قصة قصيدة إذا المرء لم يطلب معاشا لنفسه
أمّا عن مناسبة قصيدة “إذا المرء لم يطلب معاشا لنفسه” فيروى بأنه كان هنالك رجلًا من قريش في المدينة المنورة، وكان هذا الرجل قد أحب فتاة، وكانت هذه الفتاة شديدة الجمال، ووقع في عشقها، فذهب إلى أبيها، وطلبها للزواج، فزوجه منها.
وبعد أن تزوج هذا الرجل من محبوبته، بقي يحبها كما كان قبل أن يتزوج منها، وكانت هي أيضًا تحبه كثيرًا، وكان من شدة حبه لها لا يخرج من البيت، ويلازمها ليل نهار، فكان ذلك يحول بينه وبين طلب الرزق، فلم يعد يعمل، ولم يكن له دخل يقتات منه هو وإياها، وبعد أن أفلس، ولم يعد معه أي نقود، بدأ يأخذ النقود من الناس، على أن يدفعها لهم لاحقًا، وكان يتحمل كل ذلك بسبب شدة حبه لها، وعندما ساءت حالته، وازداد ما عليه من دين للناس، أخذ ينشد قائلًا:
إذا المرء لم يطلب معاشاً لنفسه
شكى الفقر أو لام الصّديق فأكثرا
وصار على الأدنين كلاًّ وأوشكت
قلوب ذوي القربى له أن تنكّرا
فسر في بلاد الله والتمس الغنى
تعش ذا يسارٍ أو تموت فتعذرا
ولا ترض من عيشٍ بدونٍ ولا تنم
وكيف ينام الليل من كان معسرا
وما طالب الحاجات من حيث يبتغي
من النّاس إلاّ من أجدّ وشمّرا
فسمعت زوجته ما أنشد من شعر، وفي اليوم التالي جلست معه، وقالت له: والله إني أحبك، ولا أطيق خروجك من البيت، ولكن عليك أن تخرج لكي تطلب الرزق، فقال لها: والله، إني لم أع أصبر على ما نحن فيه من ضيقة عيش، فجهزيني، فجهزته زوجته، ومن ثم خرج من بيته، وتوجه إلى قصر الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، واستأذن للدخول إلى مجلسه، فأذن له، فدخل عليه، وسلم عليه، وأخبره بحاله، وأنشده ما قال من شعر، فرق له معاوية، وأمر له بألف دينار، وقال له: إن حالك قد دلني على محبتك لزوجتك، وكرهك لفراقها، فخذ هذه الدنانير، وعد إلى بيتك، فأخذ الرجل الدنانير، وتوجه عائدًا إلى بيته.
حالة الشاعر
كانت حالة الشاعر عندما أنشد هذه القصيدة التحمس للخروج في طلب الرزق.