عملية صنع القرار الجماعي في علم النفس الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


في الحياة اليومية تتخذ المجموعات العديد من القرارات، حيث يكون بعض قرارات المجموعة هذه غير منطقية نسبيًا ومع ذلك يخدم البعض الآخر وظائف بالغة الأهمية، مثل تلك التي تقوم بها هيئات المحلفين، والفرق الطبية، واللجان السياسية، والمجالس الاستشارية للسلامة والصحة النفسية، لذلك تم إجراء الكثير من الأبحاث حول محددات وديناميكيات عملية صنع القرار الجماعي.

عملية صنع القرار الجماعي في علم النفس الاجتماعي:

وفقًا لكثير من الأبحاث تمر معظم المجموعات التي تقوم بعملية اتخاذ وصنع القرار الجماعي من خلال مراحل تختلف من مجموعة لأخرى، حيث تتمثل هذه المراحل في مجموعة محددة من خلال التوجيه أي تحديد الموقف والإجراءات، والتقييم لمناقشة الأفكار والآراء، ثم القرار في تحديد ما يجب القيام به.

في مجموعة أخرى تم اقتراح مجموعة من نماذج المرحلة البديلة، حيث تتمثل هذه المراحل في التشكيل وتحديد المهمة، والعصف الذهني أي التعامل مع الصراع، وردود الفعل العاطفية، والمعايير أي تطوير تماسك المجموعة، والتعبير عن الآراء، والأداء أي حل المشكلات.

على الرغم من الاختلافات في المصطلحات والعدد المحدد من المراحل، تشترك النماذج المختلفة في فكرة المرحلة الأولية التي تحدد المشكلة، والمرحلة الوسطى التي تتضمن العمل على المشكلة، والمرحلة النهائية التي يتم فيها عملية صنع القرار الجماعي، ويمكن توضيحها من خلال ما يلي:

المرحلة الأولية:

تتمثل المرحلة الأولية في المجموعات التي تكرس وقتًا وجهدًا أكبر نسبيًا لقضايا التوجيه، حيث تنتج بشكل عام حلولًا عالية الجودة وتكون عمومًا أكثر رضا عن التفاعلات والنتيجة النهائية، إلا أن معظم المجموعات نادرًا ما تناقش قضايا التوجيه أو الاستراتيجيات.

المرحلة المتوسطة:

بالنسبة لعمليات المرحلة المتوسطة فقد ثبت أن المساهمات المتنوعة والتقييمات النقدية والتعبير عن الالتزام والتقييمات المستمرة للأداء كلها تسهل صنع قرارات المجموعة الفعالة، ومع ذلك فقد أظهرت الدراسات أن المجموعات تنخرط أيضًا في كثير من الأحيان في عمليات تؤدي إلى نتائج عكسية في هذه المرحلة، مثل المماطلة أو تجاهل الحلول المعقولة أو حجب التعليقات النقدية أو التقليل من أهمية المناقشة أو تجنب المسؤولية عن القرار.

المرحلة النهائية:

الجانب الأكثر بروزًا في المرحلة النهائية هو تنفيذ قاعدة القرار أو مخطط القرار الجماعي الذي يحدد كيفية دمج تفضيلات أعضاء المجموعة الفردية لتوليد قرار جماعي واحد، حيث أن قاعدة القرار الصريح الأبرز عبر جميع أنواع المجموعات البشرية هي قاعدة الأغلبية أو قاعدة التعددية وثيقة الصلة.

بالتالي تم إجراء القليل من الدراسات في البحث النفسي التجريبي حول كيفية تنفيذ أو إجراء القرارات بمجرد اتخاذها، وهناك دليل على أن التنفيذ يكون أكثر نجاحًا إذا شارك أعضاء المجموعة عن كثب في عملية صنع القرار الجماعي، وتزداد احتمالية الإحجام إذا أُمر أعضاء المجموعة ببساطة بتنفيذ قرار ليس لهم دور في تحديده.

تاريخ صنع القرار الجماعي في علم النفس الاجتماعي:

يمكن تتبع التحليل العلمي لعملية صنع القرار الجماعي في فلسفات سقراط وأرسطو، حيث أن الحوار السقراطي على سبيل المثال مبني على افتراض أن الخطاب الجماعي يمكن أن يؤدي إلى حقائق أكبر مما يمكن أن تؤديه الانعكاسات الفردية، في حين أن هناك بعض الاستثناءات الجديرة بالثناء، لم تتخذ دراسة اتخاذ القرار الجماعي شكلها المعاصر حتى ظهور علم النفس الاجتماعي في الثلاثينيات.

هذا النهج الذي بدأه شخصيات بارزة مثل كورت لوين ومظفر شريف وفلويد أولبورت، يؤكد على جمع الأدلة العلمية، والجدير بالذكر في حين أن علم النفس الاجتماعي هو الانضباط الأكثر ارتباطًا بالتأسيس والدراسة الحالية لقرارات المجموعة، فقد جاءت العديد من المساهمات المهمة من مجالات أخرى، بما في ذلك علم الاجتماع والأعمال والتعليم والعلوم السياسية.

ركز نقاش مبكر على السؤال الأساسي حول ما إذا كان يمكن اعتبار المجموعات حقيقية أم لا بمعنى امتلاكها لخصائص قابلة للقياس علميًا تتجاوز أعضائها الفرديين، حيث جادل فلويد أولبورت في زعم أن المجموعات يمكن فهمها بالكامل من خلال دراسة أفرادها وأن هذا هو الموقف الوحيد الصحيح علميًا، وجادل لوين وشريف بعكس ذلك، من خلال جمع البيانات التجريبية والتنظير المقنع، تمت تسوية الجدل إلى حد كبير بحلول الخمسينيات من القرن الماضي لصالح نهج المجموعات، على الرغم من أن بقايا الصدع لا تزال قائمة حتى يومنا هذا.

حددت بعض الدراسات المبكرة حول اتخاذ القرار الجماعي تأثيرات المجموعة الزائفة، والنتائج التي يبدو أنها تنبثق من المجموعات ولكنها تُعزى إلى المبادئ الإحصائية، على سبيل المثال عندما يجمع العديد من الأشخاص مدخلاتهم لتوليد قرار واحد، فإنهم سيتفوقون بشكل موثوق على الأفراد الذين يعملون بمفردهم.

ومع ذلك يمكن أن يعزى هذا التأثير إلى مبدأ التجميع الإحصائي، حيث يمكن أن تؤدي زيادة حجم المجموعة أيضًا إلى نتيجة أفضل لمجرد أنها تزيد من احتمال أن يكون لدى أحد الأفراد المهارات أو المعرفة المطلوبة، في حين أن هذه التأثيرات حقيقية، يمكن تفسيرها بالمبادئ الإحصائية ويتم رفضها عمومًا على أنها تأثيرات جماعية حقيقية

استقطاب المجموعة في عملية صنع القرار الجماعي:

يشير الاستقطاب الجماعي إلى المبدأ الراسخ المتمثل في أنه بعد مناقشة جماعية، يميل الناس إلى اتخاذ مواقف أكثر تطرفًا مقارنة بميولهم المسبقة، وهكذا على سبيل المثال ستصبح مجموعة من الأفراد ذوي التحيز المعتدل أكثر تحيزًا بعد مناقشة المجموعة، في حين أن مجموعة الأفراد منخفضة التحيز إلى حد ما ستصبح أقل تحيزًا بعد المناقشة.

الآثار المترتبة على اتخاذ القرار الجماعي واضحة تتمثل في مجموعة الأفراد الذين يميلون إلى حد ما نحو قرار معين على سبيل المثال القيام باستثمار أو إعلان أن المدعى عليه مذنب، وتعيين مرشح محدد، ومن المرجح أن تصبح أكثر تماسكًا وتطرفًا في هذا الموقف كدالة للمناقشة الجماعية.

بعد عقود من البحث النفسي الاجتماعي تم تحديد عاملين أساسيين لاستقطاب المجموعة وفقًا للحجج المقنعة أو تفسير التأثير المعلوماتي، حيث تولد مناقشة المجموعة مجموعة كبيرة من الحجج أو المعلومات التي تدعم الميول الأولية لأعضاء المجموعة، وهذا التعرض يعزز ثقة كل عضو في صحة وجهة نظره، مما يؤدي إلى موقف أكثر تطرفا.

التفكير الجماعي في عملية صنع القرار الجماعي:

تم إبراز مصطلح التفكير الجماعي الذي فحص العديد من قرارات المجموعة السيئة السمعة، حيث يحدث التفكير الجماعي عندما يكون أعضاء المجموعة عازمين جدًا على التوصل إلى إجماع بشأن قرار يفشلون في تقييم العيوب المحتملة لقرارهم بشكل نقدي أو التفكير بجدية في مسارات عمل بديلة.

معالجة المعلومات في عملية صنع القرار الجماعي:

للمساعدة في شرح بعض عمليات صنع القرار الجماعي، يضع بعض علماء النفس الاجتماعي تصورًا لمجموعات صنع القرار كمعالجين للمعلومات الجماعية، حيث أنه يعتبر أحد النماذج البارزة في هذا السياق المواقف التي يكون فيها أعضاء مختلفون في المجموعة مسؤولين عن مجالات مختلفة من المعرفة، ويُطلق على جهدهم المعرفي المشترك لجمع المعلومات وتحليلها وتوصيلها اسم نظام ذاكرة معاملات أو جماعي، وهو تقسيم تعاوني للعمل العقلي.


شارك المقالة: