تعود محاولات فهم العقل وعمله إلى الإغريق القدماء عندما حاول الفلاسفة مثل أفلاطون وأرسطو شرح طبيعة المعرفة البشرية، ظلت دراسة العقل من اختصاص الفلسفة حتى القرن التاسع عشر حتى تطوّر علم النفس التجريبي، بدأ فيلهلم وندت وطلابه أساليب معملية لدراسة العمليات العقلية بشكل أكثر منهجية، مع ذلك في غضون بضعة عقود أصبح علم النفس التجريبي يهيمن عليه علم النفس السلوكي؛ وفقاً لعلماء السلوك يجب أن يقتصر علم النفس على دراسة العلاقة بين المحفزات التي يمكن ملاحظتها والاستجابات السلوكية التي يمكن ملاحظتها.
فلسفة علم النفس المعرفي:
في عام 1956 بدأ المشهد الفكري يتغير بشكل كبير حيث لخص جورج ميللر العديد من الدراسات التي أظهرت أن قدرة التفكير البشري محدودة مع ذاكرة قصيرة المدى؛ على سبيل المثال تقتصر على حوالي سبعة عناصر، حيث اقترح أنه يمكن التغلب على قيود الذاكرة عن طريق إعادة ترميز المعلومات إلى أجزاء، كما أنّ التمثيلات العقلية تتطلب إجراءات عقلية لترميز المعلومات وفك تشفيرها، في هذا الوقت كانت أجهزة الكمبيوتر البدائية موجودة منذ بضع سنوات فقط، لكن الرواد مثل جون مكارثي ومارفن مينسكي وألين نيويل وهربرت سيمون كانوا من مؤسسي مجال الذكاء الاصطناعي.
بالإضافة إلى ذلك رفض نعوم تشومسكي الافتراضات السلوكية حول اللغة كعادة مكتسبة، حيث اقترح بدلاً من ذلك شرح فهم اللغة من حيث القواعد النحوية العقلية التي تتكون من القواعد، يمكن النظر إلى المفكرين الستة المذكورين في هذه الفقرة على أنهم مؤسسو العلوم المعرفية، يثير العلم المعرفي العديد من الأسئلة المنهجية المثيرة للاهتمام والتي تستحق البحث من قبل فلاسفة العلم.
تزايد أهمية التفسيرات العصبية في علم النفس التنموي والمعرفي والاجتماعي، تثير تساؤلات فلسفية هامة حول تفسير الحد؛ حيث أصبحت مناهضة الاختزالية التي بموجبها تكون التفسيرات النفسية مستقلة تماماً عن التفسيرات العصبية، غير قابلة للتصديق على نحو متزايد، إلا أنها تظل مثيرة للجدل إلى أي مدى يمكن اختزال علم النفس في علم الأعصاب والبيولوجيا الجزيئية، من الأمور الحاسمة للإجابة على الأسئلة حول طبيعة الاختزال هي الإجابات على الأسئلة حول طبيعة التفسير.
يُنظر إلى التفسيرات في علم النفس وعلم الأعصاب وعلم الأحياء بشكل عام على أنها أوصاف للآليات، فهي مجموعات من الأجزاء المتصلة التي تتفاعل لإنتاج تغييرات منتظمة، في التفسيرات النفسية الأجزاء عبارة عن تمثيلات عقلية تتفاعل من خلال الإجراءات الحسابية لإنتاج تمثيلات جديدة، في تفسيرات علم الأعصاب الأجزاء عبارة عن مجموعات عصبية تتفاعل عن طريق العمليات الكهروكيميائية لإنتاج نشاط عصبي جديد يؤدي إلى أفعال.
إذا استمر التقدم في علم الأعصاب النظري، فيجب أن يصبح من الممكن ربط التفسيرات النفسية بالعصبية من خلال إظهار كيف يتم تشكيل التمثيلات العقلية مثل المفاهيم من خلال الأنشطة في المجموعات العصبية، كذلك كيف يتم تنفيذ الإجراءات الحسابية مثل نشر التنشيط بين المفاهيم بواسطة العمليات العصبية، يوفر التكامل المتزايد لعلم النفس المعرفي مع علم الأعصاب دليل على نظرية هوية العقل والدماغ؛ التي وفقاً لها العمليات العقلية هي عصبية وتمثيلية وحسابية.
يجادل فلاسفة آخرون في مثل هذا التعريف على أساس أن العقول تتجسد في الأنظمة البيولوجية وتمتد إلى العالم، مع ذلك فإن الادعاءات المعتدلة حول التجسيد تتفق مع نظرية الهوية؛ لأن تمثيلات الدماغ تعمل في عدة طرائق مثل المرئية والحركية التي تمكن العقول من التعامل مع العال، يأتي البديل المادي الآخر لهوية العقل والدماغ من إدراك أن تفسيرات العقل تستخدم الآليات الجزيئية والاجتماعية بالإضافة إلى الآليات العصبية والتمثيلية.
التجارب النفسية:
العلم المعرفي لديه أفكار نظرية موحدة ولكن علينا أن نقدر تنوع وجهات النظر والأساليب التي يجلبها الباحثون في مختلف المجالات لدراسة العقل والذكاء، على الرغم من أن علماء النفس المعرفي اليوم غالباً ما ينخرطون في التنظير والنمذجة الحاسوبية، فإن طريقتهم الأساسية هي التجريب مع المشاركين من البشر، يتم إحضار الأشخاص الذين غالبًا ما يكونون طلاب جامعيين مستوفين لمتطلبات الدورة إلى المختبر، بحيث يمكن دراسة أنواع مختلفة من التفكير في ظل ظروف خاضعة للرقابة.
على سبيل المثال درس علماء النفس بشكل تجريبي أنواع الأخطاء التي يرتكبها الناس في التفكير الاستنتاجي والطرق التي يصوغ بها الناس المفاهيم ويطبقونها وسرعة تفكير الناس بالصور الذهنية وأداء الناس في حل المشكلات باستخدام المقارنات، يجب أن تستند استنتاجاتنا حول كيفية عمل العقل إلى أكثر من “الفطرة السليمة” والاستبطان؛ لأن هذه يمكن أن يعطي صورة مضللة عن العمليات العقلية والتي لا يمكن الوصول إلى الكثير منها بوعي، على نحو متزايد يستمد علماء النفس المشاركين التجريبيين من ومن مصادر متنوعة ثقافياً.
لذلك فإن التجارب النفسية التي تقترب بعناية من العمليات العقلية من اتجاهات متنوعة ضرورية لعلم الإدراك ليكون علمياً؛ التجريب هو كذلك المنهجية المستخدمة من قبل لذلك فإن التجارب النفسية التي تقترب بعناية من العمليات العقلية من اتجاهات متنوعة ضرورية لعلم الإدراك ليكون علمي، هو أيضاً المنهجية المستخدمة من قبل الفلسفة التجريبية، على الرغم من أن النظرية بدون تجربة فارغة، إلا أن التجربة بدون نظرية تكون عمياء.
لمعالجة الأسئلة الحاسمة حول طبيعة العقل، يجب أن تكون التجارب النفسية قابلة للتفسير ضمن إطار نظري يفترض التمثيلات والإجراءات العقلية، أحد أفضل الطرق لتطوير الأطر النظرية هو تشكيل واختبار النماذج الحسابية التي تهدف إلى أن تكون مماثلة للعمليات العقلية؛ لاستكمال التجارب النفسية على التفكير الاستنتاجي وتكوين المفهوم والتصور الذهني وحل المشكلات التناظرية؛ طور الباحثون نماذج حسابية تحاكي جوانب الأداء البشري، يعد تصميم النماذج الحاسوبية وبناءها وتجريبها الطريقة المركزية للذكاء الاصطناعي وهو فرع علوم الكمبيوتر المعني بالأنظمة الذكية.
غالباً ما يقوم علماء الأعصاب بإجراء تجارب مضبوطة لكن ملاحظاتهم مختلفة تماماً؛ لأن علماء الأعصاب يهتمون مباشرة بطبيعة الدماغ، مع غير البشر يمكن للباحثين إدخال أقطاب كهربائية وتسجيل إطلاق الخلايا العصبية الفردية، مع البشر الذين قد تكون هذه التقنية غازية للغاية بالنسبة لهم أصبح من الشائع الآن استخدام أجهزة المسح المغناطيسي والبوزيترون لمراقبة ما يحدث في أجزاء مختلفة من الدماغ أثناء قيام الأشخاص بمهام عقلية مختلفة؛ على سبيل المثال حددت فحوصات الدماغ مناطق الدماغ المشاركة في الصور الذهنية وتفسير الكلمات.
الأنثروبولوجيا المعرفية:
يتم جمع أدلة إضافية حول عمل الدماغ من خلال مراقبة أداء الأشخاص الذين تضررت أدمغتهم بطرق يمكن تحديدها؛ السكتة الدماغية على سبيل المثال في جزء من الدماغ مخصص للغة يمكن أن ينتج عنه عيوب مثل عدم القدرة على نطق الجمل؛ مثل علم النفس المعرفي غالباً ما يكون علم الأعصاب نظرياً وتجريبياً وكثيراً ما يتم دعم تطوير النظرية من خلال تطوير نماذج حسابية لسلوك مجموعات الخلايا العصبية.
توسع الأنثروبولوجيا المعرفية من فحص التفكير البشري للنظر في كيفية عمل الفكر في بيئات ثقافية مختلفة، من الواضح أن دراسة العقل لا ينبغي أن تقتصر على طريقة تفكير المتحدثين باللغة الإنجليزية ولكن يجب أن تأخذ في الاعتبار الاختلافات المحتملة في أنماط التفكير عبر الثقافات، أصبح العلم المعرفي مدرك بشكل متزايد للحاجة إلى عرض عمليات العقل في بيئات مادية واجتماعية معينة.
بالنسبة لعلماء الأنثروبولوجيا الثقافية فإن الطريقة الرئيسية هي الإثنوغرافيا والتي تتطلب العيش والتفاعل مع أعضاء الثقافة إلى حد كافي بحيث تصبح أنظمتهم الاجتماعية والمعرفية واضحة، قام علماء الأنثروبولوجيا المعرفية بالتحقيق؛ على سبيل المثال في أوجه التشابه والاختلاف عبر الثقافات في الكلمات للألوان؛ تقليدياً لا يقوم الفلاسفة بإجراء ملاحظات تجريبية منهجية أو بناء نماذج حسابية، على الرغم من وجود زيادة حديثة في العمل في الفلسفة التجريبية.
لكن تظل الفلسفة مهمة للعلم المعرفي؛ لأنها تتعامل مع القضايا الأساسية التي تكمن وراء النهج التجريبي والحاسبي للعقل، لا تحتاج الأسئلة المجردة مثل طبيعة التمثيل والحساب إلى التطرق إليها في الممارسة اليومية لعلم النفس أو الذكاء الاصطناعي، لكنها تنشأ حتماً عندما يفكر الباحثون بعمق في ما يفعلونه، تتعامل الفلسفة كذلك مع الأسئلة العامة مثل العلاقة بين العقل والجسد والأسئلة المنهجية مثل طبيعة التفسيرات الموجودة في العلوم المعرفية، بالاضافة تهتم الفلسفة بالأسئلة المعيارية حول الكيفية التي يجب أن يفكر بها الناس وكذلك الأسئلة الوصفية حول كيفية أدائهم.
العلم المعرفي في أضعف صوره هو مجرد مجموع المجالات المذكورة؛ علم النفس والذكاء الاصطناعي واللغويات وعلم الأعصاب والأنثروبولوجيا والفلسفة، يصبح العمل متعدد التخصصات أكثر إثارة للاهتمام عندما يكون هناك تقارب نظري وتجريبي في الاستنتاجات حول طبيعة العقل، على سبيل المثال؛ يمكن الجمع بين علم النفس والذكاء الاصطناعي من خلال نماذج حسابية لكيفية تصرف الناس في التجارب، أفضل طريقة لفهم تعقيد التفكير البشري هي استخدام طرق متعددة وخاصة التجارب النفسية والعصبية والنماذج الحسابية.