في كثير من تاريخ علم النفس الحديث لم يتم تجاهل موضوع المغفرة، حيث ناقش بياجيه قدرة المغفرة بقدر ارتباطها بتطور الحكم الأخلاقي، حيث أنتج دراسة حول نوع البنية العاطفية التي من شأنها أن تزود المرء بالقدرة على المغفرة، وتمّ اكتشاف علاقة المغفرة بالصحة النفسية والعقلية، حيث تعتبر المغفرة شكلاً قيمًا من أشكال السلوك الإيجابي.
نظريات المغفرة في علم النفس
تتمثل نظريات المغفرة في علم النفس من خلال ما يلي:
1- نظرية حسابات العاطفة
يُعتقد على نطاق واسع أن المغفرة هي في الأساس مسألة كيف يشعر المرء تجاه الآخر، يدعي العالم جيفري مورفي على سبيل المثال أن الحماس هو في الأساس مسألة ما نشعر به عن غيرنا بغض النظر عن المعاملات فيما بينهم، بشكل عام تدعي نظريات المغفرة العاطفية أن أفضل طريقة لفهم المغفرة هي تغيير المشاعر بشكل أساسي.
وفقًا لهذه الآراء إذا تعرض الفرد للظلم فإن مسامحته للخطأ تنطوي بشكل أساسي على التغلب على بعض المشاعر السلبية ذات الصلة مثل الاستياء والكراهية والحقد التي يشعر بها لأنه تعرض للظلم.
من بين روايات المشاعر المختلفة في نظرية حسابات التعاطف لمفهوم الغفران هناك خلاف كبير حول أي مشاعر محددة متورطة في المغفرة، وما يجب فعله بهذه المشاعر من أجل المغفرة، حيث أننا قد نقوم بمسح حسابات المشاعر من خلال أخذ هاتين المسألتين على التوالي.
إحدى الطرق للتمييز بين أنواع نظرية حسابات العواطف لمفهوم المعرفة هي حسب التعاطف أو مجموعة المشاعر التي يُعتقد أنها ذات صلة بالمغفرة، قد يعطي مسح سريع لأدب الغفران انطباعًا بأن هناك اتفاقًا واسع النطاق حول أي المشاعر متورطة بشكل حاسم في المغفرة هذا الشعور هو الاستياء، عادةً ما يُنظر إلى الرأي القائل بأن المغفرة تتضمن الاستياء بشكل أساسي على أنه عقيدة تلقائية.
يجادل بعض منظري العواطف من علماء النفس بأن التغلب على الاستياء ليس ضروريًا ولا يكفي للمغفرة، حيث يعتقد أصحاب نظريات العاطفة أنه في المغفرة يوجد آخرين المشاعر التي قد أو يجب التغلب عليها، حتى بين أولئك الذين يعتقدون أن التغلب على الاستياء إما ضروري أو كافٍ للمغفرة.
2- نظرية الاستياء
هناك خلاف حول ماهية الاستياء حيث يعتقد البعض أن الاستياء هو شعور عدائي يهدف إلى إلحاق الأذى بالفاعلين، بينما يعتقد البعض الآخر أنه نوع من الاحتجاج الأخلاقي، بينما لا يزال يعتقد البعض الآخر أن الاستياء هو النوع النموذجي من الغضب الأخلاقي، بينما يصف البعض الاستياء بأنه شغف انتقامي ويزعم البعض الآخر أن الاستياء لا يستلزم دافعًا للانتقام من الخطأ.
من الصعب أن نعرف بالضبط ما تعنيه توصيفات الاستياء هذه وما هي أنواع العلاقات التي تربط بينها، وربما الأهم من ذلك أي وجهة نظر صحيحة، في الواقع هذا هو أحد الجوانب الأكثر إزعاجًا في الأدبيات النفسية حول المغفرة بينما يُعتقد عمومًا أن المغفرة ينطوي بشكل حاسم على الاستياء، لا يوجد إجماع حول ماهية الاستياء، وكما لاحظنا بالفعل على الرغم من أن الاستياء يُعتقد على نطاق واسع أنه العاطفة المركزية أو النموذجية التي ينطوي عليها المغفرة، لا تقبل جميع الحسابات العاطفية هذا الرأي.
إذن فهذه طريقة تقريبية وجاهزة لتصنيف مختلف حسابات المشاعر فيما يتعلق بمجموعة المشاعر ذات الصلة التي ينطوي عليها المغفرة، من وجود الحد الأدنى من الانفعالية من خلال وجهة نظر مفادها أنه من أجل المغفرة، يجب على المرء أن يتغلب على مجموعة ضيقة جدًا من المشاعر، فقط المشاعر الانتقامية العدائية، والمواقف التي تهدف إلى رؤية الجاني يعاني بسبب ما فعله.
تتضمن أمثلة هذه المشاعر مشاعر الحقد أو سوء النية التي قد تنشأ كرد فعل للظلم، الحد الأدنى من العاطفي يمكن أن يسمح بوجود الكثير من المشاعر السلبية التي قد يمر بها المرء عند تعرضه للظلم على سبيل المثال الغضب والحزن وخيبة الأمل والأذى، لكنهم يزعمون أن المغفرة تتطلب فقط أن نتغلب على مجموعة فرعية صغيرة منها تلك المشاعر التي قد يكون أفضل وصف لها بأنها انتقامية أو عدائية.
3- النظرية الانفعالية
بدلاً من الاستياء فإن نظرية الانفعالية المعتدلة هي الرأي القائل بأنه من أجل المغفرة يجب على المرء التغلب على كل من المشاعر الانتقامية العدائية وما قد نسميه الغضب الأخلاقي، وفقًا للعاطفية المعتدلة فإن التغلب على المشاعر العدائية لا يكفي للمغفرة، قد يحمل المرء غضبًا أخلاقيًا تجاه الظالم هكذا تقول وجهة النظر دون أن يتمنى أن تتألم مما فعلته، لكن كلاهما يجب التخلي عن الغضب الأخلاقي والمشاعر العدائية من أجل المغفرة.
يدافع العالم بول هيوز عن شيء مثل الانفعال المعتدل ويعتبر الموقف بمثابة غضب أخلاقي، وفقًا لهيوز إذا تم تشكيله جزئيًا من خلال الاعتقاد بأنه قد تعرض للأذى ظلماً من قبل شخص آخر، كما يلاحظ هيوز ليس كل الغضب أخلاقيًا إذا كان الفرد غاضبًا لأن شخصًا أسقط هدية على رأسه، فإن غضبه لا أخلاقي لأنه لا يتكون من اعتقاد أن هذا الفرد قد أخطأ فيه، ولكن لأن الاستياء حسب هيوز هو حالة نموذجية للغضب الأخلاقي، يجب التغلب عليه حتى يغفر المرء.
دور حسابات التحمل في نظريات المغفرة في علم النفس
تدعي مناهج أخرى للمغفرة أن هناك علاقة مهمة بين المغفرة والعقاب، حيث ربط علماء النفس بين المغفرة وإمكانية العفو في قانون الطبيعة بأنه يجب على الفرد أن يغفر عن ذنوبه السابقة التي يرغب بها التي تعرف بالتوبة، وفي تعليقه على هذا القانون كتب العالم برنارد غيرت هذه الفضيلة التي لها القدرة على العفو يمكن أن نسميها أيضًا بالتسامح، وعلى نفس المنوال جادل العالم ليو زيبرت مؤخرًا بأن المغفرة تعني رفض المعاقبة عمدًا.
وفقًا لعالم النفس روبرت إنرايت وزملاؤه فإن المغفرة تتضمن التخلص من العقوبات المستحقة، على هذه العقوبة في الصبر وجهات نظر الغفران والتسامح يعني بشكل حاسم الصبر على العقوبة، وفقًا لهذه الآراء عندما يغفر المرء لا يرتكب خطأ ماضيًا ضد شخص ما كان الشخص الذي يعاقب، فإن القيام بذلك سيكون بمثابة خطأ في الماضي ضد المخطئ، وقد تأتي حسابات التحمل على العقاب في مجموعة متنوعة من الأدوات، اعتمادًا على كيفية فهم المرء للعلاقات المنطقية بين عقوبة المغفرة والتسامح.
يمكن للمرء أن يرى أن تحمّل العقوبة ضرورية للمغفرة أو كافية أو كليهما، بدلاً من ذلك يمكن للمرء أن يقدم ادعاءً معياريًا حول العلاقات بين المغفرة والعقاب، فالمغفرة عن فعل خاطئ يجعل العقوبة المستقبلية على ذلك الخطأ غير مناسبة أخلاقياً، ومنها يرفض البعض هذه الادعاءات حول العلاقة بين تحمل العقوبة والمغفرة، وبدلاً من ذلك يجدون لا تضارب بين العقوبة والمغفرة.