علم النفس الإيجابي والنهج الإنساني لعلم النفس

اقرأ في هذا المقال


علم النفس الإيجابي:

تم تعريف علم النفس الإيجابي على أنه أحد الدراسات العلمية للتجارب الإيجابية والخصائص الفردية الإيجابية والمؤسسات، التي تسهل تطورها والبرامج التي تساعد على تحسين نوعية حياة الأفراد، تم تعريفه أيضاً على أنه الدراسة العلمية للفضائل البشرية ونقاط القوة التي تسمح باعتماد منظور أكثر انفتاح فيما يتعلق بالإمكانات البشرية ودوافعه وقدراته، فعلم النفس الإيجابي ليس حركة فلسفية أو روحية وليس ممارسة للمساعدة الذاتية أو طريقة سحرية للوصول إلى السعادة.
بالنسبة لسليجمان فإن مفهوم علم النفس الإيجابي ليس جديداً في علم النفس، منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية كانت الأهداف الرئيسية لعلم النفس هي ثلاثة؛ علاج الاضطرابات العقلية ومساعدة الناس على العيش حياة أكثر اكتمالاً وإنتاجية وتحديد وتطوير مواهب الناس وذكائهم، مع ذلك بعد الحرب أدت الأحداث والظروف المختلفة إلى نسيان علم النفس اثنين من هذه الأهداف التي تركز حصريًا على الاضطرابات النفسية والمعاناة الإنسانية، بعد الحرب وبسبب ظروف مختلفة تم التخلي عن هذه الأهداف الأخيرة وخصص علم النفس لعلاج الاضطرابات النفسية.

علم النفس الإيجابي والنهج الإنساني لعلم النفس:

إن التطور النظري والبحثي الذي سيطر على علم النفس على مر السنين، قد تركز على المشاعر السلبية والضعف البشري بشكل عام، مما أدى إلى ظهور إطار من الانضباط المائل نحو علم الأمراض والذي أثر على المجال لدرجة أن يتم تحديدها على أنها علم الأمراض النفسي أو العلاج النفسي، كنتيجة لهذا النهج الحصري تقريباً بشكل مرضي، طور علم النفس بعض نماذج التدخل الفعالة والفعالة للعديد من المشكلات النفسية، على حساب التقدم في الأساليب والاستراتيجيات للوصول إلى الموارد ونقاط القوة لدى الأفراد وتحسينها، بالتالي لا توجد معرفة راسخة متوفرة حالياً في هذا المجال اللاحق.
يؤكد بعض العلماء أن أحد تحديات علم النفس خلال السنوات القادمة، سيكون تكريس المزيد من العمل الفكري لدراسة الجوانب الإيجابية للتجربة الإنسانية، بالإضافة إلى فهم وتقوية تلك العوامل التي تسمح للأفراد والمجتمعات والشركات بالازدهار، لتحسين نوعية حياتهم وكذلك لمنع الأمراض التي تنشأ من الظروف المعيشية المعاكسة، الهدف من ما يسمى بعلم النفس الإيجابي هو بالضبط تحفيز هذا التغيير داخل المجال وتحويله نحو تطوير نقاط القوة لدى الناس.
تم اقتراح مصطلح علم النفس الإيجابي من قبل مارتن سيليجمان، الذي بعد أن كرس جزء كبير من حياته المهنية لدراسة العجز المكتسب والاضطرابات النفسية، قام بتحويل جذري نحو دراسة ما أسماه بالفضائل الإنسانية ونقاط القوة، أوضح سيليجمان وشيكسينتميهالي أنه مع ذلك، فإن المقاربات الأولى تجاه علم النفس الإيجابي تعود إلى أواخر عشرينيات القرن العشرين مع كتابات واتسون فيما يتعلق بالرعاية النفسية للأطفال.
اقترح سيليجمان أن علم النفس الإيجابي يتم تعريفه على أنه الدراسة العلمية للتجارب الإيجابية والخصائص الفردية الإيجابية، هذا يشمل المؤسسات التي تسهل تطوير هذه التجارب الإيجابية وكذلك البرامج التي تساعد على تحسين نوعية حياة الأفراد، مع منع أو الحد من حدوث الأمراض النفسية، يتم تعريفه أيضًاً على أنها الدراسة العلمية للفضائل الإنسانية ونقاط القوة التي تسمح باعتماد منظور أكثر انفتاح فيما يتعلق بالإمكانات البشرية، هي تشمل الفضائل المدنية والمؤسسية التي توجه الأفراد لتحمل المسؤوليات في مجتمعهم وتعزز الخصائص ليصبحوا مواطنين أفضل.
من ناحية أخرى هناك نقاط قوة شخصية أو قوة شخصية لكل فرد يمكن تطبيقها أيضاً، وفقًا لسليجمان يتمتع كل فرد بنقاط قوة شخصية خاصة، بالنسبة لبيريرسون وسليجمان؛ يشير مفهوم الفضيلة أو القوة إلى تلك القدرات التي يمكن اكتسابها من خلال إرادة الشخص والتي تمثل سمات شخصية إيجابية، صمم Perterson وSeligman أداة قياس لنقاط القوة البشرية، على أساس تصنيف الموارد الإيجابية الفردية، التي تقيس الدرجة التي يتمتع فيها الفرد بكل من نقاط القوة والفضائل.
نقاط القوة هذه هي سمات أو خصائص نفسية موجودة في مواقف مختلفة طوال الوقت وعواقبها عادة إيجابية، اقترح سيليجمان أن وضع أي ثبات أو قوة في الممارسة يؤدي إلى مشاعر إيجابية حقيقية تعمل بمثابة حواجز ضد الأمراض، من بين هذه العوائق التفاؤل والقدرات الشخصية والإيمان والعمل الأخلاقي والأمل والصدق والمثابرة والقدرة على التدفق أو التجربة المثلى.
بالنسبة لسليجمان يمكن أن تتركز المشاعر الإيجابية في الماضي أو الحاضر أو ​​المستقبل، تشمل المشاعر المتعلقة بالماضي الرضا والرضا والإدراك الشخصي والفخر والصفاء، تلك المتعلقة بالحاضر هي السعادة والهدوء والحماس والنشوة والسرور وأهمها ما يسمى بالتدفق، يشمل هذا التدفق السعادة والكفاءة المتصورة والاهتمام الجوهري بالنشاط المنفذ، أما المشاعر المتعلقة بالمستقبل هي التفاؤل والأمل والإيمان والثقة، هذه الجوانب العاطفية الثلاثة مختلفة ولا تكون بالضرورة مرتبطة.
علم النفس الإيجابي هو تعبير استخدمه ماسلو في النهج الإنساني لعلم النفس في عام 1968، لسوء الحظ لم يكن علم النفس الإنساني مصحوب بقاعدة تجريبية صلبة وأدى إلى ظهور قدر هائل من الحركات المشكوك فيها وغير الجديرة بالثقة في الذات، مع ذلك منذ التسعينيات اكتسب علم النفس الإيجابي زخم جديد على الرغم من تجاهله لفترة طويلة، كان أحد أكبر الباحثين فيه مارتن سيليجمان من خلال البحث العلمي والعمليات التي تكمن وراء نقاط القوة والعواطف الإيجابية للبشر.
اقترح فيرا أن الغرض من علم النفس الإيجابي هو المساهمة في دراسة الظروف والعمليات المتعلقة بالتنمية المثلى للأفراد والجماعات والمؤسسات، كان لهذه المساهمات تأثير على مجالات التدخل المختلفة لعلم النفس وخاصة في المجالات السريرية للصحة والتعليم، حيث لوحظ وجود تركيز أكبر؛ على المستوى السريري يتمثل أحد أهداف علم النفس الإيجابي في تغيير إطار التدخل نحو تطوير استراتيجيات علاجية تفضل التجربة العاطفية الإيجابية، هذه التجربة العاطفية موجهة نحو الوقاية والعلاج من المشاكل الناتجة أو التي تتفاقم بسبب وجود المشاعر السلبية مثل القلق والاكتئاب والعدوان والتوتر.
تتمثل إحدى تحديات علم النفس الإيجابي في أنه يفترض تطوير أدوات قياس موثوقة وصالحة وقادرة على قياس المتغيرات وتمييزها في هذا المجال. إن التقييم التقليدي والنماذج المنبثقة عنه جعلت أمراض الناس ونقاط ضعفهم أكثر وضوحًا. يعد إنشاء الأدوات التي تسمح بتقييم الموارد والعواطف الإيجابية أمرًا ضروريًا حتى تتمكن من تطوير نماذج أكثر صحة وديناميكية ووظيفية. ولهذه الغاية، صمم سيليجمان وكريستوفر (2000) أداة قياس بناءً على تصنيف الموارد الإيجابية الفردية، أو جرد نقاط القوة.

التوجه التقليدي لعلم النفس الإيجابي:

نظراً للتوجه التقليدي لعلم النفس الإيجابي، يمكننا اليوم الاعتماد على معرفة قوية بآثار المشاعر السلبية مثل الخوف والحزن والغضب والنفور والسخط والنفور، من بين أمور أخرى على ما يسمى باضطرابات الصحة الجسدية والعقلية، مع ذلك فإن الهدف الملموس لعلم النفس الإيجابي هو دراسة نقاط القوة والفضائل البشرية، فضلاً عن الآثار التي تحدثها على الأفراد والمجتمع بشكل عام، اعتبر سيليجما أن هذا النوع من النهج يشكل أيضاً استراتيجية قيمة للوقاي، حيث تعمل هذه الفضائل كحاجز ضد الاضطرابات النفسية ويمكن أن تسهم بطريقة مهمة في التعافي.
توجد دراسات حول تطوير الحوافز الأكاديمية الخارجية وبيئات التعلم والخدمات الموجهة للأسرة، أكدت هذه الدراسات على توليد وتحسين نقاط القوة من خلال نهج إيجابي واستباقي، يركز علم النفس التربوي من منظور إيجابي اهتمامه على نقاط القوة أو السمات الإيجابية المحددة للأشخاص والمجموعات في البيئات التربوية، وفقاً للدراسات التي أجريت في هذه البيئة، فإن أعضاء هيئة التدريس التي تركز التوجه التقليدي لعلم النفس الإيجابي في تنمية قدرات الأطفال، تجعل من الممكن لهؤلاء الأطفال أن يكون لديهم احتمالية أكبر لتجربة مستويات أعلى من الكفاءة الذاتية.
بهذا المعنى أكدت التدخلات الوقائية أنه يجب التوجه نحو تعديل البيئة لتقليل التوتر وتعديل الفرد لتطوير الكفاءات، كذلك تعديل كليهما بطريقة متزامنة، فالبيئات التعليمية التي يتم فيها تقديم المكافآت بطريقة عرضية مع تحقيق الأهداف الواقعية بنجاح لديها احتمالات أكبر لزيادة الدافع وتقليل السلوكيات الإشكالية للأطفال والشباب، بالنظر إلى أن هذا منظور جديد لنهج علم النفس، فإن مقترحاته الأساسية قابلة للتطبيق في جميع المجالات التي كان الانضباط موجوداً فيها، هذا لا يظهر فقط مجال واسع ونشط ولكن الكثير من بدائل البحث والتدخل.
بهذا المعنى فإن أحد التحديات الرئيسية لعلم النفس الإيجابي يفترض على سبيل المثال؛ ترسيم المفاهيم وتطوير أدوات صالحة وموثوقة معتمدة لتقدير وتحديد المتغيرات المدروسة، من ناحية أخرى يوصى بالسعي وراء المعرفة الانضباطية المتراكمة في مجالات مختلفة من المجال واستخدامها من منظور علم النفس الإيجابي، بالمثل من المتوقع أن تخضع الاستراتيجيات المستخدمة في المجالات السريرية والتعليمية والصحية وغيرها من مجالات التطوير إلى الصلاحية التجريبية، وأن تتم الموافقة على أدواتها بطريقة القياس النفسي.
في السنوات الأخيرة بدأ العديد من الباحثين مثل سيليجمان وفريدريكسون في الدراسة والتنظير في هذا المجال، حيث فتحوا طريقة جديدة لفهم علم النفس البشري وفقاً لنظريتهم ونماذجهم المطورة، يمكن توجيه المشاعر الإيجابية نحو تدخل الوقاية والعلاج بحيث يمكن تحويلها إلى أسلحة حقيقية من أجل تشجيع الناس على مواجهة المشاكل العاطفية.


شارك المقالة: