تعامل المنحى السلوكي مع الإنسان كآلة في خطة تعديل السلوك

اقرأ في هذا المقال


تعامل المنحى السلوكي مع الإنسان كآلة في خطة تعديل السلوك:

كثيراً ما تتهم السلوكية أيضاً بأنها تتعامل مع الإنسان وكأنه آلة، فالافتراض الأساسي في تعديل السلوك هو أن السلوك وظيفة لنتائجه، وهذا دفع النقاد إلى القول أن السلوكية تصور السلوك الإنساني، وكأنه مجرد رد فعل للمثيرات البيئية، وأن في ذلك تقييداً لإنسانية الإنسان.

إن مثل هذا الاتهام ليس أكثر من محصلة للخلط بين السلوكية المعاصرة والسلوكية الكلاسيكية، أو ما يسمى بنظرية المثير والاستجابة، فنظرية المثير والاستجابة ممثلة (بجون واطسون)، تنظر إلى الإنسان على أنه سلبي لا حول له ولا قوة، فيما يتعلق بنموه الشخصي.

ولعل عبارة (جون واطسون) الشهيرة التي عبر فيها عن قناعته، بأنه يستطيع أن يجعل من أي طفل أي شيء يريده، قد دفعت بعضهم إلى اتهام السلوكية، بأنها ترى في الإنسان كائناً فارغاً، وتنكر دور الوراثة كاملاً.

إن العلم لا يصف فقط بل هو يتنبأ، وهو لا يتعامل مع الماضي فحسب، ولكنه بتعامل مع المستقبل أيضاً، والتنبؤ ليس بالقول الفصل، فإلى المدى الذي تستطيع معه تغيير الظروف ذات العلاقة، نستطيع ضبط المستقبل، وإذا كنا نريد أن نستخدم الطرائق العلمية في حقل الشؤون الإنسانية.

السلوك يخضع لقوانين:

فلا بد من أن نفترض أن السلوك بخضع لقوانين، وأنه بمجرد اكتشاف هذه الظروف يمكننا التنبؤ به وضبطه إلى حد ما، والحقيقة هي أن السلوكية المعاصرة تختلف إلى أبعد الحدود عن النموذج السلوكي الذي وضعه (واطسون)، إذ إنها ترى سلوك الإنسان هو نتاج ثلاثة عوامل، وهي البنية الوراثية والخبرات السابقة أي تفاعلات الفرد السابقة مع بيئته والظروف البيئية الحالية.

فالسلوكية لا تتعامل مع الإنسان وكأنه صندوق فارغ، كما يتهمها بعض النقاد، ولكنها ترى أنه يولد ولديه ذخيرة سلوكية معينة تحددها الجينات، وتميزه عن غيره من الناس، وهي لا تتجاهل دور العوامل الفسيولوجية أو الخبرات الماضية، إلا أنها تركز على الظروف البيئية الحالية؛ لأنها هي ما يستطيع المعالج التحكم به.

والسلوكية أيضاً لا تصور العلاقة بين الإنسان والبيئة على أنها تسير باتجاه واحد ولكنها علاقة متبادلة، فالبيئة تؤثر في سلوك الفرد ولكن سلوك الفرد يؤثر في البيئة أيضاً، فالتعزيز الذي يحصل عليه الفرد مثلاً، يؤثر في احتمال حدوث سلوكه في المستقبل، ولكن التعامل الحاسم الذي يحدد فرصة حصوله أو عدم حصوله على التعزيز أصلاً هو طبيعة سلوكه.

وأن السلوك موضوع الدراسة في السلوكية هو في معظم الأحيان السلوك الإجرائي، وعند تعريفنا لهذا السلوك أنه السلوك الذي يغير في البيئة، فيتأثر بالتالي بتلك التغيرات فإذا كانت البيئة تتأثر بالسلوك، فالإنسان قادر إذن على أن ينظم بيته لتهيئة الفرصة لحدوث سلوكيات معينة، وعدم حدوث سلوكيات أخرى.

الضبط المضاد في السلوكية:

كذلك فان أحد المفاهيم الأساسية في السلوكية هو ما بالضبط المضاد، والمقصود بالضبط المضاد هو أن الإنسان لا يستجيب بسلبية لمحاولات الآخرين لضبط سلوكه، ولكنه هو الآخر يحاول بالطرق المختلفة التأثير في سلوكياتهم، وكما يری (سکينر) فالضبط المضاد هو أحد الأسباب التي تدفع الإنسان إلى معاملة الآخرين جيداً.

ويذكرنا (سكنر) بأن الذين لا يستطيعون القيام بالضبط المضاد بشكل فعال، قد أصبحوا أمثلة كلاسيكية على سوء معاملة المجتمعات الإنسانية لهم كالمعوقين والسجناء، وذوي الأمراض النفسية، فعندما تركز السلوكية على أهمية العوامل البيئية، فهي لا تقلل من أهمية الإنسان نفسه، فهو بلا شك مسؤول إلى درجة كبيرة عن الظروف البيئية التي يعيش فيها.

كذلك تتهم السلوكية بأنها تجعل العلاقة بين المعلم والطالب علاقة ميكانيكية وفاترة، ويرد (اکسیلرود) على هذا الاتهام بالقول إن برامج تعديل السلوك نادرة جداً ما تخلو من التعزيز الإيجابي.

وإنه لشيء مثير للدهشة أن يتهم المعالج السلوكي، وهو الذي يعمل بشكل متواصل على تشجيع الفرد بالابتسام والثناء والانتباه، ويحاول جاهداً أن يوفر له ما يحبه ويحتاجه، بأنه يفتقر إلى العلاقة الدافئة معه.

وبالمقابل فلقد أوضحت دراسات عدة أن المعلمين التقليديين غير السلوكيين يلجأون إلى التوبيخ أكثر من لجوئهم إلى التعزيز، ويقول (اکسیلرود) تعليقاً على ذلك، إن البيئة التي تخلو من التعزيز هي البيئة الميكانيكية الفاترة.

فالقياس المتواصل والتطبيق المنظم لقوانين السلوك يوضح لنا وبسرعة ما إذا كان الإجراء المستخدم فعالاً أو غير فعال، فإذا وجد أنه غير فعال يتم استبداله بإجراء آخر، أما العلم الذي لا يستخدم الطريقة العلمية فهو يستخدم طريقة العلاج ذاتها مرة تلو أخرى ميكانيكياً حتى ولو كانت غير فعالة لأنه لا يعرف ذلك.

من ناحية أخرى، يتهم بعضهم بالسلوكية بأنها اتجاه غير إنساني؛ لأنها تركز على الظروف البيئية، مدعين أن في ذلك تجاهلاً لإرادة الإنسان وفقداناً لحريته.

ويجيب السلوكيون على ذلك بالقول إن السلوكية ليست أقل إنسانية من غيرها من نظريات علم النفس بل لعلها تكون أكثر إنسانية، لعدة أسباب السلوكية لا تتهم الفرد ولا تلومه على المشكلة السلوكية التي يعانيها.

وأيضاً يعتقد أن معظم المشكلات السلوكية تنجم عن خلل في عملية التعلم، وليس بسبب خلل في شخصية الفرد، والاتجاه السلوكي يقوم على افتراض مفاده أن كل الأطفال قادرون على التعلم، فإذا لم يتعلم الطفل فذلك يعني أنه غير قادر على التعلم، ولكن ذلك قد يعني أن طريقة التعليم هي العاجزة.

التعلم في المدرسة السلوكية:

والأهم من ذلك هو أن السلوكية قدمت لنا إيضاح وافي ودقيق لعملية التعلم، والسلوكي لا يكترث كثيراً بالمسميات والتصنيفات متخلف عقلياً مضطرب سلوكياً، ولكنه يهتم بتحديد مستوى أداء الطفل ويعلمه بناء على ما يتوفر لديه من معلومات عن حاجات الخاصة أي تعليمه بطريقة الفردي.

كذلك فالسلوكية لا تولي التوزيع الطبيعي الذي يوحي بأن البعض سيتعلم، وأن البعض الآخر لن يتعلم اهتماماً كبيراً، ولقد اتضحت صحة هذا الافتراض خاصة في مجال تربية الأطفال ذوي الإعاقات الشديدة جداً، والذين كان ينظر إليهم تقليدياً على أنهم لن يتعلموا.

فالبحوث العلمية المستفيضة أوضحت جيداً، ويدرك هذه الحقيقة العاملون في مجال التربية الخاصة، إن الإجراءات السلوكية قادرة على إحداث تغيرات ذات أهمية في أداء هذه الفئة من الأطفال، كذلك فإن أهداف العلاج السلوكي لا تختلف عن الأهداف التي يحاول المعالجون النفسيون الآخرون تحقيقها.

ولكن ما يختلف هو الاستراتيجيات المتبعة لتحقيق تلك الأهداف، فكما يرى (سکنر) فالإنسان يفشل في إيجاد الحلول المناسبة للمشكلات التي يواجهها؛ لأنه ببساطة يبحث عن أسبابها في المكان الخاطئ.

وما تفعله السلوكية، هو أنها توضح له أين يبحث عن الأسباب الحقيقية، مما سيؤدي إلى مستقبل أفضل يحقق فيه الإنسان إنسانيته على أفضل وجه.


شارك المقالة: