ما هي أهمية علوم الأرض؟
يمكن النظر إلى علوم الأرض من خلال وجهين؛ أحدهما يصف تراكيب طبيعية ويتتبع آلية تطورها، والآخر يهتم بالتكوين والتطور الكيميائي للمواد الطبيعية، فالوجه الأول يتضمن العديد من الأفرع لعلوم الأرض مثل: الجيولوجيا البنائية والجيولوجيا التركيبية وعلم البلورات والجيوفيزياء، بالإضافة إلى البنية الأرضية (التكتونيك) والجيومورفولوجيا (أشكال سطح الأرض) والترسبات.
أما الوجه الثاني لعلوم الأرض فيتضمن كل من علم المعادن والجيوكيمياء وعلم الصخور، وفي الدراسات الجيولوجية يجب أن يكون هناك تكاملية بين الوجهين، والجيولوجيا البنائية أو الجيولوجيا التركيبية هي عبارة عن علم يهتم بنشأة وتاريخ التراكيب الجيولوجية الطبيعية.
وفي النطاقات التي تعرضت عبر تاريخها الطويل لعمليات تشوه يهتم هذا العلم بدراسة هندسة التشوهات المعقدة؛ وذلك بهدف فك رموزها والتعرف على طريقة تكوينها، ويمكن دراسة التاريخ التشوهي والتطور الجيولوجي لمنطقة ما من خلال معرفة هندسة التشوهات أولاً، ثم تستكمل الصورة من خلال بعض الدراسات الستراتغرافية والجيوكرونولوجية والجيوكيميائية والبترولوجية.
أهمية دراسة التشوهات الأرضية:
يمكن من خلال الوصف الهندسي للتشوهات الموجودة في الصخور الوصول إلى نتائج مهمة، مثل: التعرف على كيفية تحرك الكتل الصخرية (حركية الكتل الصخرية)، والتعرف كذلك على القوى المسببة للتشوهات الديناميكية، وهو ما من شأنه إماطة اللثام عن جيوديناميات (أو التحركات الأرضية) المنطقة أو النطاق الذي يتم دراسته.
ففي أي منطقة نشطة زلزالياً على سبيل المثال يمكن تفهم طبيعة الاجهادات الموجودة في المنطقة، ويمكن أيضاً معرفة التطور التكتوني من خلال إجراء تحليل حركي وديناميكي للصدع أو لأنظمة الصدوع الموجودة بهذه المنطقة، ويطلق على مثل هذا النوع من الدراسات اسم الفيزياء التكتونية أو الفيزيقا التكتونية، وعادة ما يكون هناك تكاملية بين هذه الدراسات والدراسات التي تهتم بتحليل البؤرة الزلزالية ذاتها (علم الزلازل).
وهذا يعني أن الوقوف على تطور السلاسل الجبلية يتطلب وصفاً تاريخياً لها، إضافةً إلى التعرف على الظروف الجيوديناميكية، ويفهم أيضاً أن التحليل التركيبي يقوم على ثلاثة مرتكزات رئيسية هي التحليل التركيبي (الوصف الهندسي) والتحليل الحركي والتحليل الديناميكي.
فلو تخيلنا أن جسماً ما حدثت له عملية تشوه طبيعية فالأمر يستلزم أولاً أن نصفه من الهندسية، وعندما يكون الشكل الأولي للجسم قبل حدوث عملية التشوه معروفاً، حيث نستطيع في هذه الحالة وصف وتحديد مقدار الانفعال الذي حدث للجسم، وذلك من خلال تحليل الانفعال النهائي والذي يعني بالمقدار الكلي من الانفعال الذي يتحمله الجسم، وتحليل الانفعالات النهائية يقوم بصفة رئيسية على التحليل التركيبي الهندسي.
أهمية التشوهات الصخرية:
عند دراسة التشوهات الطبيعية المؤثرة على الصخور تعترضنا صعوبات كثيرة في كل مرحلة من مراحل التحليل الرئيسية التي تم الإشارة إليها أعلاه، كما أن الصعوبات تتزايد وتكثر من التحليل التركيبي إلى التحليل الحركي ثم إلى التحليل الديناميكي، والسبب في ذلك أن القوى المؤثرة تكون غير معروفة.
ومن المهم معرفة أن الأمر يختلف بطبيعة الحال إذا ما أردنا دراسة التشوهات على مستوى العمل، حيث تكون القوى المؤثرة معروفة، كما أنه يسهل عند القيام بمقارنة بين الوضع الابتدائي (الأولي) وبين الوضع النهائي للجسم الذي يتعرض لهذه القوى (أي أن الجسم الذي حدثت له عملية تشوه) ويمكن من خلال الدراسات المعملية تفهم انسيابية المواد، ويقصد بالانسيابية سرعة استجابة المادة الصخرية لعمليات التشوه تحت الظروف المختلفة من الإجهادات ودرجات الحرارة.
وفي هذا السياق يقول تاربوك ولوتجتر عندما تتعرض الصخور لإجهاد (جهد) يفوق احتمالها، حيث تبدأ الصخور بالتشكل عادة بالطي أو الانكسار، ومن السهل أن نتخيل كيف تتكسر الصخور، وقد لجأ الجيولوجييون إلى الدراسات الميدانية والعمل في المختبر؛ وذلك بهدف تعريض الصخور للاجهاد (الجهد) في الوقت الذي وفروا ظروفاً اعتقدوا بأنها موجودة تحت أعماق مختلفة بالقشرة الأرضية (أي في باطن الأرض).
ومع أن مختلف الصخور تتشكل بدرجات مختلفة إلا أن الخصائص العامة لتشوه الصخور قد تم استنتاجها من التجارب الجيولوجية، حيث اكتشف الجيولوجيون أنه عند تعرض الصخور للإجهاد تدريجياً وتحت ضغط منخفض فإن هذه الصخور تستجيب أولاً للشكل المطاطي، والتغيرات الناتجة من التشكل المطاطي فهي تشكلات انعكاسية.
فالصخور تقريباً ترجع إلى شكلها وحجمها السابق عند إزاحة الإجهاد لكن عند تجاوز حد المرونة فإن الصخور إما أن تنكسر أو أنها تتشكل تشكلاً لدناً، والتشكل اللدن يحدث تغيرات دائمة؛ أي أن حجم وشكل الوحدة الصخرية يتغير خلال الطي والانسياب.
وفي الطبيعة لا بد من أن القوى الصغيرة تملك على دوراً مهماً في تشكيل الطبقات الصخرية ومراحل التشوه تولد ظواهر طبيعية بأحجام ودرجات مختلفة، فمن جهة هناك الظواهر الكبيرة كالأنظمة التجبلية الضخمة للأرض، ومن جهة أخرى فإن الإجهاد العالي يُنتج تكسرات صغيرة في الطبقات بمختلف المناطق.