تغير المناخ على الأرض:
إن تغير المناخ والتعديل الدوري لمناخ الأرض ينتج عن التغيرات في الغلاف الجوي، وكذلك التفاعلات بين الغلاف الجوي، والعديد من العوامل الجيولوجية والكيميائية والبيولوجية والجغرافية الأخرى داخل نظام الأرض، والغلاف الجوي عبارة عن سائل ديناميكي يتحرك باستمرار، تتأثر كل من خصائصه الفيزيائية ومعدل حركته واتجاهها بمجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك الإشعاع الشمسي والموقع الجغرافي للقارات وتيارات المحيطات وموقع واتجاه سلاسل الجبال وكيمياء الغلاف الجوي والنباتات التي تنمو على سطح الأرض .
إن كل هذه العوامل تتغير بمرور الوقت، حيث تتغير بعض العوامل، مثل توزيع الحرارة داخل المحيطات وكيمياء الغلاف الجوي والغطاء النباتي السطحي في فترات زمنية قصيرة جداً، ويتغير البعض الآخر مثل موقع القارات وموقع سلاسل الجبال وارتفاعها، على مدى فترات زمنية طويلة جداً، لذلك فإن المناخ الذي ينتج عن الخصائص الفيزيائية وحركة الغلاف الجوي، يختلف باختلاف النطاق الزمني الممكن تصوره.
غالباً ما يتم تعريف المناخ بشكل فضفاض على أنه متوسط الطقس في مكان معين، بما في ذلك ميزات مثل درجة الحرارة وهطول الأمطار والرطوبة والرياح، وقد ينص تعريف أكثر تحديداً على أن المناخ هو الحالة المتوسطة وتقلب هذه الميزات على مدى فترة زمنية طويلة، ويقر كلا التعريفين بأن الطقس يتغير دائماً بسبب عدم الاستقرار في الغلاف الجوي، وبما أن الطقس يختلف من يوم لآخر، كذلك يختلف المناخ من دورات نهارية وليلية يومية إلى فترات زمنية جيولوجية تمتد مئات الملايين من السنين، وبالمعنى الحقيقي للغاية يعد تغير المناخ تعبيراً زائداً عن الحاجة؛ فالمناخ متنوع دائماً، لا توجد سنتان متماثلتان تماماً ولا أي عقدين أو قرنان أو أي ألفي عام.
تتناول هذه المقالة مفهوم الاختلاف والتغيير المناخي ضمن مجموعة السمات، والعمليات الطبيعية المتكاملة المعروفة باسم نظام الأرض، يتم شرح طبيعة الأدلة على تغير المناخ، وكذلك الآليات الرئيسية التي تسببت في تغير المناخ عبر تاريخ الأرض، وأخيراً تم تقديم وصف تفصيلي لتغير المناخ على مدى العديد من النطاقات الزمنية المختلفة، بدءاً من عمر الإنسان النموذجي إلى كل الأوقات الجيولوجية.
معلومات مهمة عن نظام الأرض:
يتأثر الغلاف الجوي بالسمات الأخرى للأرض ويرتبط بها، بما في ذلك المحيطات والكتل الجليدية (الأنهار الجليدية والجليد البحري) والأسطح الأرضية والنباتات، ومعاً يشكلون نظاماً أرضياً متكاملاً، حيث تتفاعل جميع المكونات مع بعضها البعض وتؤثر على بعضها البعض بطرق معقدة غالباً، على سبيل المثال يؤثر المناخ على توزيع الغطاء النباتي على سطح الأرض، (على سبيل المثال الصحاري موجودة في المناطق القاحلة والغابات في المناطق الرطبة).
ولكن الغطاء النباتي بدوره يؤثر على المناخ من خلال عكس الطاقة المشعة مرة أخرى في الغلاف الجوي، ونقل المياه (والحرارة الكامنة) من التربة إلى الغلاف الجوي والتأثير على الحركة الأفقية للهواء عبر سطح الأرض، ولا يزال علماء الأرض وعلماء الغلاف الجوي يسعون إلى فهم كامل للتغذية المرتدة والتفاعلات المعقدة بين المكونات المختلفة لنظام الأرض.
يتم تسهيل هذا الجهد من خلال تطوير علم متعدد التخصصات يسمى علم نظام الأرض، ويتكون علم نظام الأرض من مجموعة واسعة من التخصصات، بما في ذلك علم المناخ (دراسة الغلاف الجوي)، والجيولوجيا (دراسة العمليات السطحية والجوفية للأرض)، علم البيئة (دراسة كيفية ارتباط الكائنات الحية على الأرض ببعضها البعض وبيئتها)، علم المحيطات (دراسة محيطات الأرض)، علم الجليد (دراسة الكتل الجليدية للأرض)، وحتى العلوم الاجتماعية (دراسة السلوك البشري في جوانبه الاجتماعية والثقافية).
يتطلب الفهم الكامل لنظام الأرض معرفة كيفية تغير النظام ومكوناته عبر الزمن، أدى السعي وراء هذا الفهم إلى تطوير تاريخ نظام الأرض، وهو علم متعدد التخصصات لا يشمل فقط مساهمات علماء نظام الأرض، ولكن أيضاً علماء الأحافير (الذين يدرسون حياة الفترات الجيولوجية الماضية) وعلماء المناخ القديم (الذين يدرسون المناخات الماضية) وعلماء الأحياء القديمة (الذين يدرسون البيئات والنظم البيئية السابقة)، وعلماء الحفريات (الذين يدرسون تاريخ المحيطات)، وغيرهم من العلماء المعنيين بتاريخ الأرض.
ونظراً لأن المكونات المختلفة لنظام الأرض تتغير بمعدلات مختلفة وتكون ذات صلة بمقاييس زمنية مختلفة، فإن تاريخ نظام الأرض هو علم متنوع ومعقد، لا يهتم طلاب تاريخ نظام الأرض فقط بتوثيق ما حدث، كما أنهم ينظرون إلى الماضي على أنه سلسلة من التجارب التي تنوع فيها الإشعاع الشمسي وتيارات المحيطات والتكوينات القارية وكيمياء الغلاف الجوي، وغيرها من السمات المهمة، وتوفر هذه التجارب فرصاً لمعرفة التأثيرات النسبية والتفاعلات بين المكونات المختلفة لنظام الأرض، تحدد دراسات تاريخ نظام الأرض أيضاً مجموعة كاملة من الحالات التي مر بها النظام في الماضي وتلك التي يمكن للنظام تجربتها في المستقبل.
بلا شك كان الناس دائماً على دراية بالتغيرات المناخية في النطاقات الزمنية القصيرة نسبياً للفصول والسنوات والعقود، وتشير النصوص الكتابية والوثائق القديمة الأخرى إلى فترات الجفاف والفيضانات، وفترات البرد القارس وأحداث مناخية أخرى، ومع ذلك فإن التقدير الكامل لطبيعة وحجم التغير المناخي لم يحدث حتى أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، وهو الوقت الذي حدث فيه الاعتراف على نطاق واسع بعمق العصور القديمة للأرض.
وعلماء الطبيعة في ذلك الوقت، بمن فيهم عالم الجيولوجيا الاسكتلندي تشارلز ليل، عالم الطبيعة والجيولوجيا السويسري المولد لويس أغاسيز، عالم الطبيعة الإنجليزي تشارلز داروين، عالم النبات الأمريكي آسا جراي، عالم الطبيعة الويلزي ألفريد راسل والاس، جاءوا للتعرف على الأدلة الجيولوجية والجغرافية الحيوية التي كانت منطقية فقط في ضوء المناخات الماضية تختلف جذرياً عن تلك السائدة اليوم.
اكتشف الجيولوجيون وعلماء الأحافير في القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين أدلة على التغيرات المناخية الهائلة التي حدثت قبل العصر البليستوسيني؛ أي قبل حوالي 2.6 مليون سنة، على سبيل المثال أشارت الطبقات الحمراء إلى الجفاف في المناطق التي أصبحت رطبة الآن، (على سبيل المثال إنجلترا ونيو إنجلاند)، في حين أشارت أحافير نباتات مستنقعات الفحم والشعاب المرجانية، إلى أن المناخات الاستوائية حدثت ذات مرة في خطوط العرض العليا الحالية في كل من أوروبا وأمريكا الشمالية.
ومنذ أواخر القرن العشرين، أحدث تطوير التقنيات المتقدمة لتأريخ الصخور جنباً إلى جنب مع التقنيات الجdوكيميائية والأدوات التحليلية الأخرى ثورة في فهم تاريخ نظام الأرض المبكر، وأقر العلماء في أواخر القرن التاسع عشر بحدوث عهود متعددة في تاريخ الأرض الحديث، حيث توغلت الأنهار الجليدية القارية، التي تطورت على خطوط العرض العالية، إلى شمال أوروبا وشرق أمريكا الشمالية، واقترح عالم الجيولوجيا الاسكتلندي جيمس كرول أن الاختلافات المتكررة في الانحراف المداري، (انحراف مدار الأرض عن مسار دائري مثالي) كانت مسؤولة عن تناوب الفترات الجليدية والفترات بين الجليدية.
ثم تبنى عالم الرياضيات والفلك الصربي ميلوتين ميلانكوفيتش فكرة كرول المثيرة للجدل، في أوائل القرن العشرين، واقترح ميلانكوفيتش أن الآلية التي أدت إلى فترات التجلد كانت مدفوعة بالتغيرات الدورية في الانحراف بالإضافة إلى معلمتين مداريتين أخريين، وهما: الاستباقية (تغيير في التركيز الاتجاهي لمحور دوران الأرض) والميل المحوري (تغيير في ميل محور الأرض بالنسبة لمستوى مدارها حول الشمس)، كما يعتبر التباين المداري الآن محركاً مهماً للتغير المناخي عبر تاريخ الأرض.
دليل على تغير المناخ على الأرض:
تشترك جميع العلوم التاريخية في مشكلة، فكلما بحثت في زمن بعيد، أصبحت أكثر اعتماداً على أدلة مجزأة وغير مباشرة، إن تاريخ نظام الأرض ليس استثناء، حيث توجد سجلات الآلات عالية الجودة التي تغطي القرن الماضي في معظم أنحاء العالم، لكن السجلات أصبحت قليلة في القرن التاسع عشر، وقليل من السجلات تسبق أواخر القرن الثامن عشر، ويمكن استخدام المستندات التاريخية الأخرى في بعض الأحيان، بما في ذلك سجلات السفن والمذكرات وسجلات المحكمة والكنيسة وقوائم الضرائب.
وضمن السياقات الجغرافية الصارمة، يمكن أن توفر هذه المصادر معلومات عن الصقيع والجفاف والفيضانات والجليد البحري وتواريخ الرياح الموسمية وغيرها من السمات المناخية، لكن في بعض الحالات تصل حتى عدة مئات من السنين.
لحسن الحظ يترك التغير المناخي أيضاً مجموعة متنوعة من التواقيع في العالم الطبيعي، ويؤثر المناخ على نمو الأشجار والشعاب المرجانية، ووفرة الأنواع النباتية والحيوانية وتوزيعها الجغرافي وكيمياء المحيطات والبحيرات، بالإضافة إلى تراكم الجليد في المناطق الباردة وتآكل وترسب المواد على سطح الأرض، يدرس علماء المناخ القديم آثار هذه التأثيرات، ويبتكرون طرقاً ذكية ودقيقة للحصول على معلومات حول المناخات الماضية.
إن معظم الأدلة على التغير المناخي في الماضي ظرفية، لذا فإن علم المناخ القديم ينطوي على قدر كبير من العمل الاستقصائي، وحيثما كان ذلك ممكناً، يحاول علماء المناخ القديم استخدام خطوط أدلة متعددة للتحقق من استنتاجاتهم، غالباً ما يواجهون أدلة متضاربة، لكن هذا كما هو الحال في العلوم الأخرى يؤدي عادةً إلى فهم أفضل لنظام الأرض وتاريخها المعقد، وأصبحت مصادر البيانات والأدوات التحليلية والأدوات الجديدة متاحة ويتحرك المجال بسرعة، حدثت تغيرات ثورية في فهم تاريخ مناخ الأرض منذ التسعينيات، وستأتي العقود القادمة بالعديد من الرؤى والتفسيرات الجديدة.