وجد زوجته تجلس وهي تبكي بشدّة على ابنتها، لم يكترث لذلك وقال لها: إن وضعتي لي بنتاً فسأقوم بدفنها مرةً أخرى، فأنا لم أعتاد بحياتي أن يسخر مني أحد، أنا المارد الجبار.
كان هنالك جارية تسير في الصحراء سمعت فجأة صوت بكاء تلك الطفلة الصغيرة، وعندما اقتربت علمت أن أحداً ما قام بدفن ابنته، بدأت بإزاحة الرمال فوجدت طفلة بريئة لا تزال حية أخذتها وعزمت على إنقاذها.
كبرت هذه البنت وأصبحت شابة جميلة، وكانت لا تعلم من هم والديها الحقيقين، وفي يوم من الأيام كانت هذه الفتاة تسير بالسوق سمعت صوت شخص يأن، عندما اقتربت وجدت رجلاً كبيراً بالسن يقع على الأرض، فأسرعت وأمسكت بيده لتساعده على النهوض.
كانت هذه العادة السيئة قد اختفت في ذلك الوقت، حيث الإناث تعيش كالذكور، شكر الرجل هذه الفتاة ودعاها لطعام الغذاء تعبيراً لها عن شكره وامتنانه، عندما ذهبت جلست مع والدتها التي لا تعرفها، وبدأت تخبرها بقصتها فعلمت والدتها أن هذه هي ابنتها التي قام والدها بدفنها حية، وتذكّر كيف استخدم قوته في إيذائها وهي ضعيفة، بينما هي استخدمت قوتها لصالحه ولإنقاذه عندما أصبح ضعيفاً.
عندما علم هذا الرجل بذلك شعر بالندم الشديد لأنّه استخدم بطشه بإيذاء أقرب الناس له، وحمد الله أن ابنته لا تزال حية؛ فهو لم يرزق بأي مولود بعدها.