اقرأ في هذا المقال
ما يشكل الأخلاق الناضجة هو موضوع جدل كبير حيث يطور كل مجتمع مجموعته الخاصة من القواعد والمعايير للسلوك الإنساني المقبول، مما دفع الكثيرين إلى القول إن الأخلاق مشروطة ثقافيًا بالكامل، وهناك جدل حول ما إذا كان هذا يعني أم لا أنه لا توجد حقائق عالمية، ولا معايير عبر الثقافات للسلوك البشري، حيث يغذي هذا النقاش انتقادات العديد من نظريات النمو الأخلاقي لكولبرج وغيره من علماء النفس.
مراحل النمو الأخلاقي عند كولبرج في علم النفس
تتمثل مراحل النمو الأخلاقي عند كولبرج في علم النفس من مجموعة مراحل، حيث لا يمكن للفرد الانتقال لأي مرحلة منها بدون التعرض للمرحلة السابقة، تعتبر مراحل النمو الأخلاقي عند كولبرج من المراحل المتسلسلة المنتظمة؛ من أجل الوصول لمستويات سليمة وصحيحة من التفكير المعرفي في النمو الأخلاقي، حيث تتمثل مراحل النمو الأخلاقي عند كولبرج في علم النفس من خلال ما يلي:
1- مرحلة العقاب والطاعة
المرحلة الأولى من مراحل النمو الأخلاقي عند كولبرج تتمثل في مرحلة العقاب والطاعة، بحيث يلتزم الأطفال فيها بالقواعد لأن أحد شخصيات السلطة مثل الوالد أو المعلم قد أمرهم بذلك، ويخشون العقاب إذا لم يتبعوا القواعد، الأطفال في هذه المرحلة غير قادرين على رؤية جانب شخص آخر.
2- مرحلة الفرد والأجهزة والتبادل
في مرحلة الفرد والأجهزة والتبادل يخضع السلوك للمعاملة الأخلاقية، حيث سيتبع الطفل القواعد إذا كانت هناك فائدة معروفة له أو لها، والأطفال في هذه المرحلة أيضًا يحققون العدالة بطريقة العين بالعين أو وفقًا لمنطق القاعدة الذهبية، بمعنى آخر إذا ضرب طفل آخر فسوف يرد الطفل المصاب وهذا يعتبر عدالة منصفة، والأطفال في هذه المرحلة مهتمون جدًا بما هو عادل.
يقوم الأطفال أيضًا في مرحلة الفرد والأجهزة والتبادل بعقد صفقات مع بعضهم البعض وحتى مع الكبار، بحيث يوافقون على التصرف بطريقة معينة مقابل مكافأة، مثلاً سأفعل هذا إذا كنت ستفعل ذلك، وفي بعض الأحيان يكون المردود هو معرفة أن التصرف بشكل صحيح يصب في مصلحة الطفل، أي أنهم يتلقون موافقة من شخصيات السلطة أو إعجاب أقرانهم، ويتجنبون اللوم، أو يتصرفون وفقًا لمفهومهم عن الذات، فقد بدأوا للتو في فهم أن الآخرين لديهم احتياجاتهم ودوافعهم الخاصة.
المستوى التقليدي من هذا المستوى يوسع نطاق رغبات واحتياجات الإنسان في مرحلة الفرد والأجهزة والتبادل، حيث أن الأطفال في هذا المستوى قلقون بشأن قبولهم من قبل الآخرين والارتقاء إلى مستوى توقعاتهم، تبدأ هذه المرحلة في سن العاشرة تقريبًا ولكنها تستمر حتى مرحلة البلوغ وهي المرحلة التي يظل معظم البالغين فيها طوال حياتهم.
3- مرحلة المطابقة الشخصية
غالبًا ما تسمى مرحلة المطابقة الشخصية بمرحلة الفتى الصالح أو الفتاة الطيبة، هنا يفعل الأطفال الشيء الصحيح لأنه مفيد للعائلة أو مجموعة الأقران أو الفريق أو المدرسة، حيث يفهمون مفاهيم الثقة والولاء والامتنان، ويلتزمون بالقاعدة الذهبية لأنها تنطبق على الأشخاص من حولهم كل يوم، وهنا تتصرف الأخلاق وفقًا لما تقوله المجموعة الاجتماعية أنه صحيح وأخلاقي.
4- مرحلة القانون والنظام أو مرحلة النظام الاجتماعي والضمير
يلتزم الأطفال والكبار في مرحلة القانون والنظام أو مرحلة النظام الاجتماعي والضمير بقواعد المجتمع الذي يعيشون فيه، حيث تصبح هذه القوانين والقواعد العمود الفقري لجميع الإجراءات الصحيحة والخاطئة، ويشعر الأطفال والبالغين بأنهم مجبرون على أداء واجبهم وإظهار الاحترام للسلطة، ولا يزال هذا سلوكًا أخلاقيًا قائمًا على السلطة لكنه يعكس تحولًا من المجموعة الاجتماعية إلى المجتمع ككل.
5- مرحلة العقد الاجتماعي وحقوق الفرد
المستوى ما بعد التقليدي ينتقل بعض المراهقين والبالغين إلى ما وراء الأخلاق التقليدية ويدخلون في الأخلاق بناءً على العقل ودراسة القيم والآراء النسبية للمجموعات التي يتفاعلون معها، وقلة من البالغين يصلون إلى هذه المرحلة، والسلوك الصحيح تحكمه المرحلة الخامسة أي مرحلة العقد الاجتماعي وحقوق الفرد.
يفهم الأفراد في هذه المرحلة أن قواعد السلوك الإنساني مرتبطة بمجموعتهم الاجتماعية، وهذا يختلف من ثقافة إلى ثقافة ومن مجموعة فرعية إلى مجموعة فرعية، مع أخذ ذلك في الاعتبار يدخل الفرد في عقد مع رفاقه من البشر لمعاملتهم بإنصاف ولطف ولاحترام السلطة عندما تكون أخلاقية ومستحقة على قدم المساواة، كما يوافقون على الامتثال للقوانين والقواعد الاجتماعية للسلوك التي تعزز احترام الأفراد وتقدر القيم الأخلاقية العالمية القليلة التي يعترفون بها، يرتكز السلوك الأخلاقي والقرارات الأخلاقية على الصالح الأعظم لأكبر عدد.
6- مرحلة الضمير المبدئي أو مرحلة المبادئ الأخلاقية العالمية
في مرحلة الضمير المبدئي أو مرحلة المبادئ الأخلاقية العالمية يفحص الأفراد صلاحية قوانين المجتمع ويحكمون أنفسهم بما يعتبرونه مبادئ أخلاقية عالمية، وعادة ما تنطوي على المساواة في الحقوق والاحترام، أي أنهم يلتزمون بالقوانين والقواعد الاجتماعية التي تتماشى مع هذه المبادئ العالمية، لكنهم لا يطيعون الآخرين الذين يعتبرونهم منحرفين.
البالغين هنا في مرحلة الضمير المبدئي أو مرحلة المبادئ الأخلاقية العالمية مدفوعين بالضمير الفردي الذي يتجاوز قواعد الأعراف الثقافية أو الدينية أو الاجتماعية، حيث أدرك كولبرج هذه المرحلة الأخيرة لكنه وجد عددًا قليلاً جدًا من الأشخاص الذين عاشوا وفقًا لمفهوم السلوك الأخلاقي هذا لدرجة أنه لم يستطع دراسته بالتفصيل.
نظريات أخرى في النمو الأخلاقي في علم النفسي
هناك العديد من المناهج الأخرى لدراسة النمو الأخلاقي في علم النفس والتي يتم تصنيفها بطرق متنوعة، حيث يدعي نهج نظرية التعلم الاجتماعي أن البشر يطورون الأخلاق من خلال تعلم قواعد السلوك المقبول من بيئتهم الخارجية، وهو نهج سلوكي في الأساس، وتقترح نظرية التحليل النفسي بدلاً من ذلك أن الأخلاق تتطور من خلال صراع البشر بين دوافعهم الغريزية ومتطلبات المجتمع، وتنظر نظريات التطور المعرفي إلى الأخلاق على أنها ثمرة للإدراك أو الاستدلال، في حين أن نظريات الشخصية شاملة في نهجها مع مراعاة جميع العوامل التي تساهم في التنمية البشرية.
تستند الاختلافات بين هذه المقاربات إلى سؤالين ما مدى أخلاق الأطفال عند الولادة؟ وكيف يتم تعريف النضج الأخلاقي؟ حيث تحدد الفلسفات المتناقضة في قلب الإجابات على هذه الأسئلة المنظور الأساسي لكل نظرية نمو أخلاقي، أولئك الذين يعتقدون أن الأطفال يولدون بدون أي إحساس أخلاقي يميلون إلى التعلم الاجتماعي أو النظريات السلوكية؛ لأنه يجب بالتالي تعلم كل الأخلاق من البيئة الخارجية.
من المرجح أن يقبل الآخرين الذين يعتقدون أن البشر عدوانيين بالفطرة وذات التوجه الذاتي تمامًا نظريات التحليل النفسي حيث تكون الأخلاق هي الإدارة المكتسبة للدوافع الداخلية المدمرة اجتماعياً، وأولئك الذين يعتقدون أن القدرات المنطقية هي التي تفصل البشر عن بقية المخلوقات سيجدون نظريات التطور المعرفي الأكثر جاذبية، وأولئك الذين ينظرون إلى البشر على أنهم كائنات شمولية وُلدوا ولديهم مجموعة كاملة من الإمكانات ومن المرجح أن ينجذبوا إلى نظريات الشخصية.