قصة قصيدة رأيتك يا خير البرية كلها
أمّا عن مناسبة قصيدة “رأيتك يا خير البرية كلها” فيروى بأن عدي بن أرطأة دخل على الخليفة عمر بن عبد العزيز بعد أن أصبح خليفة، وقال له: يا أمير المؤمنين إن الشعراء واقفون على باب مجلسك، وإن سهامهم مسمومة، وما يقولون من شعر نافذ، فقال له الخليفة: ويحك، مالي ومالهم، فقال له عدي: يا أمير المؤمنين، إن رسول الله صل الله عليه وسلم كان يسمع الشعر من الشعراء ويكافئهم عليه، وكان ابن مرداس قد أنشده في يوم من الأيام شعرًا، فأعطاه حلة، فقال له الخليفة: وهل تحفظ منه شيئًا؟، فقال له: نعم يا مولاي، فقال له: أنشدني إياه، فأخذ عدي ينشد قائلًا:
رَأَيتُكَ يا خَيرَ البَرِيَّةِ كُلِّها
نَشَرتَ كِتاباً جاءَ بِالحَقِّ مُعلِما
وَنَوَّرتَ بِالبُرهانِ أَمراً مُدَمَّساً
وَأَطفَأتَ بِالبُرهانِ ناراً مُضَرَّما
فَمَن مُبلِغٌ عَنّي النَبيَّ مُحَمَّداً
وَكُلُّ اِمريءٍ يُجزى بِما قَد تَكَلَّما
تَعالى عُلُوّاً فَوقَ عَرشِ إِلَهِنا
وَكانَ مَكانُ اللَهِ أَعلى وَأَعظَما
فقال له الخليفة: ومن بالباب منهم؟، فقال له: عمر بن أبي ربيعة، فقال له الخليفة: أوليس هو من قال:
ثُمَّ نَبَّهتُها فَمَدَّت كَعاباً
طَفلَةً ما تُبينُ رَجعَ الكَلامِ
ساعَةً ثُمَّ إِنَّها لِيَ قالَت
وَيلَتا قَد عَجِلتَ يا اِبنَ الكِرامِ
فقال له عدي: نعم، إنه هو، فقال له: والله لا يدخل إلى مجلسي أبدًا، فمن غيره على الباب؟، فقال له عدي: الفرزدق، فقال الخليفة: أوليس هو من قال:
هُما دَلَّتاني مِن ثَمانينَ قامَةً
كَما اِنقَضَّ بازٍ أَقتَمُ الريشِ كاسِرُه
فَأَصبَحتُ في القَومِ الجُلوسِ وَأَصبَحَت
مُغَلَّقَةً دوني عَلَيها دَساكِرُه
فقال له: نعم، إنه هو، فقال الخليفة: إنه كاذب، ولن يدوس على بساطي، فمن سواه على الباب؟، فقال له: الأخطل، فقال له الخليفة: أوليس هو من يقول:
لَستُ بِصائِمٍ رَمَضانَ طَوعاً
وَلَستُ بِآكِلٍ لَحمَ الأَضاحي
وَلَستُ بِزاجِرٍ عَنساً بِكورٍ
إِلى بَطحاءِ مَكَّةَ لِلنَجاحِ
وَلَستُ بِقائِمٍ كَالعيرِ يَدعو
لَدى الإِصباحِ حَيَّ عَلى الفَلاحِ
وَلَكِنّي سَأَشرَبُها شَمولاً
وَأَسجُدُ عِندَ مُنبَلَجِ الصَباحِ
فقال له عدي: نعم، إنه هو، فقال الخليفة: إنه كافر، ولن يدخل علي أبدًا.
نبذة عن عباس بن مرداس
العبّاس بن مرداس السلمي صحابي وشاعر من المخضرمين ممن اشتهروا في بداية عهد الإسلام وقبله وكان من سادات قومه بني سليم.