مفهوم الهروب في علم النفس

اقرأ في هذا المقال


ينظر علما النفس ويحللون جميع السلوكيات التي يمكن أن تصدر من الفرد في المواقف بشكل معاكس إلى أنها تعتبر توجهات فردية يقوم بها الفرد بإخفاء العديد من العواطف والمشاعر السلبية لتلبية الهدوء والراحة النفسية.

مفهوم الهروب في علم النفس

يشير مفهوم الهروب في علم النفس إلى ميل الناس للانخراط في سلوكيات لتجنب رد فعل نفسي غير سار، في حين أن الاستخدام الشائع لمصطلح الهروب يقترح إزالة الشخص جسديًا من موقع مادي مثل الهروب من السجن، تُستخدم نظرية الهروب لوصف السلوكيات التي تمكن الشخص من الهروب من التصورات السلبية عن الذات في الواقع الذي يعيش فيه، الهروب من الذات قد يساعد الشخص مؤقتًا على تجنب رد الفعل النفسي السلبي، لكن السلوكيات التي تأتي من الدافع للهروب من الذات غالبًا ما تكون غير مرغوب فيها.

تاريخ وخلفية مفهوم الهروب في علم النفس

علم النفس الاجتماعي له تاريخ طويل في دراسة عواقب كيف ينظر الناس لأنفسهم ولسلوكهم، حيث يبني الناس المعنى ويفسرونه بناءً على مدى فشل هويتهم في تلبية التوقعات التي وضعها الأشخاص لأنفسهم أو التي تدعمها الأعراف الاجتماعية أو تلبيتها أو تتجاوزها، ومنها يهتم مفهوم الهروب في المقام الأول بالسلوكيات الإنسانية التي تتبع عندما يدرك الناس أن جزءًا من هويتهم لا يرقى إلى المعايير المرغوبة.

أي عندما يدرك الناس أن جزءًا من هويتهم يفشل في تلبية المعايير المرغوبة فإنهم يضيقون تركيز انتباههم على البيئة الحالية والمباشرة لتجنب التفكير الهادف فيما يتعلق بالجوانب غير الممتعة لأنفسهم.

على مدى العقود العديدة الماضية أثبت علماء النفس الاجتماعي أن الناس يبنون ويفسرون المعنى على المستويين العالي والمنخفض، حيث تتضمن المستويات العالية من المعنى مقارنة الذات بمعايير شخصية أو اجتماعية واسعة، مثل كيفية ارتباط السلوك الإنساني الحالي بحدث قد يحدث في المستقبل، في المقابل تتضمن المستويات المنخفضة من المعنى وعيًا ضيقًا وملموسًا للحاضر المباشر.

يمكن تفسير الدراسة لامتحان على سبيل المثال على أنها تحقيق هدف طويل الأجل لتحقيق النجاح الأكاديمي والوظيفي مستوى عالٍ من المعنى، وعند مستوى منخفض من المعنى يمكن تفسير الدراسة للامتحان على أنها حركات بسيطة للعين والعضلات.

اقترح تشارلز كارفر ومايكل شيير أن يحول الناس مستوى وعيهم إلى مستوى منخفض من المعنى عندما يواجهون أجزاء من هويتهم لا تلبي المعايير المعتمدة اجتماعياً، ومنها أظهرت أبحاث أخرى أن الناس يفضلون مستوى منخفض من الوعي بعد التعرض للفشل أو الإجهاد، وهكذا أظهرت النظرية والأبحاث الماضية أن الناس يسعون للهروب من الذات عندما يكون جانب واحد أو أكثر من جوانب هويتهم أقل من التوقعات.

خطوات رئيسية في مفهوم الهروب في علم النفس

يتم تنظيم مفهوم الهروب في مجموعة من الإجراءات والخطوات الرئيسية، فأولاً يتمتع الشخص بتجربة قاسية يدرك فيها أن النتائج أو الظروف الحالية تقع تحت المعايير المجتمعية أو المفروضة على نفسه، وثانيًا يلوم الشخص هذه النتائج المخيبة للآمال على الجوانب الداخلية للذات أي أجزاء من شخصيته أو شخصيتها بدلاً من العوامل الظرفية، والخطوة التالية يدرك الشخص أن النتائج الحالية تصور الذات على أنها غير كافية أو غير كفؤة أو غير جذابة أو مذنبة.

ويليها أن يعاني الشخص من مشاعر سلبية نتيجة إدراكه أن النتائج الحالية لا ترقى إلى مستوى التوقعات المرجوة، ومن ثم يسعى الشخص إلى الهروب من رد الفعل النفسي السلبي هذا من خلال تجنب التفكير عالي المستوى والهادف، وفي النهاية فإن نتائج هذا التهرب من التفكير الهادف يؤدي إلى عدم ضبط النفس.

تشير هذه الخطوات في مفهوم الهروب إلى نقاط في عملية سببية تعتمد على بعضها البعض، ولن تؤدي هذه العملية السببية إلى سلوكيات غير مرغوب فيها إلا إذا استمر الشخص في كل خطوة من الخطوات السابقة، وإذا كان الشخص يفسر فشلًا مؤخرًا على أنه ناتج عن عوامل ظرفية بدلاً من إلقاء اللوم على جوانب معيبة من الذات، فلن تؤدي العملية إلى سلوكيات غير مرغوب فيها، لذلك يجب اعتبار الهروب من الذات استجابة غير شائعة نسبيًا لنتائج أو ظروف مؤلمة أو مخيبة للآمال.

تطبيق مفهوم الهروب على النتائج السلوكية في علم النفس

تم تطبيق مفهوم الهروب على العديد من النتائج السلوكية في علم النفس، حيث تنتج كل هذه السلوكيات تقريبًا راحة فورية ولكنها تنطوي أيضًا على عواقب سلبية طويلة المدى، فيمكن اعتبار محاولات الانتحار محاولات للهروب من الذات، حيث أظهر روي بوميستر أن العديد من محاولات الانتحار هي نتيجة التحول إلى مستوى منخفض من المعنى أي التركيز على البيئة المباشرة لتجنب المشاعر السلبية التي تنتج عن عدم تحقيق الهدف المنشود.

تم تطبيق مفهوم الهروب في علم النفس أيضًا على السلوكيات التي تتمثل في الميل إلى اكتساب الرضا من التعرض للإيذاء الجسدي أو العاطفي من غيرهم من الأشخاص المتسلطين أو المتنمرين، فغالبًا ما يقوم الأشخاص الذين يمارسون سلوكيات مشابهة بذلك بدافع لتضييق انتباههم على الأحاسيس الفورية والمكثفة، مما يجعل احتمالية الحفاظ على الإحساس الطبيعي بالهوية أمرًا مستحيلًا.

قد يخدم استخدام طرق أو سلوكيات معاكسة أيضًا وظيفة السماح للأشخاص بالهروب من الأفكار السلبية حول الذات عن طريق الحد من قدرة الأشخاص على معالجة المعلومات المعقدة بطريقة عالية المستوى وذات مغزى، وبدلاً من ذلك عادةً ما تجعل السلوكيات المعاكسة الأشخاص غير قادرين على التفكير في كيفية مقارنة نتائجهم الحالية بالمعايير المجتمعية والمعايير المفروضة ذاتيًا للسلوك المرغوب.

اقترحت أبحاث أخرى أن تدخين السجائر يمكن فهمه على أنه سلوك موجه نحو الهدف يهدف إلى تحقيق مستوى منخفض من الإلهاء عن الأفكار السلبية عن الذات، وعادةً ما يجعل تعاطي الكحول الأشخاص غير قادرين على التفكير في كيفية مقارنة نتائجهم الحالية بالمعايير المجتمعية والمعايير المفروضة ذاتيًا للسلوك المرغوب.

قام تود هيثرتون وغيره بتطبيق مفهوم ونظرية الهروب على الشراهة عند الأكل، ومنها قد يدرك الشخص أنه لا يحقق هدف فقدان الوزن الذي فرضه على نفسه، أو قد يفسر الشخص إخفاقه في إنقاص الوزن نتيجة كونه شخصًا غير كفء بدلاً من التركيز على كيف منعته العوامل في البيئة من فقدان الوزن، أو قد يدرك الشخص بشدة أن إخفاقه في إنقاص الوزن ينعكس سلبًا على هويته كشخص كفؤ وجذاب، وقد يشعر الشخص أيضاً بمشاعر سلبية بعد أن يدرك أن وزن جسمه الحالي لا يلبي وزن الجسم المطلوب.

حيث ينقل الشخص مستوى وعيه إلى مستوى منخفض أي يركز على الأحاسيس والأشياء في البيئة الحالية وذلك للهروب من رد الفعل النفسي السلبي الناتج عن إدراك أنه أو أنها لم تحقق الهدف المنشود لفقدان الوزن، حيث أن التركيز على الجوانب المباشرة للبيئة الحالية يقلل من ميل الشخص للنظر في العواقب طويلة المدى لسلوكه أو سلوكها، ويزيد هذا النقص في ضبط النفس من ميل الأشخاص للانخراط في سلوكيات غير مرغوب فيها عادةً مثل الشراهة عند تناول الطعام.


شارك المقالة: