علم الإرشاد النفسي علم شمولي يقوم على مجموعة من المدخلات والمخرجات الدقيقة التي تراعي شؤون كلّ فرد وكلّ نمط شخصية، وتعتبر المراحل العمرية التي يمرّ بها الإنسان ذات تغيرات كبيرة منها ما يمكن ملاحظته ورصده ومنها ما لا يمكن العبث فيه أو تعديله كونه من البديهيات التي لا بدّ منها، وفي كلّ مرحلة عمرية يمرّ بها الفرد هناك مجموعة كبيرة من المتغيرات التي قد لا تتناسب مع طبيعة الفرد ومقدار تكيّفه من المرحلة العمرية المقبلة، لهذا فإنّ بعض الفئات العمرية هي أكثر حاجة للإرشاد النفسي من غيرها.
الفئات العمرية الأشد حاجة للإرشاد النفسي
1. مرحلة الطفولة الانتقالية
تعدّ هذه المرحلة من أهم وأبرز المراحل العمرية التي من خلالها تتشكّل شخصية الفرد ومدى تفاعله مع المجتمع والطريقة التي يرغب من خلالها في العيش، ولعلّ مرحلة الدخول إلى المدرسة والانتقال من المنزل وحنان الأبوين إلى الأصدقاء وعالم التعليم تعدّ مرحلة في غاية الصعوبة بالنسبة لعدد كبير من الطلبة، وفي هذه المرحلة لا يستطيع بعض صغار العمر تقبّل منطق التعليم أو الانتقال إلى مرحلة فكرية نفسية جديدة، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من حاجة الفرد إلى العملية الإرشادية ومحاولة دمج هذا الفرد في المجتمع بطريقة مثالية.
2. مرحلة المراهقة غير المسؤولة
في هذه المرحلة يبدأ من كان يعتمد على أبويه في كلّ شيء يقوم به بالاعتماد على نفسه بصورة منفصلة، وتبدأ هنا الأخطاء بالظهور وتبدأ الشخصية بالانحياز إلى طريقة تفكير معيّنة، ويبدأ الفرد بمحاولة أثبات ذاته بصورة قد لا تعجب الكثيرين، وهنا تبدأ المشاكل النفسية بالظهور ويبدأ المسترشد بالشعور أنّه في ضياع وأنه غير قادر علت اتخاذ القرارات بنفسه.
وفي هذه الأثناء تتشكّل لدى المراهق العديد من المزاعم والأحقاد التي تجول في خاطره بأنّ من حوله هم أشخاص لا يريدون له الخير، ليجد المراهق نفسه بأمسّ الحاجة إلى العملية الإرشادية وإلى النصيحة التي لطالما كانت السبيل نحو نجاته من المشكلة النفسية التي يعاني منها، وفي حال لجأ المراهق إلى العملية الإرشادية بصورة مبكّرة فمن الطبيعي أن يتمّ جذبه في الاتجاهات الصحيحة من خلال سير العلمية الإرشادية..
3. مرحلة الشباب الذين يشعرون بالضياع
لا بدّ وان مرحلة الشباب من أهم المراحل الحياتية كونها المرحلة الأكثر إنتاجاً وقرباً إلى الواقع، وكون المجتمع كثيراً ما يراهن على عنصر الشباب الواعي، ولكن هناك فئة من الشباب لا يجدون أنفسهم مع هذه الفئة وإنما ينظرون إلى أنفسهم على أنهم أشخاص مهمّشون اجتماعياً ومعزولين فكرياً وأن المجتمع بكافة أطيافه لم يقدّم لهم الدعم الصحيح لكي ينجحوا بصورة صحيحة.
هذه الأفكار قد يتولد عنها المزيد من المزاعم الخطيرة التي تجعل من المجتمع هدفاً مباحاً وخصماً محتملاً يتم مهاجمته بكافة الوسائل والطرق غير القانونية، فيلجؤون إلى تعاطي المخدرات والعقاقير ويقومون بفعل كلّ ما هو مرفوض من قبل المجتمع، وفي هذه الحالة تزداد المشكلة تعقيداً ويصبح القانون طرفاً آخر في المشكلة ليزداد الكره لدى هذا النوع من الشباب.
عندما ننظر إلى المشكلة النفسية التي يعاني منها معظم الشباب نجد أنّ الإرشاد والتوعية الصحيحة في مراحل عمرية معيّنة لم تكن مشبعة لشخصية هذه الفئة، وبالتالي فمن الطبيعي أن تكون المخرجات غير توافقية ونديّة مع المجتمع بصورة غير لائقة.
وهنا تبدأ مرحلة الوعي ومحاولة إنقاذ الموقف من خلال إقناع هذا الشاب أو ذاك بأنه يعاني من مشكلة نفسية وأن مشكلته تتمحور حول ذاته لا مع المجتمع، وأن الحلول المنطقية تكمن في الخضوع للعملية الإرشادية، وفي كثير من الأحيان تعطي العملية الإرشادية صورة جديرة قادرة على إنقاذ الشباب من الأوهام والأفكار المغلوطة التي يعانون منها، بحيث تعمل على خرطهم في المجتمع بصورة صحيحة.
4. مرحلة الشيخوخة والندم على الماضي
لا يشعر البعض بأنه فقد الكثير من حياته التي لم يقدّم فيهلا أي محتوى إيجابي إلا بعد فوات الأوان، ففي مرحلة عمرية إجبارية يجد الفرد نفسه يراجع شريط حياته وأبرز إنجازاته على المستوى الفكري والنفسي الشخصي والعام، وهنا يجد بعض هؤلاء الفئة أنفسهم أمام واقع خالٍ من أي بطولة أو إنجاز يذكر، لتبدأ مرحلة تأنيب الضمير والاضطرابات النفسية التراكمية التي تعمل على تصفية الحسابات مع الذات، وإن لم يتمّ التعامل مع هذه الفئة العمرية بصورة احترافية من قبل المرشد النفسي؛ ستكون النتيجة كارثية وغير متوقعة وذات نتائج سلبية على نطاق التفكير والصحّة النفسية والجسدية.