ما هي الديمقراطية المباشرة؟

كانت نظرية وممارسة الديمقراطية المباشرة والمشاركة، كخاصية مشتركة هي جوهر عمل العديد من المنظرين والفلاسفة والسياسيين، من أهمهم جان جاك روسو وجون ستيوارت ميل وجي إتش. كول.

مفهوم الديمقراطية المباشرة:

المعروفة بالديمقراطية البحتة، هي صورة من صور الديمقراطية، حيث يقرر فيها الأفراد المبادرات السياسية بصورة مباشرة. هذا يختلف عن معظم الديمقراطيات القائمة قي الوقت الراهن، التي تجسد ديمقراطيات تمثيلية.

لمحة عامة عن الديمقراطية المباشرة:

في الديمقراطية التمثيلية يصوت الناس للممثلين، الذين يقومون بعدها بإجراء مبادرات سياسية. في الديمقراطية المباشرة، يقرر الناس السياسات بدون أي وسيط، اعتماداً على النظام المعين المستخدم، قد تستلزم الديمقراطية المباشرة تمرير قرارات تنفيذية، استخدام الفرز، وضع القوانين، انتخاب المسؤولين أو طردهم بصورة مباشر وإجراء المحاكمات. يوجد نوعين رئيسيين للديمقراطية المباشرة، هما: الديمقراطية التشاركية والديمقراطية التداولية.
الديمقراطيات شبه المباشرة التي يدير فيها الممثلون الحوكمة اليومية، لكن المواطنين لا يزالون السيادة، حيث يسمحون ب 3 صور من العمل الشعبي: الاستفتاء، المبادرة والتذكر. أول صورتين الاستفتاءات والمبادرات، هما أمثلة للتشريعات المباشرة. اعتباراً من سنة 2019 سمحت ثلاثين دولة، بإجراء استفتاءات بدأها السكان على المستوى الوطني.
يخضع الاستفتاء الإجباري التشريع، الذي صاغته النخب السياسية إلى تصويت شعبي ملزم، هذا هو النوع الأكثر شيوعاً للتشريع المباشر. يقوم الاستفتاء الشعبي بتمكين المواطنين، من تقديم عريضة تدعو التشريعات القائمة، إلى التصويت من قبل المواطنين. تحدد المؤسسات الإطار الزمني لتقديم عريضة صالحة وعدد التوقيعات المطلوبة، وقد تتطلب توقيعات من مجتمعات متنوعة؛ لحماية مصالح الأقليات. يمنح هذا النوع من الديمقراطية المباشرة، الجمهور المصوت حق النقض الفيتو بصورة فعالة على القوانين، التي تبنتها الهيئة التشريعية المنتخبة كما هو الحال في سويسرا.
إن الاستفتاء الذي يبدأ به المواطن يطلق عليه أيضاً مبادرة، حيث يقوم بتمكين أفراد الجمهور من اقتراح تدابير قانونية، محددة أو إصلاحات دستورية للحكومة عن طريق الالتماس، كما هو الحال مع الاستفتاءات الأخرى، قد يكون التصويت ملزماً أو ببساطة استشارياً.
قد تكون المبادرات مباشرة أو غير مباشرة: من خلال المبادرة المباشرة، يتم وضع اقتراح ناجح مباشرة على بطاقة الاقتراع، ليتم التصويت عليه كما يتضح من نظام كاليفورنيا. بمبادرة غير مباشرة يتم تقديم اقتراح ناجح لأول مرة، إلى السلطة التشريعية للنظر فيها ومع ذلك، إذا لم يتم اتخاذ إجراء مقبول بعد فترة زمنية محددة، ينتقل الاقتراح إلى التصويت الشعبي المباشر. تخضع التعديلات الدستورية في سويسرا، لهذا النوع من المبادرات غير المباشرة.
إن الاستفتاء التداولي هو استفتاء يزيد من المداولات العامة، من خلال تصميم مؤسسي هادف، حيث تمنح سلطة الاستدعاء الجمهور سلطة عزل المسؤولين المنتخبين، من مناصبهم قبل نهاية فترة عملهم المعيارية.

تاريخ الديمقراطية المباشرة:

إن الديمقراطية الأثينية في القرن ال 5، هي الديمقراطية المباشرة الأولى البارزة، على الرغم من أنها غير ديمقراطية شاملة؛ لأنها قامت باستبعاد النساء والعبيد وغير الأثينيين. الدوائر الأساسية في الديمقراطية الأثينية هي التجمع، المكون من مواطنين ذكور. البولي مؤلفة من 500 مواطن والمحاكم القانونية، التي تتكون من عدد كبير من المحلفين، الذين يتم اختيارهم بالقرعة بدون قضاة.
لقد عرضت روما العديد من جوانب الديمقراطية المباشرة وغير المباشرة، من عصر الملكية الرومانية، وصولاً إلى انهيار الإمبراطورية الرومانية. في الواقع استمر مجلس الشيوخ، الذي تم تشكيله في الأيام الأولى من المدينة، من خلال المملكة والجمهورية والإمبراطورية، واستمر حتى بعد انهيار غرب روما وهيكلها ولوائحها، ما زالت تؤثر على الهيئات التشريعية في جميع أنحاء العالم.
فيما يرتبط بالديمقراطية المباشرة، يوجد للجمهورية الرومانية القديمة استراتيجية لتشريع الافراد أو تشكيل المواطنين وإصدار القانون ونقض مواطن من القانون التشريعي. يشير العديد من المؤرخين إلى نهاية الجمهورية، بإقرار قانون يدعى Lex Titia في 27 نوفمبر 43 قبل الميلاد، الذي ألغى العديد من أحكام الرقابة.
تحدث الديمقراطية المباشرة الحديثة أيضاً داخل Crow Nation، وهي قبيلة هندية أمريكية في الولايات المتحدة الأمريكية، القبيلة منظمة حول مجلس عام، يتألف من جميع الأعضاء في سن التصويت، يتمتع المجلس العام بسلطة إصدار قرارات، ملزمة قانوناً من خلال الاستفتاءات، تم تكريس المجلس العام لأول مرة في دستور كرو سنة 1948، حيث تم تأييده وإعادته إلى دستور سنة 2002.
يتم تناول بعض القضايا المحيطة بالمفهوم ذي الصلة، للديمقراطية المباشرة باستخدام الإنترنت وتقنيات الاتصالات الأخرى، في المقالة حول الديمقراطية الإلكترونية وأدناه تحت عنوان الديمقراطية المباشرة الإلكترونية. بشكل أكثر إيجازاً يطبق مفهوم الحوكمة مفتوحة المصدر مبادئ حركة البرمجيات الحرة على حوكمة الناس، مما يسمح للجمهور بأكمله بالمشاركة في الحكومة مباشرة بقدر ما يشاؤون.

معضلة الإصلاح الديمقراطي:

لقد حدد المنظرون الديمقراطيون معضلة؛ بسبب وجود ثلاث خصائص مرغوبة لنظام مثالي للديمقراطية المباشرة، التي تمثل تحدياً لتقديمها دفعة واحدة. هذه الخصائص الثلاث هي:

• المشاركة: مشاركة واسعة النطاق في عملية صنع القرار، من قبل الأشخاص المتضررين.
  
• التداول: مناقشة عقلانية يتم فيها ترجيح جميع وجهات النظر الرئيسية وفقاً للأدلة.
  
• المساواة: جميع أفراد السكان الذين تتخذ قراراتهم نيابة عنهم، لديهم فرصة متساوية لأخذ آرائهم في الاعتبار.
  تشير الأدلة التجريبية من عشرات الدراسات إلى أن المداولة تؤدي إلى تحسين عملية صنع القرار، حيث أن أكثر أشكال المشاركة الشعبية المباشرة، المتنازع عليها شعبية هي الاستفتاء على المسائل الدستورية.
  

لكي يحترم النظام مبدأ المساواة السياسية إما أن يشارك الجميع، أو يجب أن تكون هناك عينة عشوائية تمثيلية من الأشخاص، الذين يتم اختيارهم للمشاركة في المناقشة. في التعريف المستخدم من قبل علماء مثل: جيمس فيشكين الديمقراطية التداولية، هي صورة من صور الديمقراطية المباشرة، تفي بمتطلبات المداولات والمساواة لكنها لا تنص، على إشراك كل من يريد أن يشارك في المناقشة.
الديمقراطية التشاركية حسب تعريف فيشكين، تسمح بالمشاركة والمداولة الشاملة، لكن على حساب التضحية بالمساواة؛ لأنه إذا تم السماح بالمشاركة على نطاق واسع، فنادراً ما تكون الموارد الكافية متاحة لتعويض الأشخاص، الذين يضحون بوقتهم للمشاركة في المداولة. لذلك يميل المشاركون إلى أن يكونوا من ذوي الاهتمام القوي بالمسألة التي يتعين البت فيها، بالتالي لن يمثلوا في الغالب إجمالي السكان. يجادل فيشكين بدلاً من ذلك بأنه يجب استخدام، أخذ العينات العشوائية لتحديد عدد صغير، لكن لا يزال يمثل من الناس من عامة الناس.
يعترف فيشكين أنه من الممكن تخيل نظام يتجاوز الثلاثية، لكنه يتطلب إصلاحات جذرية للغاية إذا تم دمج هذا النظام في السياسة السائدة.

علاقة الديمقراطية المباشرة مع الحركات الأخرى:

دافع الأناركيون عن أشكال الديمقراطية المباشرة، كبديل للدولة المركزية والرأسمالية. مع ذلك لقد انتقد آخرون مثل: الأناركيين الفرديين الديمقراطية المباشرة، والديمقراطية بشكل عام لتجاهل حقوق الأقلية، بدلاً من ذلك دافعوا عن شكل من أشكال صنع القرار بالإجماع. لكن الماركسيين الليبراليين يؤيدون بشكل كامل، الديمقراطية المباشرة في شكل الجمهورية البروليتارية، حيث يرون حكم الأغلبية ومشاركة المواطن فضائل.
إن الاشتراكيين الليبراليين مثل: الشيوعيين الأناركيين والفوضويين النقابيين، يدافعون عن الديمقراطية المباشرة. تشير الرابطة الشيوعية الشابة في الولايات المتحدة، على وجه الخصوص إلى الديمقراطية التمثيلية، على أنها ديمقراطية برجوازية، مما يعني أنهم يرون الديمقراطية المباشرة، على أنها ديمقراطية حقيقية.

الديمقراطية المباشرة في المدارس:

تقوم المدارس الديمقراطية على غرار مدرسة Summerhill، بحل النزاعات واتخاذ قرارات السياسة المدرسية، من خلال اجتماعات مدرسية كاملة، يتم فيها ترجيح أصوات الطلاب والموظفين بالتساوي.

أمثلة على الديمقراطية المباشرة:

زاباتيستاس:

تستخدم الأراضي التي يسيطر عليها الزاباتيون، في المكسيك أيضاً عناصر الديمقراطية المباشرة. على المستوى المحلي يحضر الناس اجتماعاً عاماً يضم حوالي 300 عائلة، حيث يمكن لأي شخص فوق سن 12 سنة المشاركة في صنع القرار، حيث تسعى هذه الجمعيات إلى التوصل إلى توافق في الآراء، لكنها مستعدة للعودة إلى تصويت الأغلبية. لكل مجتمع 3 هياكل إدارية رئيسية:

• المندوبية: المسؤولة عن الإدارة اليومية.
  
• مجلس مراقبة الأراضي: الذي يتعامل مع الغابات والنزاعات مع المجتمعات المجاورة.
  
• وكالة الشرطة المجتمعية.
  تشكل المجتمعات اتحاداً مع مجتمعات أخرى لإنشاء بلديات مستقلة، التي تشكل مزيداً من الاتحادات مع بلديات أخرى لإنشاء منطقة. تتكون الزاباتيستا من خمس مناطق، يبلغ مجموع سكانها حوالي 300،000 شخص.
  

غرب كردستان:

في كردستان السورية في كانتونات روجافا، تمارس حركة الحرية الكردية نموذجاً جديداً من النظام السياسي، وهو نموذج الكونفدرالية الديمقراطية. تم تطوير هذا النموذج من قبل عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، على أساس التجربة والتقاليد الثورية الكردية ونظرية الشيوعية التي طورها موراي بوكشين.
على عكس نموذج السيادة بين الدولة والأمة، تقوم الكونفدرالية الديمقراطية على مبدأ الحكم الذاتي الراديكالي، حيث يتم اتخاذ القرارات السياسية، في التجمعات الشعبية على مستوى الكوميون، التي سترسل المندوبين إلى المستوى الكونفدرالي للمنطقة والكانتون.
يتعايش هذا الهيكل السياسي من أسفل إلى أعلى مع الإدارة الذاتية الديمقراطية، كما هو منظم في ميثاق العقد الاجتماعي، الذي اعتمده كانتونات روجافا في سنة 2014. تشكل هاتان الهيئتان وضعاً، وصفه ديفيد جرابر بأنه سلطة مزدوجة غريبة واحدة؛ لأن كليهما يتشكلان من نفس الحركة.