عادات العقل وطبيعة السلوك الإنساني

اقرأ في هذا المقال


تعد كل السلوكيات التي يقوم بها المرء تصدر من الدماغ والعقل، ويحظى النصيب الأكبر من هذه السلوكيات إلى العادات العقلية والتي تعود بالأثر العظيم في حياة الإنسان، فالدماغ لدى الإنسان سيعمل على إبداء الاهتمام بالسلوك والعمل الذي يقوم به المرء بشكل مكرر والذي عادةً ما يتبع هذا السلوك الشعور باللذة والمتعة والراحة، ويعود ذلك لأنّ هذا السلوك يكون قد تجذّر في الممرات العصبية فيصبح بذلك سلوك روتيني يتم القيام به بشكل تلقائي بحيث لا يحتاج إلى جهد كبير.

عادات العقل وطبيعة السلوك الإنساني

تعتمد تفسيرات السلوكيات البشرية على عدة أمور منها فهم الطبيعة البشرية وكذلك العوامل الاجتماعية المتعددة والتي لها علاقة في تشكيل السلوك البشري، فبالنسبة للطبيعة البشرية بحث علماء الأخلاق وكذلك الفلاسفة فيها من عدة جوانب مختلفة، ولذلك كان موضوع الاهتمام بتنمية عالم الطبيعة الإنسانية أمرًا في غاية الأهمية من خلال الاعتماد على العلم الحديث في هذا المجال.

تفسير العادة والعلاقات البشرية للمربي جون ديوي

قام العالم والمربي جون ديوي بتفسير السلوكيات البشرية والإنسانية والذي يعتبر عالمًا في المجال التربوي أكثر من المجال الفلسفي، وذلك بسبب أنّ من وجهة نظره أنّ المجال التربوي هي المادة العملية والتطبيقية للمجال الفلسفي، حيث كل منهما يعتمد على علم العادات حسب ما يرى ديوي، معللًا ذلك باستغلال مهارات الذكاء والتفكير لدى المرء، ويدخل وينتشر في عدة ميادين مختلفة من العلاقات البشرية ذات التعقيد العالي حيث اتخذ ديوي من التربية طريقة ووسيلة لرسم الانسجام والاتفاق بين الطبقات والعناصر المتعددة في المجتمع.

في وجهة نظر ديوي يرى العادة بأنّها تحتاج إلى علاقة تشاركية بين الفرد وبيئته، فلا يمكن التصور بأنّ هناك تشكيل للعادة بين فرد من جانب والبيئة من الجانب الآخر، ولربما أنّ الأفكار الخاطئة في المجال الأخلاقي أتت نتيجة الفصل والعزل بين هذين الجانبين -الفرد والبيئة- حيث أنّ الترتيبات الأخلاقية التي تهتم بها الذات بمعزل عن غيرها من الجوانب سواء كانت جوانب طبيعية أم اجتماعية، ونتيجة عزلها للذات عن البيئة التي تعيش فيها يكون الأمر في عزل الشخصية عن العمل والسلوك وبالتالي عزل الدوافع عن الأعمال الحقيقة، حيث أنّ الأخلاق بما فيها من فضيلة ورذيلة هي ليست من الملكيات الشخصية للفرد بل إنّها نوع من التكيفات الواقعية ما بين قدرات الفرد والبيئة التي تحيط الفرد.

وبذلك حسب ما يفسرها ديوي بأنّها ما هي إلّا نوع من التفاعل بين عوامل وعناصر تساعد في التشكيل العام للمرء وبين عوامل أخرى تعود بالاهتمام للبيئة، وبالتالي يؤكد جون ديوي على علم نفس العادة والذي يحتوي على العمل المنظم والمستقر الذي يحتوي على التكيف من جانب الظروف المحيطة، وهنا يصبح معنى النشاط الفطري مكتسب، وذلك إننا إذا نظرنا إلى العادات على أنّها نشاطات منتظمة نجدها ثانوية مكتسبة وليست فطرية أصلية إلا أنّها تكون جزء مما يوهبه الإنسان عند والدته.

فالمظاهر والمشاعر الإنسانية مثل الغضب والغيظ الشديد والانتقام بالدم والقتل والسخط الشديد هي ليست من الدوافع الفطرية النقية، بل إنّها هي عبارة عن عادات تكونت بسبب التواصل والتفاعل مع الأخرين ممن لديهم عادات متكونه بالفعل يستعملونها في معاملاتهم التي تجعل من الانطلاق الأعمى غضباً له معنى.

تفسير العادة والعلاقات البشرية عند العلماء

حاول علماء النفس شرح الأحداث المعقدة في حياتنا الخاصة والعامة بالرجوع إلى القوى الفطرية في الطبيعة الإنسانية والتي تسمى غرائز، حيث أنّها تمثل الدور الأكبر المحاور التي تدور حولها تنظيم النشاطات تنظيماً جديدًا، ويمكن القول أنّ الدوافع تكسب العادات القديمة اتجاهات جديدة وتغير من صفاتها، وهذه الدوافع إذا تم استقلالها من قبل التربية يمكن إعادة تنظم العادات تنظيمًا جديدًا يوجه من خلاله المتعلم العناصر الجديدة في المواقف الجديدة، وهكذا يكون الدافع هو مفتاح المرونة والتغير بالنسبة للعادة مثل عادة التفكير وعادة الشعور التي تشكلها ظروف المجتمعات.

كما يعد فهم العادة وأنواعها المتعددة دورًا رئيسيًا ومفتاحًا في علم النفس الاجتماعي، في حين أنّ فهم الدوافع وقدرة الذكاء مفتاحًا للعمل العقلي، إلّا أنّهما يشكلان عاملان ثانويان فيما يتعلق بالعادة، ولفهم واستيعاب العقل بشكل عملي بأنّه عبارة عن نظام يحتوي على أفكار ومعتقدات وأهداف وكذلك رغبات والتي تشكل معًا بتفاعلها الاستعداد البيولوجي مع البيئة المحيطة.

هذا يجعل استمرار عادات الحياة الراقية المهذبة والعادات الفردية في سلسلة من الحلقات الحضارة الإنسانية خالدة، ويتوقف معناها على البيئة التي ورثناها من أسالفنا والتي نشعر بالتحسن الذي يطرأ عليها كلما نظرنا بعين المستقبل إلى ثمار أعمالنا في ذلك العالم الذي سيعيش فيه أولئك الذين سيخلفوننا، فإذا وقفت الظروف عائقًا أمام تنفيذ عاداتنا كان هذا بدية التفكير في الهدف وكان هذا أيضًا الوسيلة الأولى لتحقيقه، فالعادة دافعة نحو تحقيق هدف ما أو نتيجة ما وسواء كان هذا الهدف بعيدًا أم قريباً فالشخص الذي يستطيع المشي يمشي والشخص الذي يستطيع الكلام يتكلم حتى ولو كان ذلك مع نفسة.

ولكن كيف تتفق هذه العبارة مع حقيقة أننا ألا نمشي على الدوام وألا نتكلم على الدوام، وأنّ عاداتنا تبدو في أحوال كثيرة وكأنها كامنه غير نشطة؟ هذا الكمون وعدم النشاط يكون صحيحاً بالنسبة للعملية التي يمكن رؤيتها بوضوح أي العملية العلنية، وفي الواقع تقوم كل عادة بعملها طول حياتنا الواعية ولكن عملها لا يصبح السمة المميزة للعمل إلّا أحيانًا أو نادرًا تماماً كما يتناوب قيادة السفينة بحاروها.


شارك المقالة: