يعتقد معظمنا أنه يمكننا توسيع قاعدة معارفنا بأمان من خلال قبول الأشياء التي تنطوي عليها أو بشكل ضمني ومنطقي في الأشياء التي نعرفها، بشكل تقريبي فإن مجموعة الأشياء التي نعرفها مغلقة بموجب الاستدلال أو التفكير أو تحت الاستنتاج، لذلك نحن نعلم أن ادعاءً معينًا يكون صحيحًا عند الاعتراف، والقبول بذلك أنه يتبع مما نعرفه، هذا لا يعني أن طريقتنا المعتادة في الإضافة إلى معرفتنا هي ببساطة إدراك وقبول ما نعرفه بالفعل.
الإغلاق المعرفي في علم النفس
يعتبر الإغلاق المعرفي في علم النفس هو مصطلح سيكولوجي يصف رغبة الإنسان في الحصول على إجابة مباشرة لأية أسئلة لا تترك مجالًا للارتباك أو الغموض، هذه الحاجة ليست هي نفسها بالنسبة للجميع، فكل شخص لديه مستوى مختلف من الاحتياج للإغلاق المعرفي، حيث أنه إذا كان الفرد في الجزء العلوي من المقياس فسيكون لديه بعض التفضيلات تجاه إمكانية التنبؤ والنظام والتنظيم.
إذا كان في الجزء السفلي فسيشعر براحة أكبر في المواقف المفتوحة والغامضة، ولن يشعر بالانزعاج من التردد، وعلى الرغم من ذلك يجد معظم الناس أنفسهم حول الجزء الأوسط من المقياس الخاص بالإغلاق المعرفي في علم النفس، وبعبارة أخرى فإنهم يقدرون النظام ولكن يمكنهم التعايش مع مستوى معين من عدم اليقين، إلى جانب استعداد الفرد الطبيعي فإن الإغلاق المعرفي يتأثر إلى حد كبير بظروف اللحظة والموقف الخاص.
عندما يكون الفرد في بيئة غير محددة للغاية وبها الكثير من المعلومات، أو يتعرض لضغوط بسبب التعب أو الحد الزمني، تزداد حاجته إلى الإغلاق المعرفي في علم النفس بشكل كبير، وكلما زادت الحاجة إلى الإغلاق المعرفي كلما زاد الضغط، فعلى الرغم من أن هذه الحاجة يمكن أن تكون مفيدة في بعض المواقف، يساعد على أن يكون الفرد أكثر انضباطًا، ويساعده على التركيز على حل المشكلات تحت الضغط، حيث يمكن أن يكون أيضًا مؤشرًا جيدًا للإنتاجية الشخصية مثل اتخاذ القرارات واحدًا تلو الآخر، وحل الأسئلة، أي يمكن فهم الإغلاق المعرفي في علم النفس على أنه شيء منتج.
ولكن يمكن أن ينتهي به الأمر أيضًا كشيء سلبي، حيث ان الحاجة القوية للشعور بأن الفرد يمضي قدمًا وبأنه منتج، يمكن أن يؤدي إلى اتخاذ قرارات متسرعة، إذا كان الهدف الإغلاق المعرفي عالية جدًا، فيمكن بناء المواقف التي يحكمها عدم الصبر والاندفاع والصراع والاستبداد، حيث يرتبط كل ذلك بقرارات غير ذكية جدًا.
قياس الإغلاق المعرفي في علم النفس
العقل البشري ينفر بشكل لا يصدق من الغموض وعدم الفهم، فمنذ سن مبكرة نحن نستجيب لعدم اليقين أو عدم الوضوح من خلال توليد تفسيرات معقولة بشكل تلقائي، علاوةً على ذلك نحن نتمسك بهذه التفسيرات المبتكرة باعتبارها ذات قيمة جوهرية خاصة بها، وبمجرد أن نحصل عليها لا نود السماح لها بالرحيل.
في عام 1972 افترض عالم النفس جيروم كاغان أن حل حالة عدم اليقين كان أحد أهم المحددات لسلوكنا، عندما لا نستطيع إشباع رغبتنا في المعرفة على الفور، يصبح لدينا دافع كبير للوصول إلى تفسير ملموس، حيث يكمن هذا الدافع في مفهوم كاجان في قلب معظم الدوافع الإنسانية الشائعة الأخرى مثل الإنجاز والانتماء والقوة وما شابه، التي نريد من خلالها القضاء على ضائقة المجهول بعبارة أخرى نريد تحقيق إغلاق معرفي.
صاغ هذا المصطلح عالم النفس الاجتماعي آري كروغلانسكي، الذي حدده في النهاية إنها رغبة الأفراد في الحصول على إجابة حازمة لسؤال ما، ونفور من الغموض، دافعًا إلى اليقين في مواجهة عالم غير مؤكد، عند مواجهة الغموض المتزايد والافتقار إلى إجابات واضحة نحتاج إلى معرفة ذلك وبأسرع وقت ممكن.
في عام 1994 قدم كروغلانسكي طريقة قياسية لقياس الإغلاق المعرفي في علم النفس مكون من 42 عنصرًا نظر في الجوانب التحفيزية الخمسة المنفصلة التي شكلت ميلنا الأساسي للوضوح والحل، أي التفضيل من أجل النظام والقدرة على التنبؤ والحسم وعدم الراحة مع الغموض والعقلية المنغلقة، جميعها مجتمعة تخبرنا هذه العناصر بمدى ارتفاع الإغلاق المعرفي في علم النفس في أي نقطة معينة.
يمكن أن تؤدي الأهداف المتزايدة للإغلاق المعرفي إلى تحيز خياراتنا وتغيير تفضيلاتنا والتأثير على مزاجنا، في اندفاعنا من أجل التعريف نميل إلى إنتاج عدد أقل من الفرضيات، والبحث النفسي بشكل أقل شمولاً عن المعلومات.
حيث أصبحنا أكثر عرضة لتشكيل أحكام تستند إلى إشارات مبكرة أو شيء يعرف باسم الأسبقية الانطباعية، ونتيجة لذلك تصبح أكثر عرضة للتحيزات الراسخة والمطابقة باستخدام الانطباعات الأولى كمرتكز لقراراتنا وليس المحاسبة الكافية للمتغيرات الظرفية، وعلى العكس من ذلك قد لا ندرك حتى مدى انحيازنا لأحكامنا.
في حين أن الإغلاق المعرفي في علم النفس تختلف من شخص لآخر فبعض الأشخاص يكونون في الأساس أعلى من غيرهم فهي إلى حد كبير محددة ظرفية، أي كلما كانت بيئتنا متدفقة وغير محددة كلما أردنا الوصول إلى نوع ما من القرار، حيث يتم زيادة الإغلاق المعرفي في علم النفس تحت ضغط الوقت، والإرهاق، والضوضاء البيئية الزائدة، فعندما يأتي إلينا الكثير من المعلومات التي يصعب فهمها في نفس الوقت، وعندما نشعر أننا بحاجة إلى إبداء الرأي.
في عام 2010، نظر كروغلانسكي وزملاؤه على وجه التحديد في الإغلاق المعرفي في علم النفس كجزء من الرد على السلوك المعادي للمجتمع، ويزيد من الحاجة لتطوير معتقدات قوية، وتشكيل انطباعات واضحة، وتصنيف الأشياء والأحداث إلى فئات محددة بدقة من أجل تجربة اليقين وتجنب الغموض.
كما أتيحت الفرصة للباحثين لاختبار النتائج التي توصلوا إليها في بيئة طبيعية، حيث قاموا بتجنيد مجموعتين من أكثر من مائة مشارك وأكملوا سلسلة من الاستبيانات، لم يجدوا فقط مستويات عالية من الإغلاق المعرفي في علم النفس، ولكن هذه الحاجة بدورها إلى دعم متوقع لسياسات مكافحة السلوك السلبي والعلاقة لها معنى كبير، ومنها تصور كروغلانسكي ذلك حاجتنا للإغلاق المعرفي تتكون من مرحلتين رئيسيتين وهما الحجز والتجميد.
في المرحلة الأولى وهي الحجز نحن مدفوعون بالإلحاح أو الحاجة إلى الوصول إلى الإغلاق المعرفي في علم النفس بسرعة أي أننا نستولي على أي معلومات نستطيع، دون الحاجة بالضرورة إلى أخذ الوقت للتحقق منها كما نفعل بخلاف ذلك، في المرحلة الثانية المتمثلة في التجميد يقودنا الاستمرارية، أو الحاجة إلى الحفاظ على هذا الإغلاق المعرفي لأطول فترة ممكنة، فنحن نجمد معرفتنا ونفعل ما في وسعنا لحمايتها.
إنها حلقة ذاتية التعزيز فنحن نبحث بنشاط ، ولكن بمجرد أن ننتقل إلى فكرة، نبقى متبلورين في تلك المرحلة، وماذا لو ألزمنا أنفسنا خارجيًا بموقفنا من خلال التغريد أو النشر أو التحدث؟ نحن نبلور حكمنا بشكل أكبر حتى لا تبدو غير متسقة، لهذا تبدأ الشائعات الكاذبة، أي إن الإغلاق المعرفي في علم النفس تعتبر ديناميكية ويمكن أن يكون لها عواقب وخيمة أكثر من مجرد لعبة إعلامية بسيطة.