تحديد المشكلة في الإرشاد النفسي:
ما لم يتمّ تحديد المشكلة التي ستقوم على أساسها عملية الإرشاد النفسي، ستكون العملية الإرشادية غير مكتملة الأركان وستكون الجلسات الإرشادية فارغة المحتوى والمضمون، حيث أنّ تحديد المشكلة هو الأساس في أي عملية إرشادية وبناء عليها يتمّ بناء استراتيجيات وخطط ونماذج إرشادية تتوافق مع طبيعتها، وهذا من شأنه أن يضع المرشد النفسي أمام تحدٍ كبير قبل التحليل والتقييم والتوقّع، هو أن يقوم بداية بتحديد المشكلة.
ما هي خطوات تحديد المشكلة في العملية الإرشادية؟
1. تحديد السياق الذي تحدث فيه المشكلة:
وذلك من خلال تحديد الظروف التي تظهر من خلالها المشكلة، ومتى وكيف تظهر، وهل لظهورها سبب معيّن أو ظروف ملائمة جعلتها تظهر بصورة غير متوقعة، وما هي الانفعالات التي تحدث أثناء المشكلة من قبل المرشد النفسي، وهل هناك أي مظاهر سلوكية تتغيّر بصورة إيجابية أو سلبية في حال ظهرت المشكلة، ويتمّ تحديد المشكلة من خلال السياق بطرح عدد من الأسئلة التي تتعلّق بشخصية المسترشد مثل:
أ- ما طبيعة الأفكار التي تدور في خلد المسترشد أثناء حدوث المشكلة، وهل هذه الأفكار تكتسب صفة طبيعية أم صفات عدوانية، وهل تتأثر طريقة التفكير بناء على هذه الأفكار، أم أنها تبقى طبيعية.
ب- متى يحدث التغيير في الطبيعة العامة، وهل لظهور هذه المشكلة علاقة في التغيير الحاصل، أم أنّها محفّزات لتغيّر السلوك، وهل التغيّر يستمر طويلاً أم أنه مؤقتاً يختفي بصورة سريعة.
ج- عندما تظهر المشكلة الإرشادية هل يعي المسترشد ما يدور حوله من أحداث، أم أنّه يكون في مرحلة غير قادر من خلالها على التركيز أو التحليل أو القدرة على الاختيار بصورة سليمة.
د- ما هو الشعور العام عند ظهور المشكلة لدى المسترشد، هل هو شعور طبيعي أم أنه شعور غير طبيعي على غير العادة؟ وهل يمكن لهذا الشعور أن يؤثر في صناعة القرار وفي نظرة الآخرين إلى المسترشد؟
2. تحديد السوابق واللواحق:
ومن خلال هذا التحديد الذي يدور حول المشكلة الإرشادية التي يريد المرشد أن يقوم بتحديدها، يتمّ وصف المشاعر ما قبل رصد المشكلة وكيف يكون شكلها، وبعد حدوث المشكلة، وهل تتغيّر هذه المشاعر بصرة عامة أم أنّها تبقى كما هي؟ وفي حال التغيّر ما بعد ظهور المشكلة هل هذا التغيّر طبيعياً ام أنه غير طبيعي ويتمّ ملاحظته من قبل الآخرين بصورة مستغربة.
كما ويمكن وصف السوابق واللواحق بالمشاكل الداخلية والخارجية التي تتغيّر على صفة المشاعر، وهل هناك مؤثرات داخلية أو خارجية تزيد من فتيل تلك المشكلة، أم أنّها تتغيّر بصفة الاستعجال بصورة مفاجئة دون سابق إنذار، ولا تؤثر فيها أي عوامل داخلية أو خارجية، ومن خلال هذا الأمر يمكن للمرشد أن يسأل المسترشد عدداً من الأسئلة التي تمكّنه من تحديد المشكلة مثل:
أ- ما هو الشعور العام قبل حصول المشكلة، وهل هو شعور طبيعي أم أنّ هناك مؤشرات حصلت كانت تشير إلى حدوث المشكلة؟
ب- ما هي لطريقة التي يتمّ التفكير من خلالها قبل حدوث المشكلة؟ وهل طريقة التفكير هذه صحيحة أم خاطئة أم أنها تشير إلى حدوث أمر ما مستغرب؟
ج- ما هو الوصف العام للشخصية قبل حدوث المشكلة وهل تخرج عن نطاق المنطق والمعقول، أم أنها تتغيّر بصورة ملحوظة يمكن رصدها؟
3. تحديد المكاسب الثانوية للسلوك والمشكلة:
من خلال هذا الأمر يمكن للمرشد النفسي أن يعرف ما هي المكاسب التي يحصل عليها المسترشد لدى تغيّر سلوكه، وهل لظهور المشكلة أمر يرى المسترشد أنه سيكون سبباً في إيجاد الحلول، كما ويجب على المرشد أن يعرف ما هي الأمور الإيجابية التي يحصل عليها المسترشد جرّاء استمرار المشكلة، وهل يشعره هذا الأمر بالراحة ويتناسب مع طبيعة شخصيته، أم أنه أمر يحدث رغماً عنه؟ فإن استطاع المسترشد الإجابة على هذه الأسئلة سيتمكن وقتها المرشد من تحديد المشكلة ومعرفة الطريقة المثلى للتخلّص منها ومعالجتها بأفضل الوسائل الممكنة.
4. تحديد الحلول والاستراتيجيات السابقة المستخدمة:
ومن خلال هذا الأمر يمكن للمرشد النفسي أن يعرف إن كان هنام معرفة سابقة للمسترشد عن المشكلة، وما هي الحلول والاستراتيجيات العامة التي تمّ استخدامها سابقاً من قبل المسترشد، وهل لهذه الحلول نتائج مسبقة، أم أنها كانت على سبيل الاستعراض فقط؟ ومن خلال هذا التحديد يمكن للمرشد أن يبتعد عن الحلول والاستراتيجيات السابقة التي لم تؤتي نتائج إيجابية، ويبدأ في استخدام أساليب وحلول جديدة من شأنها حلّ المشكلة بصورة أفضل، بحيث لا يقوم المرشد بتكرار الحلول التي كانت ذات نتائج سلبية، ويقوم بطرح عدد من الأسئلة مثل:
أ- هل هناك طريقة قد تعاملت من خلالها مع المشكلة سابقاً، وهل هذه الطريقة قد تمّ التعامل معها من قبل المسترشد نفسه، أم أنّ هناك شخص آخر قد قام بتقديم المساعدة، وهل هذا الشخص هو مختص في مجال الإرشاد النفسي، أم أنه مرشد عام فقط ويرغب في تقديم النصيحة؟
ب- ما النتيجة التي ترتبت عليها الأساليب الإرشادية السابقة، هل كانت إيجابية مؤقتة، أم سلبية، أم أنه لا يوجد أي تغيير على حالة المشكلة وبقيت المشكلة كما هي؟ كونه لم يتمّ التمكّن من تحديدها بصورة جديرة.
ج- هل للأسلوب الذي تمّ اتباعه مسبقاً نتائج إيجابية تمّ متابعتها عن طريق المرشد، أم أنه تمّ الوصول إلى طريق مسدود ولم يتم إكمال العملية الإرشادية بصورة جيّدة.
5. تحديد وعي المسترشد بالمشكلة:
ومن خلال هذا الأمر لا بدّ للمسترشد من استشعار المشكلة ومعرفة النتائج السلبية التي تؤدي إليها، وهذا الوعي الجيّد للمشكلة لا يمكن أن يتمّ لمسه دون أن يتمّ تحديده من قبل المرشد بصورة جيدة، وعرض أبرز الأثار السلبية التي أثرت بصورة مباشرة على الشخصية جرّاء هذه المشكلة، وهنا يبدأ المسترشد باستشعار الخطر ويبدأ بالتفكير بصورة مطلقة في طريقة للتخلّص من هذه المشكلة كونه على وعي تام بأنّ استمرارها سيؤدي إلى مصائب ومشاكل نفسية أخرى، ستكون نتائجها كارثية على المستوى الشخصي المهني والاجتماعي والنفسي.
6. تحديد شدة وزمن ودرجة تكرار المشكلة:
من أجل تحديد المشكلة لا بدّ من معرفة المرشد بالزمن الذي تظهر فيه المشكلة والموقف الذي يزداد تأثيرها من خلالها، وما مدى استمرارها، هل هو طويل أم قصير الأمد؟ وهل تتكرّر المشكلة في فترات زمنية بعيدة أم أنها تظهر بصورة مستمرة؟ فإذا تمّ تحديد هذه المعايير من قبل المسترشد سيسهل تحديد المشكلة ومعرفة مدى تأثيرها وأفضل الطرق لحلّها.