تاريخ علم النفس التنموي المرضي

اقرأ في هذا المقال


إنّ مجال علم النفس المرضي التنموي يعتبر دراسة أصول ومسار التكيف السلوكي الفردي، مع التركيز بشكل خاص على كيفية العمليات التنموية، بالتالي فإنّ الأسئلة الشاملة التي طرحها علماء الأمراض النفسية التنموية تشمل؛ كيف يتطور علم النفس التنموي المرضي وكيف يختلف هذا بالنسبة للأفراد ذوي الخصائص المختلفة وكيف يؤثر نمو الشخص على علم النفس المرضي وكيف يؤثر علم النفس المرضي على نمو الشخص.

علم النفس التنموي المرضي:

بالرّغم من إمكانية وجود مجموعة متنوعة من التصورات، إلّا أنّ ما يقصده معظم العلماء عند الإشارة إلى علم النفس المرضي هو سلوك غير طبيعي وهو ما يُسمى بشكل مختلف المشكلات العاطفية والسلوكية أو الاضطرابات النفسية أو المتلازمات النفسية، بينما لا يزال هناك نقاش حول تعقيدات تصنيف علم النفس المرضي، يوجد الكثير من الإجماع والدعم التجريبي لما يشكل متلازمات شائعة من المشاكل؛ كالاكتئاب والقلق والتوحد والفصام والسلوك المعادي للمجتمع، كلها فئات مقبولة بشكل عام من السلوك التي تعتبر غير طبيعية في حد ذاتها أو عند عرضها بشكل زائد.
معنى الشذوذ أنّ هذه السلوكيات غير قادرة على التكيف مع الأفراد أنفسهم أو للمجتمع، نعني بالزيادة مستوى من الأعراض أعلى ممّا يظهره معظم الأفراد، يشعر معظم الناس بالحزن من وقت لآخر وكثير من الناس يخالفون القانون من حين لآخر، لكن معظم الناس لا يشعرون بالحزن الشديد والحزن لدرجة أنّهم لا يستطيعون النهوض من الفراش لأيام متتالية.
أنّ معظم الناس لا يفعلون ذلك بشكل متكرر؛ ينتهك القانون وينتهك بانتظام الحقوق الأساسية للآخرين، هذا هو السلوك الأخير الذي ينتهك الأعراف المجتمعية أو يجعل الشخص بائس أو يجعله غير قادر على رعاية نفسه أو الآخرين،وهو ما يُعرَّف بأنه سلوك غير طبيعي أو مرض نفسي أو شذوذ.
هناك قلق رئيسي آخر يتعلق بعلم النفس المرضي التنموي يحيط بما نسميه الاعتلال المشترك، هذا هو التواجد المشترك لنوعين مختلفين أو أكثر من المشاكل النفسية في نفس الفرد في نفس الوقت، على سبيل المثال يُقال أن المراهق الذي يستوفي معايير التشخيص لكل من اضطراب الاكتئاب الشديد واضطراب السلوك في نفس الوقت يعاني من الاكتئاب المرضي واضطراب السلوك، وجدت دراسة استقصائية وطنية أن 14٪ من البالغين الذين شملهم الاستطلاع، قد استوفوا معايير التشخيص لثلاثة اضطرابات على الأقل في وقت واحد.

أهمية التنمية:

إن التطور هو محور ما نعرفه الآن عن كيفية عمل علم النفس المرضي، يقدم التطور الطبيعي للأفراد تحديات متكررة في جميع مجالات الحياة السلوكية والمعرفية والعاطفية والاجتماعية والجسدية، التي بمجرد إتقانها تشكل النمو وهكذا يصبح الأطفال بالغين، على سبيل المثال في نهاية السنة الأولى من العمر يدرك الأطفال أنّ هناك عالم كبير ورائع يتنقل فيه الآخرون، الأهم من ذلك فهم أنهم بشر وبالتالي إذا استطاعوا يمكنهم المشاركة في المرح.
مع ذلك يجب أن يتعلم الأطفال كيفية الزحف والوقوف وفي النهاية المشي من أجل التفاعل الكامل مع هذه البيئة المحفزة، هذا تحدي للرضيع ،الذي لا يستيقظ يوم ما قادراً على المشي، يجب على الرضيع المحاولة والفشل بشكل متكرر قبل إتقان هذه المهارة الجديدة، يكاد جميع الأطفال يتقنونها في النهاية ويصبحون قادرين على المشي، مع ذلك فإنّ بعض الأطفال يكونون كبار جداً أو لديهم توتر عضلي منخفض ويكون التحدي أكثر صعوبة بالنسبة لهم مقارنة بالأطفال الآخرين، بالتالي فإنهم يمشون متأخراًعن الأطفال الآخرين.
من المحتمل أنّه بالنسبة للعديد من هؤلاء الذين يتأخرون في المشي، قد تكون المهام الحركية الجسيمة الأخرى صعبة إلى حد ما بالنسبة لهم أيضاً، بالتالي فإنّ التحدي النمائي التالي الذي يشمل المهارات الحركية الكبرى أو القوة العضلية الكبيرة قد يكون كذلك عقبة أكبر بالنسبة لهم من للأطفال الآخرين، تشير الأبحاث والنظرية الحالية إلى أنّ هذه هي الطريقة التي يعمل بها علم النفس المرضي كذلك.
يعاني بعض الأطفال أو يطورون مشاكل تنظيم المشاعر التي تجعل تحديات النمو التي تتطلب تنظيم للعاطفة أو تتطلبها صعبة عليهم، في حين أن مثل هذا الطفل قد يجتاز في نهاية المطاف تحدي معين متعلق بالعاطفة مع الدعم، فمن المحتمل أن تظل هذه المنطقة منطقة ضعف للطفل، فعندما يظهر التحدي التنموي التالي المرتبط بالعاطفة ، قد يواجه الطفل صعوبة مرة أخرى.
يمكن أن يساعد الوعي بالتحديات التنموية الآباء أو المعلمين على توقع العقبات التي تواجه الأطفال المعرضين للخطر وتقديم الدعم الوقائي لمساعدة الطفل من خلال التحديات اللاحقة وتقليل الاضطرابات، بالتالي هناك الكثير الذي يمكن اكتسابه من خلال تضمين التطور في وضع تصور ودراسة علم النفس المرضي.

تاريخ علم النفس التنموي المرضي:

في حين أن الاهتمام بوصف المشكلات النفسية وتصنيفها وعلاجها ليس جديداً، إلا أن مجال علم الأمراض النفسي التنموي قد ظهر بشكل أساسي في العقود الثلاثة الماضية، هذا المجال من البحث له جذوره في العديد من التخصصات المعنية بالسلوك البشري، بما في ذلك علم النفس التنموي وعلم النفس الإكلينيكي والطب النفسي، فلا تزال روابطها بهذه التخصصات قوية، مع ذلك يعتبر الآن مجال فريد من مجالات العلوم التي غيرت بشكل جذري أبحاث وسياسات الصحة النفسية للأطفال.
إلى حد ما نشأ هذا المجال بسبب الاستياء المتزايد من النماذج السيكوباتية السائدة، التي في الغالب ما تترك الأطفال خارج المعادلة، أما نظام التشخيص المهيمن قدم اعتبار تقريب في التنمية في المبادئ التوجيهية الواردة لتشخيص الأمراض النفسية، كان من المفترض أن الأطفال إما لم يختبروا علم النفس المرضي الحقيقي أو أنّهم إذا فعلوا ذلك، فسيبدو الأمر مشابه لعلم النفس المرضي عند البالغين، لقد تناولت العديد من المنشورات والاجتماعات البارزة هذا القلق وقدمت حلول لكيفية تحسين دراسة علم النفس المرضي.
كتاب توماس لعام 1974 بعنوان علم النفس المرضي التنموي قدم فكرة أن علم النفس المرضي للطفولة يجب أن يُنظر إليه على أنّه منفصل ومتميز عن علم النفس المرضي للبالغين، يعود الفضل إلى مايكل راتر ونورمان جارميزي في رسم مسار البحث المستقبلي لعلم النفس المرضي التنموي بفصلهما عام 1983 حول الموضوع في كتيب علم نفس الطفل، بعد ذلك جمعت ندوة روتشستر لعام 1989 حول علم النفس المرضي التنموي ووحّدت مجموعة متنوعة من العلماء الذين كان عملهم في علم النفس المرضي تنموياً بشكل واضح من حيث النطاق والنهج.
أخيراً تم إنشاء مجلة في عام 1990 مخصّصة لموضوع التنمية وعلم الأمراض النفسية، عززت أسّس علم النفس المرضي التنموي كحقل فريد في حد ذاته، لقد كان علم النفس المرضي التنموي مجال مثير ونشط للبحث منذ ذلك الحين.


شارك المقالة: