ما هو التطور التاريخي للنشاط البدني؟

اقرأ في هذا المقال


التطور التاريخي للنشاط البدني:

تاريخ النشاط البدني والنشاط الحركي هو تاريخ الإنسان نفسه، حيث أن تقدم هذا المجال هو تقدم الإنسان بحد ذاته، والتطورات والتغيرات التي حدثت في أغراض وأهداف ممارسة النشاط الحركي على مر التاريخ كانت رهناً بتغير حياة الإنسان، فقد مثَّلت الرياضة والحركة خلال العصور الباكرة في حياة الإنسان وسيلة سعي لكسب الرزق والحصول على الأمن والأمان، ثم كانت وسيلة للحصول على المكانة في مجتمعات لا تعترف إلا بالقوة والبقاء فيها للأقوى.

وبعد ذلك كانت وسيلة للدفاع عن النفس والممتلكات والأهل والأصدقاء، ثم كانت وسيلة للاستمتاع وقضاء الوقت في أنشطة ترويحية، ثم كانت وسيلة لإعداد الجيوش والغزو، ثم كانت حلقة في رغبة الإنسان في الموازنة والتكامل بين البدن والعقل والروح، ثم كانت في وقت من الأوقات رجساً من عمل الشيطان وعناية بالبدن الفاني الذي يجب احتقاره والتغلب على شهواته.

وهكذا كانت الرياضية وكانت أغراض وتاريخ ممارستها عبارة عن مرآة لتطور مفاهيم الإنسان وأغراضه في الحياة، حيث أصبحت الرياضة في الوقت الحالي تمارس في مفاهيم وأغراض جديدة تتناسب مع ما يسود الحياة في الوقت الحاضر من مفاهيم، وما أحرزه الإنسان من تقدم أصبحت معه الرياضة ضرورة من ضرورات الحياة.

فإن تاريخ النشاط البدني والنشاط الحركي ليس هو حكايات مُسلّية بقدر ما هو عبرة وإطلالة على الأدوار التي لعبتها الرياضة في حياة الإنسان سلباً وإيجاباً، وآثار التغيرات الاجتماعية على أهداف ممارسة الرياضة على مر العصور، وكيف يمكن للبشرية تحقيق الاستفادة من التجارب الإنسانية السابقة في دفع وتطوير الحياة المعاصرة، كما توالت الحضارات القديمة واختلفت فيما بينهم في نظرتها للنشاط البدني والرياضة، وذلك حسب المعتقدات الدينية والتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في ذلك الوقت.

أهم الحضارات القديمة التي اهتمت بالنشاط البدني والحركي:

1. الصين: إن الصين القديمة اتبعت سياسة انعزالية، فلم تكن تهتم بالاتصال بباقي دول العالم، بل كانت ترغب في أن تعيش وحدها، حيث أنه في بداية الأمر ساعدت طبيعة الأرض وتضاريسها الصين، وأمدتها بالحماية اللازمة ضد الغزاة، فعندما عجزت جبال الهملايا عن توفير هذا الغرض والهدف قام الصينيون بتشييد (السور العظيم)، حيث أن هذا السور لم يكفي لمنح الحماية، وسبب ذلك قامت بوضع القوانين التي تكفل عدم دخول الغزاة، كما أنه بسبب ذلك قامت بتدريب العديد من الأفراد الصينين على الأنشطة والمهارات حتى يتمكنوا من الدفاع عن بلدهم.

كما كانت الحياة الانعزالية التي عاشتها الصين القديمة ضارة في كثير من النواحي من حيث الإيمان بالتربية البدنية؛ بسبب اطمئنان الصين وعدم خوفها من الاعتداء عليها، كما أن عبادة الأسلاف كانت جزءاً هاماً من حياتهم الدينية وحياتهم الرياضية.

فالنشاط البدني يؤكد أهمية الجسم وحرية الفرد الرياضي في التعبير ممّا يتعارض مع التعاليم التي كانت تسود في تلك الدولة القديمة، كما يوجد الكثير من بعض الأدلة الدالة على ممارسة بعض أنواع النشاط البدني في الصين القديمة، بالرغم من الاهتمام بالامتياز الذهني، ففي كثير من التراث الصيني الكلاسيكي قصص تحكي كيف أن أبناء الأسر الغنية كانوا يمارسوا الموسيقى والرقص والرماية بالنبل.

كما كان هناك بعض ألعاب الشائعة مثل ألعاب المصارعة وألعاب الملاكمة ولعبة كرة القدم ولعبة البولو وشد الحبل والألعاب المائية والكرة الطائرة، ومن الأمور المشوّقة ملاحظة الأفراد الصينيين كانوا يعتقدوا أن الخمول يتسبب في بعض الأمراض، ونتيجة إلى ذلك ظهر في الصين تمرينات كونج فو، وكان ذلك عام (2698 قبل الميلاد)، ولقد ظلت هذه التمرينات تمارس منذ ذلك التاريخ.

2. الهند: إن الهند القديمة تشبه الصين في الكثير من النواحي، حيث كان الناس في هذه البلاد يعيشون عيشة ذات طابع ديني، وكان الشخص الذي يرغب في أن يصبح مقدساً يقوم بتجاهل الحاجات البدنية لجسمه، ويركز على حاجاته الروحية فقط، حيث من الواضح أن النشاط البدني لم يكن يحتل إلا مكانة ضئيلة في مثل هذه الثقافة الدينية.

فإن الأفراد الهنديون كان يمارسون الألعاب لتمضية الوقت، وأهم تلك الألعاب (قذف الكرات، ألعاب الرشاقة، سباق العربات، ركوب الخيل، ركوب الأفيال، المبارزة، السباق، المصارعة، الملاكمة، الرقص)، حيث كان نظام اليوغا عبارة عن نشاط فريد ومميز من نوعه يختص به الأفراد الهنود ويشتمل على تمرينات حركية للقوام والتنفس المنظم، كما كان شائعاً بشكل كبير ومتكامل بين شعب الهند.

3. مصر: إن الحضارة المصرية القديمة تعتبر نقطة تحول في تاريخ التربية البدنية؛ لأن الأهداف بالصين والهند كانت مقصورة بشكل أساسي على الأمور الدينية والذهنية، حيث أن مصر القديمة لم تكن تتقيد بمجتمع راكد أو بالطقوس الدينية، ولكن على العكس من ذلك كان أهل البلاد يعتقدون في الحياة الكاملة، ومن ثم أسهمت جميع أنواع النشاط البدني في تحقيق هذا الغرض والهدف.

كما كان الشباب المصري يتربى بأسلوب يتميز بالنشاط البدني المتعدد، فمنذ بدء فترة اليفاعة كان الصبية يتدربون على استعمال مختلف أسلحة الحب مثل القوس والبلطة الحربية والصولجان والحربة والمقلاع والدرع، كما كانوا يطالبون بالاشتراك في تمرينات بدنية وأنشطة حركية الهدف منها العمل على مرونة الجسم وتقويته وبلوغه درجة كبيرة من الجلد وقوة التحمل، وكانت هذه الأنشطة تتميز بالكثير من المشي العسكري والجري والوثب والمصارعة والقفز.

وحتى قبل أن يبدأ تدريبهم الحربي كان يتم توفير الفرص لهم في ممارسة الكثير من الرياضات والتمرينات البدنية، كما كانوا يجدون متعة عظيمة في الخروج في رحلات لصيد الحيوانات والسمك، كما عانى قدماء المصريين بأن تكون اللياقة البدنية أساساً من أسس تولي مسؤولية الحكم لا فرق بين الرجل والمرأة في ذلك، حيث كان ذلك ضمن أسس اختيار الفراعنة قبل توليهم الحكم أن يقطعوا شوط بالجري تم تسميته شوط القربان في أعياد تولي الحكم.

4. الإغريق: إن الحضارة الإغريقية جاءت بعد الحضارة المصرية الفرعونية، فقد اتسمت هذه الحضارة التي حبتها الطبيعة بتضاريس طبيعية معتدلة وجميلة، كما كانت تتكون من عدد من الولايات الصغيرة وكان وسيلتهم للتقرب من الآلهة بإقامة تماثيل لهم يقومون بالعبادة والرقص تضرعاً لها، كما كانت هذه الطقوس هي الأصل في الأنشطة الرياضية التي تطورت وأصبح لها قواعد منظمة ومرتبة، أبرزها الألعاب الأولمبية القديمة التي بدأت في سهل أولمبياد ببلاد اليونان.

5. أسبرطة: كانت الأيدلوجية السائدة في أسبرطة هي تحكم الدولة في حياة الفرد ومقاليد أموره لأغراض الحرب والتوسع، حيث كان الأفراد الأسبرطيون يعتقدون أن الغذاء يسبب السمنة والترهل وأنه لا مكان لطفل ضعيف أو مشوَّه والتخلص منه هو الشيء الواجب والمعمول به.

حيث كان الأطفال في سن السابعة يتم إرسالهم إلى المعسكر العام لممارسة التمرينات البدنية التي تبدأ بأنشطة بسيطة متدرجة في العنف، في شكل سباقات الجري والقفز ورمي القرص والرمح وركوب الخيل والملاكمة والمصارعة؛ وذلك بهدف تقوية الجلد وتقوية الأجسام.


شارك المقالة: