يُعتبر الكاتب والأديب ياسوناري كاواباتا وهو من مواليد دولة اليابان من أبرز الكُتاب الذين تم ترجمة الغالبية العظمى من أعمالهم الأدبية إلى معظم اللغات العالمية ومن ضمنها اللغة العربية، حيث كانت مؤلفاته من أكثر المؤلفات التي لاقت رواجاً غالياً حول العالم، ومن أبرز القصص التي اشتهر بها هي قصة ماء، وقد حصل على جائزة نوبل في الأدب سنة 1968م كتكريم له على الإبداع في التأليف والكتابة.
قصة ماء
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول إحدى الفتيات التي كانت ما إن وصلت المرأة من وطنها الأصلي وهو دولة اليابان إلى بلد آخر إلا أن تم عقد قرانها على رجل من بلد آخر واضطرت للعيش في تلك المدينة، وبعد مرور بضعة أيام حتى سمعت من مركز الأرصاد الجوية والذ كان يعمل بها زوجها أن هناك من سلسلة جبال هسينج آن الواقعة في مدينة منشوريا قد وصلت صفيحة مليئة بالماء والزيت مخلوطين مع بعضهم البعض وهنا اندهشت المرأة فكيف لها أن تقوم باستخدام تلك المياه المائلة إلى اللون الأصفر، فقد وصفته بأنه ماء قذر وملوث فكيف لها أن تقوم باستخدامه.
كما أنّ الماء كان في ذلك الوقت مختلط بأمور لا يدركها المرء ولا يصل أي من الباحثين إلى معرفته ومعرفة مصادره والسبب في حدوثه، وعند تفكير المرأة أنها سوف تكون مضطرة إلى المضمضة به أو القيام بالطبخ وغسل الأرز به، فإنه يساورها الشعور بالغثيان، وبعد مرور ما يقارب ستة أشهر، انقلب جميع ألوان الملابس والثياب إلى اللون الأصفر.
ولم يقف الأمر عند ذلك فقط، إذ ما زاد الأمور سوءً وفوق كل ما كان يحدث بسبب تلك المياه الملوثة، فإنه في شهر ديسمبر تجمد بئر الماء كله حتى القاع، وفي أحد الأيام قامت المرأة بتوصية الحمالين الذين كانوا يعملون في تلك المدينة بجلب كتلة من الثلوج من أحد الأماكن، وبقيت تستخدمها بين الحين والأخر باقتصاد شديد، وللأغراض الضرورية الخاصة جداً، وذلك من أجل أخذ حمام أو غسيل لشعرها، إذ لم يكن ممكن هناك في هذا المكان الإسراف على الاطلاق.
وفي أحد الأيام وبينما كانت المرأة جالسة على الأريكة في منزلها أخذت تستذكر الأيام التي كانت تعيشها في السابق، وأي نعمة كانت تحظى بها، فقد كانت تريد في تلك اللحظة أن تدفئ عظامها التي كانت تؤلمها بشدة جراء تعبها من المعاناة التي تعيشها في تلك الفترة، إذ استعادت في ذلك الوقت ذكرى الحمام في وطنها، إذ كانت ذراعاها وساقاها تبدو جميلة جراء المياه النقية، وهي كانت في ذلك الوقت تمسك بمنشفة بيضاء، وتدلف إلى الماء الدافئ لتغمر جسدها بكامله من قدميها حتى كتفها.
وفي تلك الأثناء جاءت إليها إحدى الجارات وسألتها: إذا كان قد تبقى لديها ماء من كتلة الثلج، وأنها هل يمكنها الحصول على القليل منها؟ وكانت المرأة حاملة زجاجة من الفخار تريد أن تملأها لها المرأة، وقالت: كنت أنظف آنيتي ونسيت واستخدمت كل ما لدي من الماء، وهنا لم يكن تبقى لدى المرأة ماء على الاطلاق، ولكنها قدمت الجارة بعض ما تبقى من الشاي.
وعند مكوث الجارة قليلاً للتحدث إلى المرأة قالت: لا يمكنني أن أنتظر حتى قدوم فصل الربيع حتى يمكنني غسل الملابس المتسخة وغمرها في الماء النظيف، قالت المرأة: وأنا أشاء أيضاً كذلك، كم يكون إحساس جميل لو أن الواحدة منا تستطيع أن تنثر على وجهها بعض الماء النظيفة، فقد كانت تلك الأمنية الوحيدة للمرأة وقالت: لن يحصل ذلك إلا في اليابان، حيث أن هناك الكثير من الماء الصافي، فلم تكون حينها تستطيع الصبر حتى تنتظر جريان الماء بعد ذوبان الثلوج.
وأكملت المرأة قولها، إنه لأمر جميل أن ترى الماء الصافية تتساقط والتربة تمتصه، في ذلك الوقت سوف تكون نبتة الهندباء البرية هي أول شيء يدفع ببراعمه عبر تلك التربة، ثم فجأة جاء القطار المتوجه إلى الحدود الشمالية والذي يخترق الوادي، قد كان قدومه إشارة على أنه حان الوقت لتلقي أنباء عن الأوضاع على جبهة القتال الجنوبية.
وحينما تقدمت المرأة خطوات أمام منزلها، كانت الزهور قد تجمدت بفعل الصقيع، والتي شكلها الضباب على الأغصان الصغيرة لأشجار الرزية، وعندها رفعت عينيها إلى أعلى باتجاه السماء الزرقاء، التي لا يشوب كمال زرقتها نقصان، وبدأ ذهنها يحلق إلى بحار ومحيطات وطنها.