مفهوم المظهر الزجاجي في علم النفس

اقرأ في هذا المقال


عندما يتعلق الأمر بفهم أنفسنا يلعب التفاعل الاجتماعي دورًا أكثر أهمية مما يدرك الكثير منا، وفقًا لتشارلز هورتون كولي يطور الأفراد مفهومهم عن الذات من خلال ملاحظة كيف ينظر إليهم الآخرين، وهو مفهوم صاغه كولي على أنه الذات ذات المظهر الزجاجي، حيث تثير هذه العملية خاصة عند تطبيقها على العصر الرقمي أسئلة حول طبيعة الهوية والتنشئة الاجتماعية والمشهد المتغير للذات.

مفهوم المظهر الزجاجي في علم النفس

تصف الذات ذات المظهر الزجاجي العملية التي يعتمد فيها الأفراد على إحساسهم بأنفسهم على كيفية تصديقهم للآخرين، باستخدام التفاعل الاجتماعي كنوع من المرآة، ويستخدم الناس الأحكام التي يتلقونها من الآخرين لقياس قيمتهم وقيمهم وسلوكهم، وفقًا للعديد من علماء النفس فإن نظرية كولي جديرة بالملاحظة لأنها تشير إلى أن مفهوم الذات لم يُبنى في العزلة، بل داخل البيئات الاجتماعية، بهذه الطريقة لا يكون المجتمع والأفراد منفصلين بل جانبان متكاملان للظاهرة نفسها.

تعتبر الذات ذات المظهر الزجاجي هي العملية التي يقيم الناس من خلالها أنفسهم بناءً على كيفية رؤيتهم للآخرين في علم النفس، وفقًا لهذه النظرية يتخيل الناس أولاً كيف يظهرون للآخرين، ثانيًا يتخيلون كيف يحكم عليهم الآخرين بناءً على هذا المظهر، ثالثًا يكون لدى الناس رد فعل عاطفي تجاه هذا الحكم المتخيل مثل الكبرياء أو الإحراج، يؤثر هذا التقييم الذاتي على إحساس الشخص بالقيمة الذاتية أو احترام الذات، باختصار تقترح نظرية الذات الزجاجية في علم النفس أننا نتعرف على أنفسنا من خلال التفكير في الطريقة التي يرانا بها الآخرين.

تاريخ وخلفية مفهوم المظهر الزجاجي في علم النفس

اقترح تشارلز هورتون كولي الشخصية ذات المظهر الزجاجي لأول مرة ووفقًا لكولي تستند التصورات الذاتية إلى التقييمات المنعكسة لكيفية رؤيتنا للآخرين أي انطباعنا عن انطباعات الآخرين عنا، والتي تعتمد بدورها على الطريقة التي يرانا بها الآخرين بالفعل، يعتبر مفهوم المظهر الزجاجي في علم النفس مثيرة للجدل للعديد من الأسباب مثل تفترض وجهة النظر هذه أن لدى الناس فكرة جيدة عن مدى أهمية رؤية الآخرين لهم، حيث يكشف البحث النفسي أن معتقدات الناس حول كيفية رؤية الآخرين لهم ليست دقيقة للغاية.

ومع ذلك فإن انطباعاتنا عما يعتقده الآخرين عنا مهمة للغاية بالنسبة لنا، ويبذل الأشخاص قصارى جهدهم للحصول على تعليقات حول كيفية رؤيتهم للآخرين مثل نشر صورهم على موقع ويب حيث سيقيم الآخرين مدى جاذبيتهم، حتى أن بعض الباحثين اقترحوا أن الغرض الرئيسي من احترام الذات هو أن تكون بمثابة مقياس اجتماع داخلي ومقياس لشعبيتنا النسبية أو قيمتها بين أقراننا.

تشير بعض الأدلة إلى أن تقييمات الناس تعكس كيف يراهم الآخرين تؤثر على آرائهم الذاتية وسلوكهم، لا سيما في العلاقات الاجتماعية والشخصية الوثيقة، تشير الأبحاث حول العلاقات الشخصية إلى أن تقييماتنا المنعكسة لكيفية رؤيتنا لشركائنا قد تكون ذات أهمية خاصة في هذا السياق، هذا ينطبق بشكل خاص على الأشخاص الذين لديهم شكوك حول ما يشعر به شريكهم تجاههم، ويميل الأشخاص الذين لديهم انطباعات سلبية عن كيفية رؤيتهم لشريكهم إلى إحداث توتر وعدم رضا في علاقاتهم.

الافتراضات الأساسية في مفهوم المظهر الزجاجي في علم النفس

وفقًا لعلماء النفس فإن عملية اكتشاف مفهوم المظهر الزجاجي في علم النفس تحدث في ثلاث خطوات حيث يتخيل الفرد في موقف اجتماعي كيف يظهر للآخرين، ويتخيل هذا الفرد حكم الآخرين على هذا المظهر، ويطور الفرد مشاعره ويستجيب لتلك الأحكام المتصورة.

من الناحية العملية قد تبدو العملية كما يمكن أن يلتقي شخص ما بمجموعة من زملاء العمل الجدد لأول مرة، يعتقد هذا الفرد أنه يمكنه بسهولة إظهار الاحتراف والكفاءة للآخرين، أثناء هذا التفاعل مع زملائه الجدد في العمل، ينتبه الفرد إلى لغة جسد زملائه واختيار الكلمات وردود أفعالهم على المحادثة، إذا قدم زملاء العمل هؤلاء ردود فعل إيجابية مثل الحفاظ على الاتصال بالعين أو عرض مصافحة قوية، فسيتم دعم إيمان الفرد باحترافه، ومع ذلك إذا قدم الزملاء ملاحظات سلبية مثل النظر بعيدًا أو مغادرة المحادثة بسرعة فقد يتساءل الفرد عن مدى احترافهم حقًا.

تزداد عملية مفهوم المظهر الزجاجي في علم النفس تعقيدًا بسبب سياق كل تفاعل وطبيعة الأشخاص المعنيين، حيث لا تحمل كل التعليقات نفس الأهمية على سبيل المثال قد يأخذ الناس ردود أولئك الذين يثقون بهم بجدية أكبر من ردود الغرباء، وقد يساء تفسير الإشارات، وعادة ما يأخذ الناس أنظمة القيم الخاصة بهم في الاعتبار عند التفكير في أي تغييرات في سلوكهم أو وجهات نظرهم عن الذات.

في النهاية فإن عملية مفهوم المظهر الزجاجي في علم النفس هي عملية محاذاة يسعى الناس باستمرار إلى خلق تناسق بين عالمهم الداخلي والخارجي وبالتالي يستمرون في الإدراك والتكيف والسعي لتحقيق التوازن طوال حياتهم.

دور وسائل التواصل الاجتماعي في المظهر الزجاجي في علم النفس

صعود وسائل التواصل الاجتماعي يجعل عملية مفهوم المظهر الزجاجي في علم النفس أكثر تعقيدًا بشكل لا نهائي، حيث تتيح المنصات مثل فيسبوك وما شابه ذلك التواصل مع الآخرين بطرق لم نتخيلها من قبل، ومع ذلك أدى هذا الانكشاف إلى عدد متزايد من المرايا وبالتالي اقتراح أسئلة جديدة حول تطور الذات.

يوضح بعض علماء النفس الاجتماعي أن وسائل التواصل الاجتماعي وفرّت معها مفهوم الذات الإلكترونية، حيث أن الذات الإلكترونية هي الوجهة الثانية التي يختارها الشخص لعرضها على منصة رقمية، كما هو الحال في مفهوم المظهر الزجاجي في علم النفس قد تتفاعل النفس البشرية مع أفراد آخرين وتتلقى استجابات اجتماعية وتتوافق مع الدور الاجتماعي، ومع ذلك فإن الاختلافات بين الذات الإلكترونية والذات الفعلية عميقة.

قد يمتلك الشخص العديد من إصدارات الذات الإلكترونية على سبيل المثال قد يقدم الفرد نفسه المهنية من خلالها أو شخصية غير رسمية أيضاً، أو شخصية فنية، حيث تستمر الذات الإلكترونية أيضًا في الوجود في المساحات الاجتماعية حتى عندما لا يتفاعل الأشخاص مع تلك البيئات في الوقت الفعلي، بهذه الطريقة لا يتم إبعاد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي تمامًا عن التعرض للحكم والنقد.

يشرح أيضاً أن هذه الصفات الفريدة للذات تثير مجموعة من القضايا والمخاوف النفسية فقد يشعر الأفراد بإحساس أكبر بالحاجة الملحة للعودة إلى المساحات الرقمية أو البقاء فيها، وقد يكونون مشاركين بشكل متزايد في تنظيم هوياتهم على الإنترنت، ربما على حساب تطوير ذواتهم في العالم الحقيقي، وتثير مجموعة المنصات الرقمية المعنية أيضًا تساؤلات حول ما إذا كانت هوية الفرد قد تنقسم، أو ما إذا كانت مشاكل النمو ستنتج، كل هذه العواقب تكون أكثر خطورة عندما يكون المستخدمون الرقميين صغارًا أو في سن المراهقة.

المصدر: مبادئ علم النفس الحيوي، محمد أحمد يوسف.الإنسان وعلم النفس، د.عبد الستار ابراهيم.علم النفس العام، هاني يحيى نصري.علم النفس، محمد حسن غانم.


شارك المقالة: