دور الفلسفة السياسية للقديس توما الأكويني

اقرأ في هذا المقال


يمكن الوصول إلى تعريف جيد للفلسفة السياسية فقط بعد تحديد ما هي السياسة وهو سؤال شائك في البداية، ويمكن تعريف السياسة على أنّها مسألة كيفية توزيع كمية نادرة من الموارد بشكل عادل وهي في الأساس الطريقة التي يحصل بها الناس على السلطة والاحتفاظ بها وممارستها، إذن الفلسفة السياسية هي دراسة النظريات الكامنة وراء السياسة، ويمكن استخدام هذه النظريات لاكتساب القوة أو لتبرير وجودها، ومع ذلك فقد تم استخدامها في الغالب لتبرير أو إضفاء الشرعية على وجود الهياكل السياسية المعاصرة من خلال مناشدة “العقلانية” أو “العقل” أو من بين أمور أخرى “القانون الطبيعي”.

من هو القديس توما الأكويني؟

هو القديس توما الأكويني، وقد عاش توماس أكويناس (1225-1274) في منعطف حرج للثقافة الغربية عندما أعاد وصول مجموعة أرسطو بالترجمة اللاتينية فتح مسألة العلاقة بين الإيمان والعقل مما دعا إلى التشكيك في طريقة الحياة التي تم الحصول عليها لقرون، واندلعت هذه الأزمة بمجرد إنشاء الجامعات.

وانتقل توماس بعد دراساته المبكرة في مونتكاسينو إلى جامعة نابولي حيث التقى بأعضاء النظام الدومينيكي الجديد حيث كان في نابولي أيضًا، وأنّ توماس كان أول اتصال موسع له مع التعلم الجديد، وعندما انضم إلى النظام الدومينيكاني ذهب شمالًا للدراسة مع ألبرتوس ماغنوس مؤلف إعادة صياغة لمجموعة أرسطو.

أكمل توماس دراسته في جامعة باريس التي تم تشكيلها من المدارس الرهبانية على الضفة اليسرى ومدرسة الكاتدرائية في نوتردام في فترتين بصفته الوصي على العرش، ودافع توماس عن الأوامر المتسولة والأهم من ذلك أنّه واجه التفسيرات الرشدية لأرسطو والميل الفرنسيسكاني لرفض الفلسفة اليونانية، والنتيجة كانت طريقة حياة جديدة بين الإيمان والفلسفة استمرت حتى ظهور الفيزياء الجديدة.

أكدت الكنيسة الكاثوليكية على مر القرون بشكل منتظم وثابت الأهمية المركزية لعمل توماس اللاهوتي والفلسفي لفهم تعاليمها المتعلقة بالوحي المسيحي وتمثل تعليقاته النصية القريبة على أرسطو مورداً ثقافياً يزداد الاعتراف به الآن.

مفهوم ثوميست (Thomist):

تعرضت تعاليم توماس للهجوم إلى حد كبير من قبل الفرنسيسكان مباشرة بعد وفاته، ورد الدومينيكان كان لهذا تأثير جعل الدومينيكانيين وفرنسيسكان غير ثوميست بونافينتوريان، والاسكتلنديون Ockhamists، وتأسس اليسوعيون بعد الإصلاح وكانوا يميلون إلى أن يكونوا ثوميين غالبًا مع لمسة سواريزية.

عندما أصدر ليو الثالث عشر في عام 1879 الرسالة العامة (Aeterni Patris )التي تدعو إلى إحياء دراسة توماس الأكويني لم يكن يوجه قرائه إلى مدرسة واحدة على عكس المدارس الأخرى، وتم طرح توماس على أنّه قصر الفلسفة بمعناها الحقيقي على أنّه ضد تقلبات الفكر الحديث منذ ديكارت، وكانت الاستجابة لنداء ليو عالمية ومستدامة.

وتم إنشاء المجلات والجمعيات العلمية الجديدة وتم إعادة تشكيل المناهج الدراسية للاستفادة من فكر توماس وهذا ليس فقط في المعاهد والجامعات البابوية ولكن في جميع أنحاء العالم في الكليات والجامعات، ويمكن اعتبار عمالقة مثل جاك ماريتين وإتيان جيلسون رمزًا لأفضل ما في هذا النهضة التوماوية.

الفاتيكان الثاني والمجلس المسكوني الذي اجتمع من 1962 إلى 1965 وضع نهاية لهذه المرحلة من النهضة التوماوية، وكان هناك اعتقاد على نطاق واسع أنّ المجلس قد خلع توماس لصالح فلاسفة معاصرين لم يذكر اسمه، فعندما تم تسميتهم بدأت الخلافات في فترة ما بعد المجمع وتبنى الكاثوليك العديد من الاتجاهات الفلسفية المعاصرة ذات النتائج المختلطة حيث يبدو أنّ السرعة التي تأتي وتذهب هذه الاتجاهات تتسارع دون نتائج دائمة واضحة.

الآن مع رواج فكرة أنّ الحداثة قد فشلت ومشروع التنوير يأتي محصولًا يتحول الكثير من الكاثوليك وغير الكاثوليك على حدٍ سواء إلى توماس باعتباره حافزًا أو إحباطًا لتفكيرهم، وفي عام 1998 أصدر يوحنا بولس الثاني رسالة عامة بعنوان (Fides et Ratio) في إعادة تأكيده على أهمية توماس والذي يمكن اعتباره ميثاق Thomism من الألفية الثالثة.

تفعيل مفهوم توما الأكويني:

من تفكك النظام الاجتماعي في العصور الوسطى ظهرت النظرة الإنسانية ولكن المتشككة لمكيافيلي ثم المبادئ الإنسانية العلمية لديكارت وهوبز وسبينوزا والتي تنبثق منها النظرة النفعية والبراغماتية للعصر الحديث، وسلالة أخرى مؤثرة ومهمة سياسياً من الفلسفة السياسية ظهرت من الإصلاح والإصلاح المضاد في القرنين السادس عشر والسابع عشر.

وخلال هذه الفترة استنكر العقائدون البروتستانت والكاثوليكيون بعضهم البعض بل وهاجموا سلطة الأمراء الذين دعموا جانبًا أو آخر عن قصد واهتمام، وأصبح الاغتيالات السياسية مستوطنة حيث أعلن كل من البروتستانت والكاثوليك أنّه من المشروع قتل حاكم هرطوقي، وتم تقديم نداء لمنافسة السلطة الدينية وكذلك للضمير، وفي الخلاف الناتج دعا هوبز وسبينوزا إلى إقامة دولة ذات سيادة كعلاج.

لكن الفلاسفة السياسيين الآخرين أنقذوا مفهوم Thomist (وهو مفهوم اللاهوت توما الأكويني أو أتباعه) القديم للنظام الكوني الإلهي والقوانين الطبيعية والبشرية التي تجيز الدولة، وكما طرحوا الفكرة الكلاسيكية والعصور الوسطى لاشتقاق السلطة العامة من الكومنولث ككل ومسؤولية الأمراء أمام القانون، وعندما كتب هوبز أنّ هذا قد يصحح أثار غضب هؤلاء النقاد الذين استمروا في التأكيد على أنّ السلطة العامة مسؤولة أمام الله والقوانين وأنّه من الصواب مقاومة طاغية أعلن أنّ القوانين في صدره.

تم تطوير هذه النظرية السياسية بشكل أكثر تأثيرًا في إنجلترا حيث ألهمت الدستورية التي كانت ستهيمن أيضًا في الولايات المتحدة.

ريتشارد هوكر وفلسفته السياسية:

ريتشارد هوكر وهو إله أنجليكاني كتب عن قوانين السياسة الكنسية (1593-1997) وقد حاول التوفيق بين مذاهب ثومست للقانون الطبيعي والمتسامي الملزم لجميع البشر مع سلطة الكنيسة الإليزابيثية في إنجلترا التي دافع عنها ضد النداء البيوريتاني للضمير، وقال إنّ المجتمع هو في حد ذاته تحقيق للقانون الطبيعي والذي يعتبر القانون الإنساني والقانون الوضعي انعكاسات له ويتكيف مع المجتمع، والسلطة العامة ليست شيئًا شخصيًا لأنّها تنبع من المجتمع بموجب القانون.

“السلطة القانونية لسن القوانين لقيادة مجتمعات سياسية كاملة من الرجال تنتمي بشكل صحيح إلى نفس المجتمعات بأكملها بحيث أنّ أي أمير … لممارسة نفس الشيء بنفسه … ليس أفضل من مجرد الاستبداد.”

ريتشارد هوكر.

يمكن أنّ تستمد هذه القوة إما مباشرة من الله أو من الناس، والأمير مسئول أمام الله والمجتمع حيث إنّه ليس قانونًا لنفسه مثل حاكم هوبز، والقانون يجعل الملك وليس الملك شريعة، وفي الواقع أصر هوكر على أنّ “الأمير لديه سلطة مفوضة من برلمان إنجلترا جنبًا إلى جنب مع دعوة رجال الدين الملحقة به … ومن ثم يعتمد جوهر كل الحكومة.” وهذه هي سلطة التاج في البرلمان في دستور متوازن ومن هنا جاءت فكرة حكومة متناغمة بالتراضي، وتم تكييف الانسجام العالمي في القرون الوسطى Thomist مع الدولة القومية.


شارك المقالة: