استشارات الأزمات في علم النفس

اقرأ في هذا المقال


تعتبر استشارات الأزمات من المواضيع المهمة وخاصة في مجال علم النفس الإرشادي، بحيث اهتم العديد من العلماء بهذا الإجراء من حيث قدرته على مساعدة الأفراد في كيفية التوصل لبعض الحلول المشتركة بين الفرد والأخصائي النفسي للعديد من المواقف والأحداث النفسية التي تؤثر في الحياة اليومية.

استشارات الأزمات في علم النفس

هناك العديد من التعريفات لما يشكل أزمة كافية لإحضار الشخص إلى الاستشارة، حيث عرّف ريتشارد ك.جيمس وبيرل إي جيليلاند الأزمة بأنها تصور حدث أو موقف على أنه لا يطاق ويتجاوز الموارد المتاحة على الفور وآليات التكيف لدى الشخص، ما لم يحصل الشخص على الراحة فإن الأزمة لديها القدرة على التسبب في خلل عاطفي وإدراكي وسلوكي شديد، تعتبر الأزمة عالمية وخصوصية في نفس الوقت.

بغض النظر عن مدى مرونة الشخص إذا كانت مدة الأزمة وشدتها شديدة بما فيه الكفاية، فلا أحد محصن من الانهيار، ومنها تعتبر الأزمة أيضًا ذات طابع خاص؛ لأن شخصًا ما قد يتغلب عليه بنجاح، وقد لا يتغلب عليه شخص آخر على الرغم من أن الظروف هي نفسها تقريبًا.

بالنسبة لمعظم الناس الأزمات محدودة بزمن وتستمر من 6 إلى 8 أسابيع، وفي نهاية هذا الوقت يجب أن يستعيد الناس الشعور بالتوازن، ومع ذلك هذا لا يعني أن تداعيات الأزمة قد تم حلها، إنه يعني ببساطة أنه يجب على الناس استعادة القدرة على العمل على أساس يومي من خلال استشارات نفسية في الأزمات، فإذا لم يستمر حل الأزمة أو تم إعاقته، يمكن أن تصبح المشاكل الناجمة عن الأزمة منتشرة، حيث ستتغير المشاكل من حالة حادة إلى حالة مزمنة حيث يكون الفرد في خطر دائم للعودة إلى حلقة مستمرة من الأزمات، وإذا حدث هذا فسيكون الشخص في حالة انتقال للأزمة.

تاريخ استشارات الأزمات في علم النفس

لقد مر خلال الستين عامًا الماضية فقط أن نما التدخل في الأزمات إلى مجال خاص به مع نظريات وتقنيات محددة، حيث يشكل العمل الرائد الذي قام به إريك ليندمان مع جيرالد كابلان لهذا العمل جزءًا كبيرًا من الأساس للتدخل في الأزمات، حيث كان هذا العمل يميزان ولادة وتطور التدخل في الأزمات كتخصص إكلينيكي، وكانت حرب فيتنام والصدمة النفسية المحيرة التي نفذها قدامى المحاربين، والحركة التي كشفت العنف الأسري بأشكاله المتعددة، ومنها أصبح من الواضح أنه لا يوجد أحد محصن من الضيق العاطفي الشديد وعدم التوازن النفسي الذي يمكن أن ينجم عن التعرض لأحداث صادمة.

هناك العديد من العوامل التي تؤثر على نمو التدخل في استشارات الأزمات كتخصص نفسي سريري فرعي مثل الانتحار فهناك إمكانية التعامل مع العملاء الانتحاريين دائمًا وهي سائدة في جميع الفئات العمرية، حيث كان التطور الناتج عن البحث المبكر حول أسباب الانتحار وتقنيات التدخل الانتحاري من قبل إدوين شنايدمان أحد أحواض البذور التي نما منها المجال الخصب للتدخل في استشارات الأزمات.

أدى ظهور الأزمات الهاتفية والخطوط الساخنة وشبكة الإنترنت مؤخرًا إلى إتاحة خدمات الصحة النفسية والعقلية لأعداد كبيرة من الأشخاص الذين لولا ذلك لما كانوا غير قادرين أو غير راغبين في الاستفادة من خدمات الصحة النفسية والعقلية، وجعلت سهولة الوصول والتوافر المستمر ونقص التكلفة وإخفاء هوية المتصل من خط الأزمة الشكل الأكثر استخدامًا للتدخل في الأزمات في العالم.

يعتبر اكتشاف المزيد من العنف بين الأشخاص غير المبلغ عنه أو المبلغ عنه أقل مما كان يعتقد سابقًا فقد لفت انتباه علماء النفس والمستشارين إلى هذا العدد الكبير من السكان المتأزمين، وللعنف بين الأشخاص آثار بعيدة المدى على الناجين والتي حدثت بعد فترة طويلة من الحادث الأصلي نفسه وتشكل الأساس لما يمكن أن يسمى الدول العابرة للأزمة.

في العقود الأربعة الماضية أصبح اضطراب ما بعد الصدمة مشكلة رئيسية للصحة النفسية والعقلية، في عالم تحدث فيه كوارث طبيعية وأحداث صادمة من صنع الإنسان على أساس يومي، أدرك علماء النفس والمستشارين أن هذه الأحداث تترك أثرًا طويلًا وواسعًا من الإجهاد المتبقي.

مع ظهور المؤثرات العقلية في الستينيات كان يعتقد أن نقطة تحول مهمة قد حدثت في عالم الأمراض العقلية والنفسية، كان هناك شعور بأن الأدوية المضادة للذهان ستسمح باستبدال المستشفيات العقلية الكبيرة والسكنية الحكومية بعيادات الصحة العقلية المجتمعية الأقل تقييدًا، ومنها أثرت الآثار الجانبية السلبية للأدوية المضادة للذهان وعدم وجود إشراف كافٍ على المرضى النفسيين المزمنين للتوقف عن تناول أدويتهم.

قد يعاني هؤلاء العملاء التشخيص المزدوج بعد ذلك من فترات انقطاع ذهانية شديدة وعنيفة مع الواقع، وقد يصبحون أيضًا جزءًا كبيرًا من الأفراد ذوي السلوك المعادي.

نظريات استشارات الأزمات في علم النفس

تتمثل نظريات استشارات الأزمات في علم النفس من خلال ما يلي:

1- نظرية التدخل في الأزمات

لا تزال نظرية التدخل في الأزمات في مهدها حتى الآن، حيث كان التركيز على مساعدة الناس على التعافي من حالات الأزمات بدلاً من تطوير النظرية، ومع ذلك فقد أدرك عدد من الخبراء في هذا المجال هذا القصور وبدأوا في بناء نماذج نظرية لفهم التدخل في الأزمات، يركز بحثهم على تضمين واستخدام القضايا السياقية التي تؤثر على ردود أفعال الأفراد في الأزمات، يقوم هؤلاء الباحثين بدمج الأفكار من الأنظمة، والمناهج التكيفية، والشخصية، والبيئية لفهم التدخل في الأزمات.

2- نظرية أزمة الأنظمة

تستند نظرية أزمة الأنظمة إلى العلاقات الاجتماعية المتبادلة بين الأشخاص والأحداث والمواقف وكيف يتفاعلون بشكل متبادل مع بعضهم البعض عند حدوث أزمة، ومنها تعتبر أزمة الإدمان وتأثيرها النفسي المركب على عائلة المدمن، والتكتيكات التمكينية للعائلة لإبقاء النظام في حالة توازن غير قابل للتكيف مثالًا كلاسيكيًا لنظرية الأنظمة قيد التشغيل، عادة ما يعني التدخل في الأزمات تعطيل النظام القديم وتحطيمه من خلال المواجهة المباشرة للسلوكيات السلبية التي تدعمه.

3- نظرية التكيف

تعمل نظرية التكيف على فرضية أن الأزمة تستمر من خلال السلوكيات غير القادرة على التكيف، مثلما يتم تعلم السلوكيات غير القادرة على التكيف، فقد تكون غير مكتسبة وقد تحل محلها سلوكيات جديدة أكثر بناءة وتعزز الفرد بشكل أكبر.

4- نظرية العلاقات الشخصية

تستند نظرية العلاقات الشخصية على الاعتقاد بأنه طالما يعتقد الناس أن مرجعهم للتقييم الذاتي يتم وضعه في الآخرين، فلن يتمكنوا من الهروب من الأزمة، من خلال إنشاء أو إعادة تأسيس موضع التقييم الذاتي داخل أنفسهم، يكون الناس قادرين على اكتساب أو استعادة السيطرة على حياتهم واتخاذ الإجراءات المناسبة للتغلب على الأزمة، يظل الآباء والأمهات المصابين بالحزن لطفل ميت عالقين في حزنهم ولا يمكنهم حشد مواردهم الشخصية للتغلب على الحدث الصادمة، تعد استعادة السيطرة الشخصية أحد المحاور المركزية الرئيسية التي يدور عليها التدخل في الأزمات.


شارك المقالة: