علاقة علم التربية وعلم الاجتماع:
التربية في المنظور العام هي عملية اجتماعية سواء من حيث تعريفها أو دورها ووظيفتها أو حتى الغرض منها، أما من ناحية المجتمع فله دور رئيسي في التربية، من حيث تنسيق وترتيب السياسات التربوية والتعليمية التي تتوافق مع أهداف المجتمع وثقافته وحاجته، والمعنى من ذلك هو أن المجتمع هو الذي يعين الطريقة التربوية الواجب اتباعها، فالتربية لا توجد في محيط خالي، بل تعيش تحت منصة المجتمع الذي له قضاياه ومطالبة وأيضاً آماله.
فالتربية تستند على أسس التنشئة الاجتماعية الممنهجة التي تتبعها الأجيال السابقة أو البالغة على الجيل الصاعد الذي لم يبلغ بعد ليواجه صعوبات وتحديات المجتمع من خلال إنشاء تفاعل فسيولوجي ذات طابع فكري وأخلاقي لدى الفرد والذي يتطلبه المحيط والوسط الثقافي وأيضاً السياسي العام وكذلك الوسط الاجتماعي الخاص.
علم الاجتماع التربوي:
هناك مفاهيم عديدة حول علم الاجتماع التربوي ومنها:
يرى جورج باين أن علم الاجتماع التربوي:
” هو العلم الذي يصف ويفسر النظم والطوائف والعمليات الاجتماعية، ويُقَيِّم طبيعة العلاقات التي يكتسب الفرد فيها أو عن طريقها تجاربه ويقوم بتنظيمها “.
أما روني أوبير (René Hubert) فقد كان مفهومه عن سوسيولوجيا التربيةأنها:
” الدراسة المقارنة لشروط عمل مختلف الأنظمة المدرسية وأشكال تكيفها مع الظروف العامة للبيئة الاجتماعية وأوجه إسهامها في الحفاظ على هذه البيئة الاجتماعية أو في تغييرها. “
ويضيف Cherkaoui: “إن الأداء الأول لعلم الاجتماع التربوي هي: “البحث والدراسة في مواضيع حيازية مقارنة للاتجاهات المختلفة من الأنظمة الاجتماعية في العديد من المجتمعات، في زمن الماضي وفي زمن الحاضر، وعبر جميع دول العالم”.
ويؤكد علماء الاجتماع على أن الصلة بين علم الاجتماع وعلم التربية صلة متينة ومتماسكة، فالتربية تنتفع وتكسب من علم الاجتماع في إدراك الصلة المترابطة بين التربية والمجتمع؛ وذلك لأن التربية تتكيف لطبيعة المجتمع وتمشي في الطريق المحدد، وعلم الاجتماع يدعم ويقوي التربية من فهم إدراك الحياة الاجتماعية للمؤسسات التربوية على مختلف فروعها ومساراتها والغاية منها؛ لكي تصبح التربية مستجيبة للمجتمع، ويكون المجتمع منتفع من ثمار التربية وأدائها، بتعبير آخر، فبعض الباحثين من يدلي بقوله بأن التناول السوسيولوجي للظاهرة التربوية “التي نعتبرها ظاهرة اجتماعية ممتازة” وللمؤسسة المدرسية على وجه الخصوص.
ومن هذا المنطلق فإن علم الاجتماع التربوي أتى ليعطينا أبحاث ودراسات الهدف منها معرفة دوافع السلوك الاجتماعي لدى الفرد وصلته مع البيئة الاجتماعية المحيطة بهدف فهم واستيعاب هذا السلوك وتفسيره والتنبؤ به والسيطرة عليه، ومن ثم استخدامه لخدمة أهداف تربوية نستطيع من خلالها الإلمام بجوانب من الممكن أن تكون مصيرية بالنسبة لمسيرة الفرد في الحصول على التعليمات والمهارات والمعارف المهمة، والانخراط في المجتمع بطريقة لا تقصد اختلافاته الفردية ولا حتى خصوصياته الثقافية.
أما عن العلاقة بين علم التربية وعلم الاجتماع فإنها علاقة متينة ووثيقة، وهذا يستدل على أهمية وجودها والسبب في وجودها، حيث تمّ إيجاد ما يطلق عليه “علم الإجتماع التربوي ” الذي تأسس وتطور في القرن العشرين، وهو العلم الذي يضم ما بين علم الاجتماع وعلم التربية، حيث يعد أحد فروع علم الاجتماع الشائعة والعديدة ويهدف للكشف عن مدى الصلة ما بين العمليات الاجتماعية والعمليات التربوية، وقد أضحى هذا العلم ” علم الاجتماع ” علماً تعمم في الجامعات والكليات وفي العديد من دول العالم.
يقيد علم الاجتماع علم المجتمع وأيضاً علم دراسة الظواهر الاجتماعية ونشاطاتها المتعددة، لتقوم التربية في أداء مهامها ووظائفها، وأيضاً كل الأسس الاجتماعية هي أسس ضرورية في العملية التربوية؛ لأن التربية لا تتكون في فراغ، وإنما في مجتمع لديه أسسه وعلاقاته الاقتصادية وأيضاً الثقافية والسياسية والتربوية، وبالتالي فإن المجتمع يحتاج إلى تربية، خصوصاً أن التربية تهدف الى تكيف الإنسان مع محيطه وبالتأكيد مجتمعه بما يكفيه من نماذج ثقافية وعادات مختلفة، وذلك من خلال ما استفادت من النتائج التي حصل عليها علم الاجتماع والتي تسعى بدورها إلى تطبيقها ذلك في الميدان.
يهتم علم الاجتماع بالدراسة حول سلوك المجتمعات المتطورة، وأيضاً خصائص الظواهر الاجتماعية، والعلاقات المتبادلة بينهما، لذا يُعتبر أحد أجزاء العلوم الإنسانية، كما يعتبر أحد المرتكزات الضرورية للتربية، إذ يتصل معها عن طريق دراسته للعديد من المسائل الاجتماعية المختلفة وأيضاً المسائل الثقافية، حيث ارتبطا معاً في علم الاجتماع التربوي الذي يعنى بدراسة النظم التربوية في مجتمعات عديدة ومختلفة، والتي تهدف إلى تفسير صلة الأفراد مع مجتمعاتهم، وسبل التفاعل بينهم.
وفي النهاية فإن التربية تهدف إلى تبديل الكائن غير اجتماعي ليكون كائناً اجتماعياً، ومن هنا فإننا نقول إن علم الاجتماع يعتني بدراسة جميع الأنظمة التربوية وأيضاً الظواهر المدرسية وطريقة أدائها في تبديل وتغيير المجتمع من خلال صلتها مع الأسرة والمحيط وأيضاً مدى تأثرها مرجعيتها الثقافية والدينية، وتفاعل هذه الأنظمة مع القوانين السياسية والاقتصادية.