كيف تم استكشاف القمر بواسطة المركبات الفضائية؟
بعد إطلاق القمر الصناعي الذي يسمى (Sputnik) التابع لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية في عام 1957، وهو أول مركبة فضائية تدور حول الأرض وأصبح من الواضح أن الهدف الرئيسي التالي لكل من برنامجي الفضاء السوفيتي والولايات المتحدة سيكون القمر.
ثم أعدت الولايات المتحدة بسرعة وأطلقت عدداً قليلاً من المسابير الروبوتية للقمر والتي فشل معظمها ولم يصل أي منها إلى القمر، وحقق الاتحاد السوفيتي مزيداً من النجاح، حيث حقق في عام 1959 أول هروب من جاذبية الأرض باستخدام (Luna 1)، وأول تأثير على سطح القمر باستخدام (Luna 2) وأول مسح فوتوغرافي للجانب البعيد من القمر باستخدام (Luna 3).
وبعد المركز الوطني للملاحة الجوية وإدارة الفضاء تأسست إدارة الفضاء (ناسا) في عام 1958، وأصبح برنامج الولايات المتحدة أكثر طموحاً من الناحية الفنية وأكثر توجهاً علمياً، وكانت التحقيقات الأولية للمركبة الفضائية موجهة نحو دراسة الشخصية الأساسية للقمر كجسم كوكبي عن طريق المراقبة الزلزالية وقياس طيف أشعة غاما والتصوير عن قرب.
يعتقد العلماء أنه حتى البيانات الزلزالية المحدودة ستعطي أدلة نحو حل السؤال عما إذا كان القمر جسماً بدائياً غير متمايز أو جسماً تم تسخينه وتعديله بواسطة عمليات فيزيائية وكيميائية مثل تلك الموجودة على الأرض، حيث ستكمل قياسات أشعة جاما النتائج الزلزالية من خلال إظهار ما إذا كان باطن القمر يحتوي على نشاط إشعاعي كافٍ ليكون بمثابة محرك حراري نشط، كما أنها ستعطي بعض المعلومات عن التركيب الكيميائي لسطح القمر، وسيكشف التصوير عن ميزات صغيرة جداً بحيث لا يمكن رؤيتها من الأرض، وربما يوفر معلومات حول عمليات سطح القمر وأيضاً إثارة الاهتمام العام.
ومن بين تسع بعثات رينجر الأمريكية التي تم إطلاقها بين عامي 1961 و1965، أصبحت المركبة الفضائية رينجر 4 (1962) أول مركبة فضائية أمريكية تضرب القمر، ومع ذلك فقد تجنبت الطائرات الثلاث الأخيرة فقط الأعطال التي ابتليت بها والتي حدت أو أنهت قبل الأوان مهام أسلافها.
وفي عام 1964 أعاد رينجر 7 (Ranger ) آلاف الصور التلفزيونية الممتازة قبل التأثير على التصميم وتبعه (Rangers 8 و9)(كلاهما 1965) بنجاح، وتم تسمية موقع تأثير (Ranger 7) باسم (Mare Cognitum) للمعرفة الجديدة المكتسبة، ومثال رئيسي على ذلك هو اكتشاف أنه حتى الميزات القمرية الصغيرة كانت في الغالب خافتة من تأثيرات النيازك المستمرة.
وبعد عدد من الإخفاقات في منتصف الستينيات حقق الاتحاد السوفيتي العديد من الإنجازات البارزة منها: أول هبوط ناعم على سطح القمر بواسطة لونا 9 وأول مدار قمري بواسطة لونا 10 وكلاهما في عام 1966، وطبيعة الثرى ولأن كبسولة الهبوط لم تغرق بعيداً عن الأنظار أكدت قوة تحملها التقريبية، وقد أشارت بيانات أشعة جاما من لونا 10 إلى تكوين بازلتي للمناطق القريبة من الجانب، وفي عام 1965 أعادت مهمة الطيران السوفياتي المسماة (Zond 3) صوراً جيدة للجانب البعيد من القمر.
وفي منتصف الستينيات من القرن الماضي نفذت الولايات المتحدة مهمتها الخاصة للهبوط السهل والمدار، وفي عام 1966 هبطت مساح 1 على القمر وأعادت صور التلفزيون البانورامية، ثم تبع ذلك ستة مساحين آخرين بين عامي 1966 و 1968 مع فشلين، لذلك لقد قدموا ليس فقط مشاهد تلفزيونية مفصلة لمشهد القمر، ولكن أيضاً البيانات الكيميائية الأولى عن تربة القمر وأول معلومات عن ميكانيكا التربة تُظهر الخصائص الميكانيكية لأعلى بضعة سنتيمترات من الثرى.
أيضاً خلال الفترة 1966 إلى 1967 قام خمسة مدارات قمرية أمريكية بإجراء مسوحات تصويرية لمعظم سطح القمر، مما يوفر رسم الخرائط الضروري لتخطيط بعثات أبولو.
نتائج رحلات أبولو حتى الوقت الحاضر:
بعد أن كان رائد الفضاء السوفيتي يوري جاجارين رائداً في الطيران البشري المداري في أبريل 1961، وضع الرئيس الأمريكي جون كينيدي هدفاً وطنياً يتمثل في هبوط رجل على القمر وإعادته بأمان بحلول نهاية العقد، وكان أبولو نتيجة لذلك الجهد.
وفي غضون بضع سنوات انخرط الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة بشدة في سباق سياسي وتكنولوجي لإطلاق رحلات مأهولة إلى القمر، في ذلك الوقت لم يعترف السوفييت علناً بالمدى الكامل لبرنامجهم لكنهم أطلقوا عدداً من الرحلات حول القمر بين عامي 1968 و1970 تحت الاسم العام (Zond) باستخدام مركبة فضائية مشتقة من تصميمهم التجريبي (Soyuz)، وجلبت بعض رحلات زوند صوراً ملونة للجانب البعيد للقمر، وحملت بأمان السلاحف الحية والكائنات الحية الأخرى حول القمر والعودة إلى الأرض.
وبالتوازي مع هذه التطورات بدأ العلماء السوفييت في إطلاق سلسلة من المركبات الفضائية الروبوتية (Luna) المصممة للذهاب إلى مدار القمر ثم الهبوط بحمولات ثقيلة، وهذه السلسلة التي استمرت حتى عام 1976 أعادت في النهاية عينات الحفر الأساسية من الثرى إلى الأرض، وهبطت أيضاً بمركبتين بعجلتين لونوخود 1 و2 (1970 و1973) اللذان كانا رائدين في الاستكشاف المتحرك الآلي للقمر.
في كانون الأول (ديسمبر) 1968 عملت الولايات المتحدة جزئياً بدافع القلق من أن يكون الاتحاد السوفييتي هو الأول في نقل الناس إلى محيط القمر، وظفت مهمة أبولو 8 لنقل ثلاثة رواد فضاء (فرانك بورمان وجيمس لوفيل وويليام أندرس) إلى مدار حول القمر، وبعد الدوران حول القمر ثلاث مرات عاد الطاقم إلى المنزل بأمان مع مئات الصور، ثم أكملت بعثتا أبولو 9 و10 الاختبارات المتبقية للأنظمة اللازمة للهبوط على القمر والصعود منه، وفي 20 يوليو 1969 وضع رواد فضاء أبولو 11 نيل أرمسترونج وإدوين (باز) ألدرين قدماً على سطح القمر بينما كان مايكل كولينز يدور فوقهما، تبع ذلك خمس مهمات هبوط مأهولة ناجحة وانتهت بأبولو 17 في عام 1972؛ لذلك عند الانتهاء من البرنامج وصل ما مجموعه 12 رائد فضاء على سطح القمر.
وبعد عشرين عاماً اعترف الاتحاد السوفيتي بأنه كان يهدف بالفعل إلى نفس هدف أبولو ليس فقط من خلال مجموعة من وحدات المركبات الفضائية للهبوط على القمر والعودة منه، ولكن أيضاً مع تطوير مركبة إطلاق ضخمة تسمى (N1) على غرار برنامج أبولو (Saturn V) وبعد عدة إخفاقات في إطلاق (N1) تم إلغاء البرنامج في عام 1974.
بعد بعثات أبولو واصل علماء القمر إجراء عمليات رصد متعددة الأطياف بالاستشعار عن بعد من الأرض، واتقنوا تقنيات مفيدة وتحليل البيانات، وأثناء تحليق جاليليو للأرض والقمر في كانون الأول (ديسمبر) 1990 و1992 في طريقه إلى المشتري، وأظهرت المركبة الفضائية إمكانية الرصدات متعددة الأطياف المحمولة عبر الفضاء (أي تصوير القمر في عدة نطاقات أطوال موجية منفصلة) لجمع البيانات الجيوكيميائية.
وكخطوة منطقية تالية اتفق العلماء عموماً على مسح عالمي للخصائص الفيزيائية والجيوكيميائية بواسطة مركبة فضائية آلية في مدار قطبي فوق القمر، واستخدام تقنيات تطورت من تلك المستخدمة خلال بعثات أبولو، وأخيراً بعد فجوة طويلة تم استكمال عملية رسم الخرائط المدارية للقمر مع رحلات المركبة الفضائية كليمنتين و(Lunar Prospector) التي تم إطلاقها في 1994 و1998 على التوالي.
ما هي نتائج مهمة استكشاف القمر:
أحدث برنامج أبولو ثورة في فهم الإنسان للقمر، واستمرت دراسة العينات التي تم جمعها والملاحظات البشرية والأدوات في القرن الحادي والعشرين، استمرت أيضاً تحليلات العينات من بعثات لونا وهي ذات قيمة لأنه تم جمعها من المناطق الاستوائية الشرقية البعيدة عن مواقع أبولو.
جاءت نتيجة جديدة وأساسية من تحديد العمر الإشعاعي للعينات، عندما تبرد صخرة من المادة المنصهرة إلى الحالة الصلبة يتم تجميد نظائرها المشعة في شبكات بلورية معدنية ثم تتحلل في مكانها، وبمعرفة معدل تحلل أحد الأنواع النووية (نوكليد) إلى نوع آخر، حيث يمكن للعلماء من حيث المبدأ استخدام نسب نواتج الانحلال كساعة لقياس الوقت المنقضي منذ تبريد الصخور، ويمكن استخدام بعض النويدات مثل نظائر الروبيديوم والسترونتيوم لتاريخ الصخور التي يبلغ عمرها مليارات السنين، القياسات المطلوبة مهددة بالتلوث ومشاكل أخرى مثل الأحداث الماضية التي ربما أعادت ضبط الساعة.
ومع ذلك ومع الحذر الشديد في تحضير العينات وتقنيات قياس الطيف الكتلي، فإنه يمكن العثور على النسب النظيرية وتحويلها إلى تقديرات عمرية، وبحلول وقت عودة عينة (Apollo) كان العلماء قد صقلوا هذا الفن، وباستخدام عينات النيازك كانوا بالفعل يحققون في التاريخ المبكر للنظام الشمسي.
أكد تحليل العينات القمرية الأولى أن القمر هو جسم متطور له تاريخ طويل من التمايز والنشاط البركاني، على عكس قشرة الأرض لا يتم إعادة تدوير القشرة القمرية عن طريق العمليات التكتونية، لذا فقد احتفظت بسجلات الأحداث القديمة، وعينات صخور المرتفعات التي أعيدتها بعثات أبولو اللاحقة عمرها ما يقرب من أربعة مليارات سنة، مما يكشف أن قشرة القمر كانت بالفعل صلبة بعد فترة وجيزة من تكثف الكواكب من السديم الشمسي.
على الرغم من أن البازلت الفرس يغطي نطاقاً واسعاً من الأعمار، إلا أنه يظهر بشكل عام أن التدفقات البركانية التي تملأ الأحواض حدثت بعد فترة طويلة من تكوين المرتفعات؛ هذا هو السبب في أنه يعتقد أنهم نشأوا من التسخين الإشعاعي اللاحق داخل القمر وليس أثناء حدث التسخين البدائي، وتشير تحليلات العناصر النزرة إلى أن عمليات الصخور المنصهرة للذوبان الجزئي أدت إلى ظهور حمم مختلفة.