الفيروسات ومرض السكري

تؤثر بعض الفيروسات على خلايا البنكرياس التي تُفرز الأنسولين، مما يؤدي إلى الإصابة بمرض السكري، ومن أهم الفيروسات المرتبطة بالإصابة بمرض السكري هي الفيروسات المعوية.

الفيروسات ومرض السكري

• بسبب أعداد المصابين الكبيرة حول العالم، وازدياد عدد الوفيات؛ حيث توفي حوالي 1.6 مليون شخص حول العالم بسبب مرض السكري في عام 2016، وذلك وفقاً  لمنظمة الصحة العالمية، وتشير التقديرات إلى أن 425 مليون شخص يعانون من مرض السكري في جميع أنحاء العالم، وبحلول عام 2045 تشير التوقعات إلى ارتفاع هذا الرقم إلى حوالي 629 مليون مصاب بالسكري على مستوى العالم؛ فقد أجريت العديد من الدراسات الحديثة والتي تُشير إلى وجود ارتباط بين الفيروسات ومرض السكري؛ حيث يمكن لبعض هذه الفيروسات التسبب بالإصابة بمرض السكري.

• إن مرض السكري  هو عبارة عن اضطراب لا ينتج فيه الجسم ما يكفي من الأنسولين أو يستجيب بشكل طبيعي للأنسولين، مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم أو ما يسمى بالجلوكوز بشكل غير طبيعي، والأنسولين هو عبارة هرمون يفرز من خلايا بيتا في البنكرياس، ويتحكم في كمية الجلوكوز في الدم؛ حيث يساعد الجلوكوز على الانتقال من الدم إلى الخلايا، بمجرد دخول الجلوكوز للخلايا، فإنه يتحول إلى طاقة، والتي يتم استخدامها في العمليات الأيضية في الخلايا، أو يتم تخزين الجلوكوز على شكل جلايكوجين في الكبد حتى يتم الاحتياج إليه.

• يوجد نوعين من داء السكري هما: مرض السكري من النوع الأول، وهو حالة من أمراض المناعة الذاتية حيث لا يستطيع البنكرياس إنتاج الأنسولين، ومرض السكري من النوع الثاني وينتج من خلال حدوث مقاومة للأنسولين، والسبب الرئيسي في كلا النوعين من هذا المرض هو حدوث مشكلة في هرمون الأنسولين.

• من أهم الأسباب التي تؤثر على هرمون الأنسولين وخلايا بيتا التي يفرز منها هذا الهرمون: العدوى الفيروسية أو البكتيرية، والعوامل البيئية، والعوامل الوراثية، ونمط الحياة غير الصحي، وزيادة الوزن، وحدوث رد فعل مناعي يتم فيه مهاجمة خلايا بيتا.

• إن بعض الفيروسات تُسبب مرض السكري في الحيوانات، وقد تورط البعض الآخر كمحفزات في للإصابة بمرض السكري في البشر من خلال الارتباط الزمني والجغرافي بين مرض السكري والعدوى الفيروسية، والأدلة المصلية على الإصابة في مرضى السكري الذين تم تشخيصهم مؤخراً من البشر.

• كما كشفت دراسة حديثة على الفئران أجراها باحثون في المركز الوطني الإسباني لأبحاث السرطان (CNIO) عن إمكانية تحفيز فيروس الكوكساكي المعوي من النوع بي 4 (CVB4) لمرض السكري.

• تم عزل الفيروسات من خلايا البنكرياس للعديد من الأفراد المصابين بمرض السكري، والتي تسبب في تدمير خلايا بيتا التي يفُرز منها هرمون الأنسولين.

• من أهم الفيروسات التي يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بمرض السكري هي: الفيروسات المعوية مثل  فيروس الكوكساكي المعوي من النوع بي 4، والفيروسات الهربسية مثل الفيروس المضخم للخلايا وفيروس إبشتاين بار، والفيروسات الراجعة، وفيروس الروبيلا، وفيروس التهاب المشيمي الليمفاوي، والفيروسات التاجية مثل الفيروس المسبب لمرض كوفيد 2019.

• تُعتبر الفيروسات المعوية هي الأكثر شيوعاً بين الفيروسات في التسبب بمرض السكري.

آلية تسبب الفيروسات في فشل إنتاج الأنسولين

• اكتشف باحثو المركز الوطني لأبحاث السرطان في إسبانيا (CNIO) الآلية الجزيئية التي يؤثر بها فيروس كوكساكي من النوع B4 على وظائف وهوية خلايا بيتا، والتي تفرز الأنسولين في البنكرياس، وبالتالي تعزز مرض السكري.

• تنتمي فيروسات كوكساكي إلى عائلة الفيروسات المعوية، والتي تشمل فيروس شلل الأطفال وغيرها الكثير، والتي يمكن أن تسبب أمراضاً خفيفة تشبه الأنفلونزا إلى أمراض أكثر خطورة، مثل التهاب عضلة القلب، والتهاب التامور، والتهاب السحايا، أو التهاب البنكرياس.

• عمل باحثو CNIO في المركز الوطني لأبحاث السرطان في إسبانيا مع نماذج حيوانية مطعمة بخلايا بنكرياسية بشرية مصابة بفيروس كوكساكي من النوع B4، وكذلك مع خلايا منتجة للأنسولين في الإنسان والفئران.

• لاحظ الباحثون في المركز الوطني لأبحاث السرطان في إسبانيا أن عدوى فيروس كوكساكي من النوع B4 تحث على تحرير URI، وهو بروتين ينظم الوظائف الطبيعية للعديد من الأنشطة الخلوية.

•  يؤدي خفض تنظيم URI إلى سلسلة من الأحداث الجزيئية التي تؤدي إلى تعديل الجينوم عن طريق فرط الميثيل وإيقاف جين Pdx1، وهو جين مهم لتحديد ووظيفة خلايا بيتا الموجودة في البنكرياس الصماء، في ما يسمى بجزر لانجرهانز، وهي مسؤولة عن إنتاج وإفراز الأنسولين، وهو هرمون يخفض مستويات الجلوكوز في الدم ، ويتسبب إيقاف الجين PDX1 في فقدان هوية ووظيفة خلايا بيتا، والتي تصبح أشبه بخلايا ألفا، والمسؤولة عن زيادة مستويات الجلوكوز في الدم، وبالتالي يؤدي إلى ارتفاع السكر في الدم ومرض السكري لاحقاً، وبغض النظر عن أي تفاعلات مناعية.

• أظهر الباحثون نتائجهم باستخدام نماذج الفئران المعدلة وراثياً ودراسات الجينوم، ولقد أظهروا أن فقدان URI في البنكرياس في الفئران يغير هوية خلايا بيتا ووظيفتها، مما يؤدي إلى الإصابة بمرض السكري.

• كما لاحظ الباحثون أن الفئران المصابة بداء السكري، والتي تفرط في إفراز URI في خلايا بيتا تكون أكثر تحملاً للجلوكوز.

• لقد أظهر الباحثون في العديد من بنكرياس المصابين بمرض السكري؛ أن التعبير عن URI و PDX1 والجزيئات الفيروسية يرتبط في خلايا بيتا، مما يبرز العلاقة السببية بين عدوى الفيروس المعوي ومرض السكري لدى البشر.

• يمكن أن تساعد نتائج CNIO في تعزيز المعرفة حول الآثار المرضية للفيروس المسبب لوباء كوفيد 19: فقد ارتبطت بعض الملاحظات السريرية الحديثة بفيروس SARS-CoV-2، وهو الفيروس المسؤول عن Covid-19، بمرض السكري في المرضى المصابين؛ وذلك نظراً لوجود مستقبلات هذا الفيروس في خلايا بيتا، لذا فإن  هذا الفيروس يمكن أن يغير أيضاً وظيفة URI ويقوم بإيقاف التعبير عن الجين PDX1، للتأثير على وظيفة خلايا بيتا، مما يعزز مرض السكري، ولذلك فإن الإصابة بفيروس كوفيد 19 قد يكون سبباً فيما بعد للإصابة بمرض السكري.

• يقترح الباحثون أنه بعد هذه النتائج، يمكن أن تكون استراتيجية الوقاية والعلاج المحتملة هي استخدام مثبطات ضد ميثيلاز ترانسفيراز الحمض النووي، وهو بروتين مسؤول عن فرط ميثيل الجينوم وإيقاف جين Pdx1، إلى جانب العلاجات المضادة للفيروسات.

• لقد أظهر فريق Djouder أن هذه الفئة من المثبطات أعادت التعبير عن جين PDX1، وتحمل الجلوكوز في الفئران المصابة بداء السكري، وقد تم بالفعل ترخيص العديد من هذه المثبطات للاستخدام السريري في علاجات السرطان، مما قد يؤدي إلى تسريع تطبيقها في حالات مرض السكري.

• تعمل الدراسات حالياً حول أي نوع يمكن أن تُسببه الفيروسات من أنواع مرض السكري، ومع أن العلماء يعتقدون أنه يمكن لها أن تُسبب النوعين، ولكن من المرجح أن تُسبب الفيروسات مرض السكري من النوع الثاني.