هل التسامح طريق للتحرر

اقرأ في هذا المقال


هل التسامح يعني التغاضي عن سيئات الآخرين

يُعرِض بعضنا عن التسامح بناء على افتراض أساس خاطئ، إذ يعتقد بعضنا أنَّه بتسامحه، يتغاضى عن سلوك الشخص الذي أثار فيه كلّ هذا الغضب، ويظن أنَّه إذا ما سامح الشخص أو الطرف الآخر، فإنَّه يُقدّم معروفاً لهذا الشخص، بل إنَّه يظن أنَّه بذلك يُحرّر هذا الشخص، وهو الشيء الذي لا يحب أن يقوم به.

لبناء سجن واحد يستلزم الأمر لشخصين اثنين، أي السجين والسجّان، وكلاهما في السجن، وحين ندع الشخص الآخر يتحرر من حقدنا وغضبنا بالتسامح ، وقتها نكون لسنا مضطرين للتغاضي أو قبول السلوك المشين مرّة أخرى، ولا أن نميل لهذا الشخص الذي أساء إلينا.

ليس علينا إلّا أن نسامح غيرنا بحيث نتمكن من مواصلة ما تبقّى من حياتنا، وعلى هذا الاعتبار، فإنَّ التسامح يُعَدّ تصرّفاً يحمل طابع المصلحة الشخصية، فلا علاقة له بالشخص الآخر على الإطلاق؛ ﻷنَّ الأمر برمّته يتعلّق بسلامتنا العقلية والنفسية.

النتائج السلبية لعدم التسامح

عندما نبقى غاضبين على شخص آخر، فإنَّنا نتخلّى عن سيطرتنا على عواطفنا تِجاه هذا الشخص كلّما فكرنا به، فنحن نسمح له بالسيطرة على عواطفنا لفترة طويلة، عن طريق رفض التسامح، فنحن ندع الآخرين يديرون حياتنا العاطفية كيفما شاءوا، بالضبط كما لو كانوا على حق في ذلك، وكما لو أنَّ الموقف نفسه يتكرّر مرة تلو الأخرى.

مفهوم التسامح

التسامح هو القدرة على قبول وتفهم الاختلافات بين الأفراد، حتى عندما تكون تلك الاختلافات مزعجة أو غير مريحة. إنه عملية اختيارية تتضمن تجاوز الأذى الشخصي، وعدم السعي للانتقام أو معاقبة الآخرين على تصرفاتهم. التسامح لا يعني نسيان الأفعال السيئة أو القبول بالممارسات غير الأخلاقية، بل هو اختيار لمواجهة المشكلات بطريقة بناءة تهدف إلى تحقيق السلام الداخلي والتعاون الخارجي.

التسامح والتحرر النفسي

  • التحرر من الغضب والكراهية: عندما يحمل الفرد مشاعر الغضب والكراهية تجاه الآخرين، يتأثر سلامه النفسي بشكل كبير. هذه المشاعر يمكن أن تكون عبئاً ثقيلاً، مما يؤدي إلى التوتر والقلق. التسامح يساعد في تحرير الفرد من هذه المشاعر السلبية، مما يساهم في تحسين صحته النفسية وزيادة شعوره بالسلام الداخلي.

  • تحقيق السلام الداخلي: التسامح يمكن أن يكون خطوة نحو تحقيق السلام الداخلي. عندما يتعلم الفرد أن يصفح عن الآخرين، فإنه يصبح أكثر قدرة على التركيز على إيجابيات حياته، بدلاً من التركيز على السلبيات والأذى الذي تعرض له. هذا يؤدي إلى تعزيز الراحة النفسية والشعور بالتحرر من القلق المستمر.

التسامح والتحرر الاجتماعي

  • تعزيز العلاقات الاجتماعية: التسامح يلعب دوراً كبيراً في تحسين العلاقات بين الأفراد. عندما يتسامح الناس مع بعضهم البعض، ينشأ بيئة من الثقة والتعاون. هذا يعزز التفاهم والتعايش السلمي بين مختلف الأفراد والمجتمعات، مما يسهم في بناء مجتمعات أكثر تماسكاً وتحقيق التحرر من الصراعات المستمرة.

  • تخطي النزاعات والصراعات: في السياقات الاجتماعية والسياسية، يمكن أن يكون التسامح أداة فعالة لحل النزاعات. عندما تكون الأطراف المعنية على استعداد للتسامح والتوصل إلى حلول وسط، يتمكن المجتمع من تخطي الأزمات والصراعات بشكل أكثر فعالية، مما يسهم في تحقيق الاستقرار والتنمية.

التحديات والمخاوف من التسامح

مع ذلك، يمكن أن يكون التسامح صعباً في بعض الأحيان. في حالات الأذى العميق أو الضرر الكبير، قد يكون من الصعب على الأفراد إيجاد القوة للتسامح. كذلك، يمكن أن يؤدي التسامح المفرط إلى تبرير التصرفات السلبية بدلاً من معالجتها بشكل فعال. لذلك، من المهم أن يتم التسامح بشكل واعي ومدروس، مع الحفاظ على الحدود والالتزام بالقيم الأخلاقية.

التسامح يمكن أن يكون فعلاً طريقاً نحو التحرر، سواء على الصعيدين الشخصي أو الاجتماعي. إنه يوفر فرصة للتخلص من الأعباء النفسية التي تثقل كاهل الأفراد، ويساهم في بناء علاقات اجتماعية أكثر صحة وسلامة. لكن التسامح لا يعني تجاهل الضرر أو السماح بالتصرفات السلبية، بل هو اختيار واعٍ للتعامل مع الأذى بطريقة تعزز السلام الداخلي وتحسن العلاقات الاجتماعية. من خلال فهم وتطبيق مفهوم التسامح بشكل متوازن، يمكن للأفراد والمجتمعات أن يسلكوا طريق التحرر الحقيقي.


شارك المقالة: