قصة قصيدة أتاني مع الركبان ظن ظننته
هنالك شعراء أثبتوا على مر العصور بأنه لا يوجد لهم مثيل في الشعر، ومنهم شاعرنا أبو تمام الذي يعتبر واحدًا من عظماء الشعراء على مر التاريخ.
أما عن مناسبة قصيدة “أتاني مع الركبان ظن ظننته” فيروى بأن محمد بن يزيد النحوي خرج في يوم من الأيام من بيته، وتوجه إلى بيت رجل من أصدقائه يقال له عبد الله بن المعتز، وعندما وصل إلى بيته وطرق عليه بابه، خرج إليه عبد الله بن المعتز، ورحب به، وأدخله إلى مجلسه، وكان هنده جماعة من أهل الشعر، وكان منهم رجلًا من الكتاب لا يوجد أكثر منه حفظًا لشعر أبي تمام، وأتى ذكر أبا تمام في ذلك المجلس، ولكن محمد بن يزيد استنقص منه، ولم يوفه حقه، فقال له الحافظ لشعر أبي تمام: يا أبا العباس، ضع في بالك ما شئت من الشعراء، ومن ثم انظر هل قال ذلك الشاعر أحسن من قول أبي التمام حينما اعتذر من أبي المغيث موسى بن إبراهيم، فأنشده قائلًا:
أَتاني مَعَ الرُكبانِ ظَنٌّ ظَنَنتَهُ
لَفَفتُ لَهُ رَأسي حَياءً مِنَ المَجدِ
لَقَد نَكَبَ الغَدرُالوَفاءَ بِساحَتي
إِذاً وَسَرَحتُ الذَمَّ في مَسرَحِ الحَمدِ
وَهَتَّكتُ بِالقَولِ الخَنا حُرمَةَ العُلى
وَأَسلَكتُ حُرَّ الشِعرِ في مَسلَكِ العَبدِ
نَسيتُ إِذاً كَم مِن يَدٍ لَكَ شاكَلَت
يَدَ القُربِ أَعدَت مُستَهاماً عَلى البُعدِ
وَمِن زَمَنٍ أَلبَستَنيهِ كَأَنَّهُ
إِذا ذُكِرَت أَيّامُهُ زَمَنُ الوَردِ
وَأَنَّكَ أَحكَمتَ الَّذي بَينَ فِكرَتي
وَبَينَ القَوافي مِن ذِمامٍ وَمِن عَقدِ
وَأَصَّلتَ شِعري فَاِعتَلى رَونَقَ الضُحى
وَلَولاكَ لَم يَظهَر زَماناً مِنَ الغِمدِ
وَكَيفَ وَما أَخلَلتُ بَعدَكَ بِالحِجا
وَأَنتَ فَلَم تُخلِل بِمَكرُمَةٍ بَعدي
أَأُلبِسُ هُجرَ القَولِ مَن لَو هَجَوتُهُ
إِذاً لَهَجاني عَنهُ مَعروفُهُ عِندي
كَريمٌ مَتى أَمدَحهُ أَمدَحهُ وَالوَرى
مَعي وَمَتى ما لُمتُهُ لُمتُهُ وَحدي
يمدح أبو تمام في هذا البيت أبا المغيث موسى بن إبراهيم ويقول بأنه كريم، وعندما يقوم بمدحه فإنه يمدحه أمام الناس، وعندما يقوم بلومه فإنه يلومه وهو لوحده.
فقال له محمد بن يزيد : والله إني لم أسمع أفضل من هذا الشعر من قبل قط، والله إن حق الشاعر لا يهضم إلا من قبل رجل جاهل بالشعر.
نبذة عن أبي تمام
هو حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، أحد أمراء البيان، ولد في إحدى قرى حوران في سوريا، ومن ثم انتقل إلى مصر، واستقدمه الخليفة المعتصم إلى بغداد فأجازه وقدمه على شعراء زمانه.
الخلاصة من قصة القصيدة: كان محمد بن يزيد يقلل من شأن الشاعر أبو تمام حتى سمع شعرًا من شعره، فاعترف بأنه كان على خطأ، وبأنه لم يقلل منه إلا بسبب جهله بشعره.