المعرفة الأخلاقية في علم النفس

اقرأ في هذا المقال


يمكن النظر في المعرفة الأخلاقية من أكثر من جهة ومن أكثر من علم، حيث قام العديد من العلماء بالتطرق لها من حيث مفهومها وعلاقتها المعرفية، ومنهم علماء الاجتماع وعلماء الأخلاق والفلاسفة وغيرهم من علماء النفس، حيث تعتبر المعرفة الأخلاقية ذات أهمية عالية ومن المهم دراستها في علم النفس؛ لأنها من أكثر الجوانب المهمة في تبادل المنفعة وتحسين الرفاهية النفسية.

المعرفة الأخلاقية في علم النفس

توفر حِجَة العالم ديفيد هيوم تهديدًا مباشرًا أكثر لإمكانية وجود ما يُعرف بالمعرفة الأخلاقية في علم النفس استنادًا إلى حقيقة أن الأخلاق تثير شغفنا وتحفزنا على التصرف والقيام بمختلف السلوكيات، بحيث إذا كانت الأخلاق مبنية على العقل فإنها تتكون من أفكار صحيحة أو خاطئة، ويتوجب أن تكون في حد ذاتها غير قادرة على التأثير المباشر على أفعالنا.

يمكن تقديم المعرفة الأخلاقية في علم النفس لأغراضنا ودوافعنا النفسية كحِجَة استنتاجية صالحة من ثلاثة مقدمات وتتمثل بما يلي:

1- إذا كانت المعرفة الأخلاقية ممكنة فإن بعض الأحكام الأخلاقية تكون معتقدات.

2- في المعرفة الأخلاقية في علم النفس تمنحنا أحكامنا الأخلاقية في حد ذاتها بالضرورة بعض الدافع للعمل، حتى بدون مرافقة الرغبات الموجودة بالفعل.

3- لا يمكن أن يمنحنا الاعتقاد في حد ذاته، بدون مساعدة من الرغبات الموجودة بالفعل، أي دافع للعمل، لذلك فإن الأحكام الأخلاقية ليست معتقدات، والمعرفة الأخلاقية مستحيلة.

فرضيات المعرفة الأخلاقية في علم النفس

يبدو أن الفرضيات الخاصة بالمعرفة الأخلاقية في علم النفس تتبع مباشرة لطبيعة المعرفة، خاصة إذا علم المرء أن شيئًا ما هو الحال الذي هو عليه، فيجب أن يكون لدى المرء بعض الاعتقاد أو الحكم عليه وما يعتقده يجب أن يكون هو الحال حقًا، وإذا لم يكن لدى أي شخص أي رأي حوله أو إذا كان رأي المرء فيه غير صحيح فلن يعرفه أحد، ومنها فلا يعني أن الرأي الصحيح دائماً يعتبر كافٍ للمعرفة، لكن أن يكون حُكم المرء على صواب يعتبر شرط ضروري للمعرفة.

تنص فرضيات المعرفة الأخلاقية في علم النفس على ما يعتبره الكثيرين شرطًا ضروريًا بالحد الأدنى لكي يكون الشيء حكمًا أخلاقيًا، فإذا ادعى أحدهم أن شيئًا ما خطأ أخلاقيًا على سبيل المثال لكن المرء لا يشعر بأي نفور من القيام به أو إقناع الآخرين بعدم القيام به، فإما أن يكون المرء غير صادق أو لا يقدم حقًا ادعاءً أخلاقيًا، ومنها فإن هذه الفرضية لا تعني أنه يجب على المرء أن يتصرف وفقًا للدافع الذي يشعر به.

يمكن التغلب على المرء عن طريق الإغراء أو الخوف أو أن يكون لديه دافع موازنة آخر يقود المرء إلى عدم التصرف وفقًا لادعائه الأخلاقي، حيث تقول فرضيات المعرفة الأخلاقية في علم النفس أنه يجب وجود بعض الدافع للعمل، هذا الرأي المسمى بالداخلية أو الدافع الجوهري، يستلزم أنه من الحقائق المنطقية أو المفاهيمية أن درجة معينة من الدافع داخلية للحكم الأخلاقي نفسه.

تتمثل فرضيات المعرفة الأخلاقية في علم النفس بالرأي القائل بأن أحكام الحقيقة بصرف النظر عن الرغبات التي قد تصاحبها هي لا تحركنا بأي شكل من الأشكال، يتبع هذا الرأي الفهم السائد للدوافع على أنها تتكون من نوعين من الحالة العقلية تتمثل في الاعتقاد والرغبة فبدون اعتقاد يقودها تكون الرغبة عمياء.

نقد المعرفة الأخلاقية في علم النفس

أولئك الذين يهاجمون المعرفة الأخلاقية في علم النفس يرون أن الأحكام الأخلاقية تحتوي على المحتوى المعرفي لحكم حقيقي أو حكم خاطئ ولا يزال قادرًا على تحفيز الأشخاص الذين يصدرون الحكم، بصرف النظر عن رغباتهم السابقة، حيث إن الحكم على فعل ما على أنه خطأ أخلاقيًا من وجهة نظرهم هو تكوين اعتقاد صحيح أو خاطئ حول حقيقة أخلاقية مفترضة، كما يجب أن يكون الدافع إلى حد ما للتصرف على أساس هذا الحكم، ليس بسبب بعض الرغبة السابقة ولكن فقط بسبب الاعتقاد بأن الفعل خاطئ.

أولئك الذين يتخذون هذا الموقف في بعض الأحيان يسمحون بأن ينطوي الدافع على الرغبة على سبيل المثال عدم قيام الفرد بالفعل، وبالتالي يمكنهم قبول وجهة النظر العامة للدوافع على أنها تنطوي على كل من الإيمان والرغبة، لكنهم يرون أن الرغبة في هذه الحالة تنشأ فقط من الاعتقاد بأن الفعل خطأ.

إن الاعتقاد الأخلاقي نفسه هو الذي يفسر الرغبة ومن ثم الدافع دون دعم أي رغبة موجودة بالفعل، علاوة على ذلك قد يزعمون أن هذه الصورة تتماشى جيدًا مع الطريقة التي يُنظر بها إلى المطالب الأخلاقية، فنحن نرى شيئًا خاطئًا  على الرغم من أننا ربما أردنا القيام بذلك قبل هذه النقطة، ثم نجد أنفسنا نريد عدم القيام بذلك لأننا نعتبره خطأ، على الرغم من أننا ربما أردنا القيام بذلك قبل هذه النقطة، ثم وجدنا أنفسنا راغبين في عدم القيام بذلك لأننا نعتبره خطأ.

قد لا يمكن دحض المعرفة الأخلاقية في علم النفس بسهولة، حيث إنها تستمد الدعم ليس فقط من وجهة النظر القائلة بأن الدافع يتطلب كلاً من الإيمان والرغبة، ولكن أيضًا من التمييز الأساسي الذي قدمته العالمة إليزابيث أنسكومب حول المهام المختلفة التي تؤديها حالات الإيمان والرغبة، حيث تعبر عن المعتقدات بأنها مثل قوائم الجرد والرغبات مثل قوائم التسوق.

كل من المعتقدات والرغبات في المعرفة الأخلاقية في علم النفس لديهم اتجاه ملائم مختلف ومعاكس، حيث أننا نريد أن تتناسب معتقداتنا مع العالم وأن تتغير عندما لا تكون كذلك، لكننا نريد أن يلائم العالم رغباتنا وأن يتغير عندما لا يكون كذلك، في ضوء هذا التمييز قد يبدو أن رفض المعرفة الأخلاقية في علم النفس يعني افتراض أن الأحكام الأخلاقية لها بالضرورة كلا الاتجاهين المناسبين في وقت واحد.

في نقد المعرفة الأخلاقية في علم النفس يمكن أن يسمح ناقد النزعة الداخلية بأن المعتقدات الأخلاقية ترتبط عادةً ببعض الرغبة في التوافق معها، لكنه ينكر أن الارتباط بين الاعتقاد والرغبة في مثل هذه الحالات هو أكثر من مجرد عرضي، ولأخذ مثال بسيط لنقل الفكرة العامة عند تخيل تفسيرًا نفعيًا لمحتوى الأحكام الأخلاقية، لنفترض أن الحكم على أن الفعل خاطئ يعني ضمنيًا أن الفعل يؤدي إلى توازن صافٍ أقل للسعادة على التعاسة التي يتم تلخيصها على كل شخص متضرر مما قد يفعله أي فعل بديل.

من الممكن من منظور خارجي أن نحكم على فعل خاطئ ولكننا لا نشعر بعدم الرغبة في تنفيذه، وقد يتم الحصول على هذه النتيجة حتى لو أدى الفعل إلى معاناة مروعة من جانب أي شخص آخر وكان الشخص الذي يصدر الحكم مدركًا تمامًا لهذه الحقيقة ومحتوى الحكم، ومن المسلم به أن مثل هذه الحالات مرضية ولكن النقطة المهمة هي أنها على الأقل ممكنة منطقيًا على عكس المعرفة الأخلاقية في علم النفس.

المعتقد والرغبة في المعرفة الأخلاقية في علم النفس

يمكننا أن ننظر إلى المعتقد والرغبة بوصفهما توصيفين وظيفيين متميزين في المعرفة الأخلاقية في علم النفس يخبراننا كيف أن الحالات العقلية التي تندرج تحت تسمية واحدة أو الأخرى تعمل في التفاعل مع الحالات العقلية الأخرى والقضية في السلوك الإنساني، ويمكن أننا قد نفكر بعد ذلك في الحكم الأخلاقي على أنه حالة ذهنية معقدة تمثل عادةً كلتا الوظيفتين.

قد يُنظر إلى الحكم الأخلاقي على أنه نوع طبيعي تشتمل فيه الوظيفتان على وحدة استبيانيه في شكله البدائي، ربما يكون الحكم الأخلاقي يعمل ببساطة لتحفيز الامتثال للمعايير المكتسبة في التنشئة الاجتماعية المبكرة، وهو ما يفسر الارتباط المباشر الواضح بين الأحكام الأخلاقية والدوافع.


شارك المقالة: