يُعتبر المؤلف والأديب باتريك لافكاديو هيرن وهو من مواليد دولة اليونان لكن أصوله كانت تعود إلى دولة اليابان، وهذا ما جعله يهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ويتوجه من هناك للعيش في دولة اليابان والاستقرار فيها حتى وفاته، وهذا ما جعل الكثير من الكُتاب والمؤرخين يطلقون عليه اسم الكاتب الياباني، وقد اشتهر في العديد من المؤلفات ومن ضمنها قصة الشعر الأسود.
نبذة عن القصة
تناولت القصة الحديث عن موضوع الأشباح الذي قد ظهرت في الزمن القديم في دولة اليابان، وقد ذلك الشبح لامرأة، وقد تم اقتباس القصة من مجموعة قصص يابانية قديمة تُعرف باسم المصالحة، وتتحدث تلك القصة عن أحد الرجال الذين ترك زوجته من أجل امرأة أصغر في العمر.
قصة الشعر الأسود
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول أحد الرجال الذي يعود أصله إلى دولة اليابان، وقد كان في مرحلة من مراحل حياته تعب وأرهق من زوجته، فحينما تزوج بها كانت أجمل فتاة في المنطقة بأكملها، وقد كانت في نظره من أجمل النساء التي شاهدها في حياته، فقد كانت تتميز بشعر أسود طويل متدلي على طول ظهرها، وتمتلك عيون ذات لون بني جميل وجلدها ناعم كنعومة جلد الأطفال، ومع كل تلك الميزات ومع مرور السنين، بدأت كل تلك الميزات تتضاءل، فقد كانت قد بدأت الدهون تنمو وتبرز في وجهها، وأصبحت التجاعيد كثيرة في وجهها، وقد بدأ يشعر زوجها في ذلك المرحلة من العمر أنه لم يعد ينجذب إليها كما كان في السابق، ومن هنا عزم على تركها والبحث عن أخرى.
وفي تلك الفترة أخبر الزوج زوجته أنه يرغب في الطلاق، ثم بعد ذلك سرعان ما عزم على مغادرة المنزل واستئجار بيت آخر في المدينة، ومنذ تلك اللحظة بدأت تغيرات في حياة زوجها، إذ أخذ يتردد على المقاهي من أجل البحث عن الرومانسية التي فقدها من وجهة نظره، ولكن تلك الحال تستمر طويلاً، إذ سرعان ما التقى بفتاة شابة ما زالت في مقتبل العمر، تتميز بالجمال الفائق والباهر، وقد كانت تبلغ من العمر الثمانية عشر عاماً فقط، فقد كانت تتميز بطولة القامة والرشاقة وذات شعر طويل لونه ذهبي، وهنا سرعان ما وقع في حبها، ولم تمضِ أسابيع قليلة حتى طلب الزواج منها.
وافقت الفتاة على طلبه، وبعد إقامة حفلة الخطوبة انتقلت للعيش معه، وبينما كان ما لبث الخاتم في إصبعها حتى بدأ يحدث تغير كبير في سلوك الفتاة وتصرفاتها، فقد كانت في أول التعارف بينهم جميلة ولطيفة ومهذبة وناعمة، ولكن بعد الخطوبة بأيام قليلة كانت تتحدث بصورة فظة ويشكل شره، وبالرغم من كل ذلك التغيير الواضح أكمل الزوج إجراءات الزواج.
كانت الفتاة تمضي ساعات طويلة أمام المرآة؛ فقد كانت مغرمة بالمكياج والموضة والأزياء، فتطبق على نفسها أحدث صيحات الماكياج، وقد كانت كثيرة الإلحاح في طلب المال، فقد جعلت زوجها يذرف كل أمواله على مكياجها وعلى شراء ملابسها الجديدة المعاصرة للموضة والأزياء والمجوهرات الحديثة النفيسة والثمينة والأدوات الجديدة والسيارة الحديثة.
وفي يوم من الأيام رجع الزوج إلى المنزل وبدأ يلقى نظرة فاحصة على زوجته الجديدة، فقد كانت في تلك اللحظة لم تضع على وجهها أي نوع من أنواع كريمات الماكياج، ولا حتى مجرد كحل أو مسكارا أو ظلال العيون، فاندهش من منظرها، وأشار إلى أنها قبيحة المنظر وتمنى لو أنه لم يتزوج بها على الاطلاق، ومع مرور السنوات، بدأ الرجل يشتاق إلى زوجته القديمة، فقد كانت الزوجة القديمة ذات وزن زائد ولونها بدأ يشحب، لكنها كانت امرأة تهتم بزوجها وترعاه وتقدم له كافة احتياجاته، وفي تلك اللحظة ذرف الدموع حينما أخذ بتذكر صوتها الرقيق والناعم وابتسامتها اللطيفة وصبرها طوال فترة الحياة معه، وهنا عبر أنه يتأسف لليوم الذي فكر في تركها والزواج بأخرى.
ومع مرور الأيام بدأ يدرك أنه لا يزال يكن الحب لزوجته الأولى، فقد كان يحن لها أكثر من أي وقت مضى، مع الفتاة الجديدة بدأ يعرف قيمة زوجته القديمة، فقد كانت تلك هي المرأة الوحيدة التي أحبته بكل صدق، ومن كثر التفكير بها بدأت تراوده في أحلامه، إذ كان يشاهد في منامه أنها تجلس وحدها في غرفتها، وشعرها الأسود الطويل يغطي كامل وجهها.
وفي إحدى الليالي فكر في أنه قد تحمل بما فيه من الفتاة وقرر أنه لا يمكن أن يستمر معها بعد الآن، وعزم على ترك زوجته الجديدة ومغادرة المدينة بأكملها، فسافر رحلة طويلة إلى البيت الذي تعيش فيه زوجته القديمة، وحينما وصل إلى الشارع الذي يوجد فيه المنزل كان الوقت متأخر من الليل، إذ بدا يبدو له أنّ المنزل مهجور، وكانت الأعشاب والأزهار في الحديقة ازدادت طولاً، وأن نوافذ المنزل قد تصدعت حد الكسر.
كما بدا له أنّ جدران المنزل تبدو وكأنها لم يتم تجديدها منذ عدة سنوات، وهنا قرر أن يطرق على الباب، ولكن لم يكن هناك أحد يجيب عليه، ثم بعد ذلك حاول فتح مقبض الباب ففتح، وأخذ يسير داخل المنزل، وإذ وجد الغرف فارغة والبيت صامت، كما كان الهواء يهب من خلال النوافذ المكسورة ولم يجد أحد في الطابق السفلي.
ثم بعد ذلك توجه صوب الطابق العلوي، وفتح باب غرفة النوم الخاصة بزوجته، وهنا أذهل برؤية زوجته التي كانت ترقد على السرير هرع لها وعانقها بين ذراعيه وأخذ بالبكاء على كتفها، وقال لها: أنه نادم أشد الندم على تركها وغيابه عنها على مر كل تلك السنين، وتوسل إليها من أجل أن تغفر له وتسامحه.
وفي تلك اللحظة كان وجهها مغطى بالكامل بشعرها الأسود الطويل، لكنه سمع صوتها الناعم يهمس في أذنه وقالت له: أنا سعيدة لأنك رجعت لي حتى ولو للحظة واحدة فقط، فرد عليها بسؤال وهو يضحك: فقط للحظة؟ ثم أكمل حديثه: أنا رجعت إليك إلى الأبد، والآن يمكننا أن نقضي بقية حياتنا سوياً.
وهنا أخذ بإزاحة شعرها عن وجهها، عندها فتح عينيه بكامل وسعهما وصرخ في رعب، فقد أصابه الذعر من المنظر، إذ رأى أن وجهها مجرد جمجمة، كما أدرك أنه كان ما يضمه بين ذراعيه ليس هو إلا مجرد كيس أسود مليء بالغبار وعظام قديمة وشعر أسود طويل.
أصيب الرجل بالذعر والخوف وسرعان ما سار بعيداً، وبدأ يرتعش كالمجنون، فركض إلى خارج المنزل في الشارع، والتقى بأحد الجيران، وطلب منه معرفة من كان يعيش في البيت القديم، وماذا حدث له بعد مغادرته، فرد الجار عليه بقوله: لا يوجد أحد يقطن في هذا البيت الآن، فقبل عدة سنوات كانت تقطن فيه امرأة تركها زوجها من أجل الزواج من امرأة أخرى أصغر سناً، وبعد ذلك بقليل تلقت صدمة حتى وصل بها الأمر أن قتلت نفسها.