مفهوم الإسناد في الإدراك الاجتماعي في علم النفس وتأثير الأسبقية فيه

اقرأ في هذا المقال


مفهوم الإسناد في الإدراك الاجتماعي:

مفهوم الإسناد في الإدراك الاجتماعي له عدة معانٍ مميزة، ففي عشرينيات القرن الماضي، أشار الفيلسوف وعالم النفس النمساوي فريتز هايدر إلى الإسناد باعتباره عملية مركزية في الإدراك الإنساني، ومنها ساعدت في حل لغز فلسفي في ذلك الوقت، ووفقًا لهذا اللغز يدرك العقل الأشياء الموجودة في العالم لكن الإدراك نفسه موجود في العقل كيف إذن يمكن للناس تجربة الأشياء على أنها في الخارج بدلاً من هنا، أي في أذهانهم؟

جادل هايدر بأن البشر ينخرطون في عملية نفسية لعزو تجاربهم الذاتية إلى أشياء في العالم، بمعنى يتم إعادة بناء الأشياء معرفيًا لتكون المصادر السببية للتجارب الإدراكية الاجتماعية على النقيض من ذلك، وذلك عندما يحاول الناس التخيل بدلاً من الإدراك لشيء معين، فإنهم ينسبون هذه التجربة إلى عقولهم.

بعدها هايدر مهتمًا بالإدراك الاجتماعي، وهي العمليات التي يتصور الناس من خلالها ويصدرون أحكامًا عن الآخرين، ومفهوم الإسناد هنا أيضًا يعبر عن أحكام سببية، لكنها أحكام حول أسباب السلوك الإنساني، ميز هايدر بين نوعين من الإسناد السببي.

تشير الإسهامات إلى الأسباب الشخصية إلى المعتقدات والرغبات والنوايا التي تؤدي إلى سلوك بشري هادف، وتشير الإسهامات لأسباب غير شخصية إلى القوى التي لا تنطوي على نية أو غرض ومنها في مجال الإدراك الاجتماعي، يتحدث علماء النفس الاجتماعي عن الصفات السببية للسلوك، أي محاولات الناس لشرح سبب حدوث السلوك.

بعدها تم توضيح مفهوم الإسناد في الإدراك الاجتماعي من خلال التطرق لإسناد التصرف، بدءًا من إدوارد إي جونز في عام 1965 أصبح الباحثين مهتمين بحكم معين يصدره الناس أحيانًا عندما يلاحظون سلوك شخص آخر، أي استنتاجات حول تصرفات الشخص الأكثر استقرارًا مثل السمات والمواقف والقيم.

بعدها يتحدث علماء النفس الاجتماعي عن إسناد المسؤولية وإسناد اللوم، وهي أحكام ذات طبيعة أخلاقية، وعندما تحدث نتيجة سلبية، يحاول الناس معرفة من المسؤول عن النتيجة، ومن يقع اللوم عليه، وغالبًا ما تعتمد إسهامات المسؤولية هذه بشكل مباشر على الإسناد السببي أي من هو المسؤول، لكنها في بعض الأحيان تكون أكثر تعقيدًا وخاصة عندما يقع السلوك المسؤول بشكل عفوي أي بدون قصد.

وبالتالي فإن مفهوم الإسناد في الإدراك الاجتماعي هو أحكام ترتبط فيها التجربة أو السلوك أو الحدث بمصدره الكائن الأساسي أو السبب أو التصرف أو الوكيل المسؤول.

تأثير الأسبقية في مفهوم الإسناد في الإدراك الاجتماعي:

يتعلق تأثير الأسبقية بكيفية تشكيل انطباعات المرء عن الآخرين، وبالتالي فهو يتعلق بمجال علم النفس المعروف باسم إدراك الشخص، والذي يدرس كيف يشكل الناس انطباعات عن الآخرين، تُعرَّف كلمة أولوية نفسها بشكل عام في القاموس على أنها حالة الأولوية في الترتيب أو الأهمية.

وفقًا لمبدأ الأسبقية عند تكوين انطباعات عن الآخرين، فإن ما نفكر فيه ونشعر به تجاه شخص ما يتأثر بشدة بانطباعاتنا الأولى عن هذا الشخص، لذلك عندما يصدر المرء أحكامًا على الآخرين، تكون الانطباعات الأولى أكثر أهمية من الانطباعات اللاحقة، ويبدو أن الانطباعات الأولى تميل إلى تلوين أو تحيز الأحكام اللاحقة للشخص.

منذ أوائل القرن العشرين، اهتم علماء النفس بكيفية تشكيل الانطباعات التي نتركها عن الآخرين، في وقت مبكر حاول علماء النفس معرفة ما إذا كانت هناك أي أنماط مستقرة تتعلق بكيفية تكوين الناس لهذه الانطباعات، ومع ذلك لم يتم تأسيس مبدأ الأسبقية من خلال الدراسة العلمية حتى الأربعينيات من القرن الماضي.

يعود الفضل إلى سليمان آش في اكتشاف مبدأ الأسبقية في مفهوم الإسناد في الإدراك الاجتماعي، حيث كانت تجاربه المبكرة بسيطة للغاية، وكان كان الناس يقرأون قائمة بالكلمات التي قد يستخدمها المرء لوصف شخص ما، وفي بعض الأحيان كانت هذه القوائم طويلة، وأحيانًا كانت قصيرة، والأهم من ذلك حيث ظهرت كل كلمة، كانت القائمة متنوعة.

أحيانًا ظهرت كلمة معينة في البداية، وأحيانًا في الوسط وأحيانًا في النهاية، وبعد أن سمعوا قائمة معينة، ثم طُلب من المشاركين في الدراسة إعطاء انطباعاتهم عما قد يكون عليه الشخص الذي يناسب الوصف الذي سمعوه للتو، وما توصلت إليه دراسات آش المبكرة هو أن الترتيب الذي يسمع به الناس الكلمات كان مهمًا للغاية، حيث يبدو أن الناس استخدموا هذه القوائم لتكوين انطباع عام موحد عن الشخص، والكلمات التي سمعها الناس أولاً هي التي حددت نغمة كل شيء آخر.

ألهم عمل آش المبكر عددًا كبيرًا من الدراسات التي دعمت تأثير الأسبقية في إدراك الشخص في مفهوم الإسناد، بالإضافة إلى الانطباعات العامة، تم اكتشاف أن تأثير الأسبقية يؤثر أيضًا على أحكام معينة عن الآخرين، حيث تتضمن هذه الأحكام مدى ذكاء ونجاحنا بشكل عام في إدراكنا للآخرين وكيف نتوقع منهم أداءً جيدًا في المستقبل.

بافتراض أن عدد النجاحات والفشل متساوٍ، قد يعتقد المرء أن ما إذا كان الشخص قد حقق النجاح مبكرًا أو متأخرًا لا يجب أن يكون مهمًا عندما نحكم عليه، ولكنه كذلك، حيث تعتمد تصورات الذكاء جنبًا إلى جنب مع التوقعات المستقبلية للنجاح على نمط نجاحات الشخص وإخفاقاته.

عند مقارنة الأشخاص الذين حققوا نجاحًا مبكرًا ثم ساءوا مع أولئك الذين يبدأون بشكل سيء ثم يتحسنون، أو لديهم نمط مختلط من النجاح والفشل، الأشخاص الذين حققوا نجاحًا مبكرًا أعلى، وبالتالي فمن الأفضل أن تبدأ بقوة وتنتهي ضعيفًا، من أن تبدأ ضعيفًا وتنتهي بقوة أو أن يكون لديه نمط عشوائي من النجاحات والفشل.

أهمية تأثير الأسبقية في مفهوم الإسناد في الإدراك الاجتماعي:

إلى جانب بدء مجال جديد تمامًا من البحث في علم النفس، فإن تأثير الأسبقية له آثار أوسع، حيث أن التأثير مهم لأن أول شيء نفعله عندما نصدر حكمًا على شخص آخر هو تصنيفه أو تصنيفها وبسبب تأثير الأسبقية، فإن الفئة التي نضع الأشخاص فيها أولاً تميل إلى التأثير على أحكامنا اللاحقة حول ذلك الشخص.

فعندما نلتقي بأشخاص تبدأ عملية التصنيف مع الفئات الأكثر وضوحًا لذلك الشخص مثل الطبقة الاجتماعية أو العمر، ثم نستخدم هذه الفئة لعمل افتراضات أولية حول الشخص؛ ولأن هذه الافتراضات الأولية تؤثر على أحكامنا اللاحقة، فهي أهم الافتراضات التي يتخذها المرء.

آثار تأثير الأسبقية في مفهوم الإسناد في الإدراك الاجتماعي:

بسبب تأثير الأسبقية في مفهوم الإسناد في الإدراك الاجتماعي، قد لا تكون الأحكام التي يتخذها الآخرون بشأن الشخص دقيقة، ومن المرجح أن يستمر عدم الدقة هذا بمرور الوقت، وقد يتم الحكم على الأشخاص من خلال من هم أول من يبدو عليهم، وليس من خلال هويتهم الحقيقية، وإذا كانت الأحكام الأولى إيجابية، فقد يمنح هذا الشخص ميزة غير مستحقة، وإذا كانت سلبية فقد تضع شخصًا في وضع غير عادل.


شارك المقالة: