مفهوم النمو الأخلاقي في علم النفس

اقرأ في هذا المقال


يعتبر مفهوم الأخلاق من المفاهيم التي اهتمت بها جميع العلوم بجميع ميادينها، مما جعل من علم النفس الاهتمام بجميع المفاهيم التي تخص الأخلاق مثل النمو الأخلاقي والحكم الأخلاقي والبحث الأخلاقي مع الاهتمام بالمعايير التي تقوم عليها؛ لكي تكون مفاهيم شاملة ومراعية لجوانب القضايا النفسية.

مفهوم النمو الأخلاقي في علم النفس

يعبر مفهوم النمو الأخلاقي في علم النفس عن العملية التي يطور من خلالها الأطفال المواقف والسلوكيات المناسبة تجاه الآخرين في المجتمع، وذلك بناءً على الأعراف والقواعد والقوانين الاجتماعية والثقافية، حيث يعتبر مفهوم النمو الأخلاقي في علم النفس هو مصدر قلق لكل والد، مما يكون تعليم الطفل التمييز بين الصواب والخطأ والتصرف وفقًا لذلك هو هدف الأبوة والأمومة.

مفهوم النمو الأخلاقي في علم النفس قضية معقدة منذ بداية الحضارة الإنسانية كانت موضوع نقاش بين بعض علماء النفس واللاهوتيين ومنظري الثقافة الأكثر تميزًا في العالم، حيث تم دراستها علميًا حتى أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، والتي تمت على شكل نظريات قاموا علماء النفس بوضعها لتفسير النمو الأخلاقي من خلال التفكير المعرفي.

نظرية بياجيه في التفكير المعرفي للنمو الأخلاقي

استكشف جان بياجيه عالم النفس السويسري كيف يكوّن الأطفال التفكير المعرفي في النمو الأخلاقي، ورفض فكرة أن يتعلم الأطفال ويستوعبون قواعد المجتمع وأخلاقه من خلال منحهم القواعد وإجبارهم على الالتزام بها، ومن خلال بحثه حول كيفية تشكيل الأطفال لأحكامهم حول السلوك الأخلاقي، أدرك أن الأطفال يتعلمون الأخلاق بشكل أفضل من خلال الاضطرار إلى التعامل مع الآخرين في مجموعات، حيث أنه استنتج أن هناك عملية يلتزم فيها الأطفال بمعايير المجتمع لما هو صواب وما هو خطأ وأن العملية كانت نشطة وليست سلبية.

وجد بياجيه اختلافين رئيسيين في كيفية تفكير الأطفال في النمو الأخلاقي، حيث يعتمد تفكير الأطفال الصغار جدًا على كيفية تأثير الإجراءات عليهم أو على نتائج العمل، على سبيل المثال سيقول الأطفال الصغار أنه عند محاولة الوصول إلى وعاء بسكويت ممنوع، فإن كسر 10 أكواب هو أسوأ من كسر واحد.

كما أنهم يعترفون بقدسية القواعد على سبيل المثال يفهم الأطفال أنهم لا يستطيعون وضع قواعد جديدة للعبة، وعليهم أن يلعبوا وفقًا لما يقوله كتاب القواعد أو بما يُعرف عمومًا بالقواعد، مما دعا بياجيه هذا الواقعية الأخلاقية مع المسؤولية الموضوعية، ويشرح سبب اهتمام الأطفال الصغار بالنتائج بدلاً من النوايا.

ينظر الأطفال الأكبر سنًا إلى الدوافع الكامنة وراء الأفعال بدلاً من عواقبها، كما أنهم قادرون على فحص القواعد والقيم، وتحديد ما إذا كانت عادلة أم لا، وتطبيق هذه القواعد وتعديلاتها على المواقف التي تتطلب التفاوض، والتأكد من أن كل شخص يتأثر بالقواعد يتم التعامل معه بإنصاف، شعر بياجيه أن أفضل تعلم أخلاقي جاء من صنع القرار التعاوني وأحداث حل المشكلات، كان يعتقد أيضًا أن الأطفال طوروا التفكير المعرفي في النمو الأخلاقي بسرعة وفي سن مبكرة.

نظرية كولبرج للتفكير المعرفي في النمو الأخلاقي

قام لورنس كولبرج عالم النفس الأمريكي بتوسيع عمل بياجيه في التفكير المعرفي إلى مرحلة المراهقة والبلوغ، لقد شعر أن النمو الأخلاقي كان عملية بطيئة وتقدمت بمرور الوقت، ومع ذلك فإن مراحل تموه الأخلاقي، التي تمت صياغتها في عام 1958 تعكس نموذج بياجيه الأول، حيث يعتقد كولبرج أن الأفراد أحرزوا تقدمًا من خلال إتقان كل مرحلة واحدة تلو الأخرى، ولا يمكن لأي شخص تخطي المراحل.

كما شعر أن الطريقة الوحيدة لتشجيع النمو خلال هذه المراحل كانت من خلال مناقشة المعضلات الأخلاقية والمشاركة في الديمقراطية التوافقية داخل مجموعات صغيرة، كانت الديمقراطية التوافقية حكمًا باتفاق المجموعة وليس حكم الأغلبية، وهذا من شأنه أن يحفز ويوسع تفكير الأطفال والبالغين، مما يسمح لهم بالتقدم من مرحلة إلى أخرى.

نظرية كارول جيليجان وأخلاق الرعاية في النمو الأخلاقي

تعرضت نظريات كولبرج وبياجيه لانتقادات شديدة، على سبيل المثال تم انتقاد المراحل الست للتطور الأخلاقي لكولبيرج بسبب رفع مستوى التفاهمات الأخلاقية الغربية والحضرية والفكرية من خلال الطبقة العليا للأخلاق، مع تشويه سمعة التفاهمات الأخلاقية الريفية أو القبلية أو الطبقة العاملة أو الشرقية، وأشار إلى العناصر المحتملة للحاجة والرغبات في نظريات النمو الأخلاقي التي ابتكرها باحثين ذكور باستخدام مواضيع ذكور فقط مثل أعمال كولبرج المبكرة؛ نظرًا لأن تجارب النساء في العالم تختلف عن تجارب الرجال في كل ثقافة فمن المنطقي أن النمو الأخلاقي للمرأة قد يختلف عن الرجل ربما في نواحٍ مهمة.

اعتبرت كارول جيليجان بحث كولبرج متحيزًا لأنه استخدم الذكور فقط للوصول إلى النتائج التي توصل إليها، وبسبب هذا فإن نموذجه يستند إلى مفهوم الأخلاق القائم على الإنصاف والعدالة، والذي يضع معظم الرجال في المرحلة الخامسة أو السادسة، ووجدت جيليجان أن النساء اللائي يقدرن التفاعل الاجتماعي أكثر من الرجال، يبنن قراراتهن الأخلاقية على ثقافة رعاية البشر الآخرين.

ومع ذلك فإن عمل جيليجان لا يحل مسألة النوع الاجتماعي؛ لأن الأبحاث الحديثة وجدت أن كلا من الذكور والإناث غالبًا ما يبنيون أحكامهم وسلوكياتهم الأخلاقية على العدالة والرعاية، ومع ذلك فتحت نظرية أخلاقية الرعاية استكشافات للتفكير المعرفي في النمو الأخلاقي في العديد من المجموعات والثقافات.

بحث يوري برونفنبرينر في النمو الأخلاقي

درس يوري برونفنبرينر الأطفال والمدارس في ثقافات مختلفة نظرًا لأن العديد من المجموعات العرقية والدينية والاجتماعية غالبًا ما يكون لها قواعدها الخاصة للسلوك الأخلاقي، وجد بحثه خمسة توجهات أخلاقية بغض النظر عن الثقافة أو المجموعة الاجتماعية أو مرحلة النمو، وكان الانتقال من المرحلة الأولى إلى أي من المراحل الأخرى يعتمد على المشاركة في الأسرة والمؤسسات الاجتماعية الأخرى داخل كل ثقافة.

تضمنت الحركة إلى المرحلة الأخيرة التعرض لنظام أخلاقي مختلف قد يتعارض مع نظام المرء، وهذه التعددية الأخلاقية تجبر الأفراد على فحص منطقهم ومعتقداتهم الأخلاقية، حيث يحدث هذا غالبًا عندما يعمل الناس في بلدان أو ثقافات أخرى ويواجهون مجموعات مختلفة من الأعراف الأخلاقية.

وأشار يوري برونفنبرينر أيضًا إلى أن الأفراد يمكن أن ينزلقوا مرة أخرى إلى التوجه الأخلاقي السابق عندما عانوا من انهيار نظامهم الاجتماعي المألوف كما في الحرب أو تغييرات النظام أو الإبادة الجماعية أو المجاعة أو الكوارث الطبيعية واسعة النطاق التي تدمر البنى التحتية الاجتماعية، ويحصر الناس انتباههم لاحتياجاتهم الملحة ويتجاهلون رفاهية المجتمع الأكبر.

تزامنت الأخلاق الذاتية المنحى مع أخلاق كولبرج السابقة التقليدية في بحث يوري برونفنبرينر في النمو الأخلاقي، حيث يعتمد السلوك الإنساني على المصلحة الذاتية ويحركه من يمكنه مساعدة الأطفال في الحصول على ما يريدون أو من يعيق هذه العملية، تم العثور على هذه المرحلة في جميع الأطفال وبعض البالغين في جميع الثقافات.


شارك المقالة: